الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"القارة السمراء".. ملجأ "داعش" بعد الهزيمة في العراق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مر أكثر من ١٢٠ يومًا على الإطلالة الملتبسة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب وتحديدًا فى ٢٢ مارس من العام الجاري، عندما أعلن القضاء على تنظيم ما بات يُعرف بالدولة الإسلامية «داعش»، فمنذ ذلك التاريخ وحتى كتابة هذه السطور «التنظيم» يعيد ترتيب أوراقه وصفوفه من أجل العودة.
ما زالت التدفقات المالية الخاصة بالتنظيم كما هي، لم تتأثر بشيء، وما زال «داعش» قادرًا على التجنيد والحشد وتنفيذ العمليات المسلحة، فماذا حدث إذن للتنظيم؟ وما تفسير عملياته المسلحة التى ضرب بها أغلب العواصم العربية والأوروبية منذ إعلان الرئيس الأمريكى تحرير آخر جيب فى مدينة الباغوز السورية، كل هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها من خلال العرض التحليلى لوضعية تنظيم «داعش» الحالية.


الوضع العسكرى لتنظيم «داعش»
هناك عدد من التحليلات ذهب إلى أن تنظيم «داعش» لم ينته بعد حتى نستطيع القول: إنه تم القضاء عليه، وإنه فى طريق عودته من جديد، هذه التحليلات ذهبت إلى أن «التنظيم» ما زال يحتفظ بقوته وحيويته، وأن ما حدث له كانت مجرد انتكاسة وليست هزيمة بالمعنى الذى صوره الإعلام أو حاولت القوات العراقية تصويره على لسان رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى فى ٩ ديسمبر من العام ٢٠١٧، ولا كما صوره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ٢٢ مارس من العام ٢٠١٩.
كيف يمكن الحديث عن انتهاء «داعش» والقوات الأمريكية التى شكلت العصب الرئيس للتحالف الدولى مع أكثر من ٧٠ دولة فشلت فى إلقاء القبض على أو قتل أبوبكر البغدادى طيلة ٥ سنوات من الصراع مع التنظيم المتطرف، كما أنها فشلت فى تحديد مكانه ومعه العشرات من أمرائه ومستشاريه ومقاتلى النخبة.
مفهوم أن معركة أمريكا مع «داعش» طيلة ٥ سنوات خيبت آمال العالم أو ربما أعطت مؤشرا عن عدم جدية الولايات المتحدة فى التعامل مع التنظيم المتطرف، فالولايات المتحدة كانت تواجه «داعش» عبر الصواريخ والطائرات وحجم العمليات التى قامت بها على الأرض كانت بسيطة بالشكل الذى لا يضمن القضاء على «داعش»، فضلًا عن أن العملية العسكرية للتحالف استمرت ٥ سنوات كاملة وهو عدد سنوات كبير.
العجيب أن «داعش» نجح فى تدشين ولاية جديدة فى آسيا بعد إعلان سقوطه على لسان الرئيس الأمريكى فى المنطقة المتنازع عليها بين باكستان والهند، وهذا دليل ثالث على أن «داعش» لم ينته بعد وأنه ما زال قويا، فضلًا عن وجوده الملموس عبر عشرات العمليات التى نجح التنظيم المتطرف فى تنفيذها سواء فى العراق أو حتى سوريا أو غيرها من العواصم الأوروبية.
كيف يمكن الحديث عن انتهاء «داعش» وقيادته المركزية العراق والموصل وما زال التنظيم نشطا بالشكل الذى عليه فى الجزء الشمالى من محافظة سيناء، فالتنظيم قادر على مد فروعه فى الدول المجاورة بالمقاتلين والسلاح، كما أنه ما زال قادرًا على تجنيد المئات والآلاف، وهو دليل رابع على حيويته، وهنا يجب الاعتراف بأن «التنظيم» لم ينته بعد حتى يمكن القضاء عليه تمامًا.
رفع تنظيم «داعش» شعار «باقية وتتمدد» وهو يعمل من أجل تمدده حتى ولو خسر البقعة الجغرافية التى سبق وسيطر عليها، ولذلك نرى أن «التنظيم» ما زال قويًا وقادرًا عن الدفاع عن فكرته رغم خسارته البقعة الجغرافية التى سيطر عليها، وهنا نعلق بالقول: إن فرقًا شاسعًا بين سقوط التنظيم جغرافيًا وبين هزيمة الفكرة وتفكيكها، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
عدد من الأسباب يمكن أن نقرأها من وراء تغول «التنظيم» بالصورة التى عليها حتى الآن منها التوتر السياسى الذى تشهده المنطقة العربية، وضعف وتهاوى الاقتصاد فى عدد من البلدان بخاصة فى القارة العجوز، ولعل الفوضى التى شهدتها المنطقة العربية بعد فوضى الربيع العربى وما يشهده بعض العواصم العربية حتى هذه اللحظة أحد أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار الإرهاب فى المنطقة العربية.
التنظيمات المتطرفة تخلق لنفسها بيئة حاضنة بهدف السيطرة على الأرض، ولذلك تترعرع هذه التنظيمات فى البيئة التى تشهد فوضى عارمة، وإن لم تكن هناك فوضى فإنها تخلق هذه الفوضى، تماشيًا مع ما طرحه أبوبكر الناجى فى كتابه إدارة التوحش، حيث أشار إلى ضرورة تنفيذ عمليات إرهابية مسلحة فى أكثر من مكان فى توقيت واحد، وهدفه هنا خلق حالة من الفوضى، عندما تتحقق هذه الفوضى فإن هذه التنظيمات تنجح فى تنفيذ مخططها.


أفريقيا وجهة «داعش» المنسية
القارة الأفريقية من أهم البدائل التى بحث عنها تنظيم «داعش» بعد سقوط دولته فى الرقة والموصل، فهى أحد أهم هذه البدائل والمسارات الآمنة للتنظيم، خاصة أن «التنظيم» أحد أهم وأكبر التنظيمات المتطرفة عابرة الحدود أو عابرة القارات على وجه الدقة، وهو ما يتطلب تصورا دقيقا وقويا لمواجهته.
على كل الأحوال وجهة «داعش» هذه رغم أنها مرئية إلا أنها منسية فى ذات الوقت، ولم تأخذ قوات الساحل والصحراء التى نشطت فى فبراير من العام ١٩٩٨ المعنية بحفظ الأمن ومواجهة الإرهاب فى القارة العجوز أى إجراءات يمكن الاطمئنان لها فى مواجهة التنظيمات المتطرفة التى تحالفت مع العديد من التنظيمات المحلية فباتت تهدد أمن القارة السمراء وأمن أوروبا، فضلًا عن تهديدها لأمن المنطقة العربية هى الأخرى.
أسباب كثيرة دفعت تنظيم «داعش» إلى البحث عن بدائل له فى أفريقيا واختيار مالى على وجه التحديد لنشاطه المتطرف كأحد التموضعات الرئيسية بجوار محاولات وجوده فى شمال ليبيا وجنوبها، من هذه الأسباب أن مالى تتمتع بوجود أغلبية مسلمة من تعداد سكانى يصل ١٥ مليون نسمة مقارنة بالدول المجاورة لها، فضلًا عن أنها الدولة الأقرب لأوروبا وتعتبر همزة الوصل الوحيدة والأقرب بين القارة السمراء والقارة العجوز، وهو ما يُساعد فى تدفق المقاتلين الأجانب لأوروبا.
أفريقيا كانت وما زالت بيئة خصبة للإرهاب، فأغلب التنظيمات المتطرفة المحلية مثل «بوكو حرام» فى نيجيريا و«أنصار الدين» فى مالى و«شباب المجاهدين» فى الصومال و«الملثمون والموقعون بالدماء» فى دول المغرب العربي، أعلنت كل هذه التنظيمات وغيرها ولاؤها إما لتنظيم قاعدة الجهاد أو تنظيم «داعش»، وهو ما أعطى قوة لهذه التنظيمات، ونقل معركة المنافسة بين التنظيمين بدلًا من السيطرة على أفريقيا إلى اتحاد وتوحد وتكامل بينهما خاصة بعد سقوط «داعش»، وهو ما يُصعب من مهام تحدى ومواجهة الإرهاب فى قارة أفريقيا.
أفريقيا كانت وما زالت ملاذًا آمنًا للإرهاب مع ضعف أجهزة الأمن المحلية أو المشتركة بين دول تجمع الساحل والصحراء أو حتى القوات التابعة للأمم المتحدة، وهنا كانت وجهة «داعش» الذى بحث عن دول قد تكون غير مستقرة سياسيًا واقتصاديًا فوجد ضالته فى هذه القارة وتحديدًا فى مالى والتى تتمتع بكنوز طبيعية متمثلة فى النفط والغاز ومناجم اليورانيوم، يحاول «داعش» امتلاك أدواته فى أفريقيا والانطلاق منها للعودة من جديد للمناطق التى سبق وسيطر عليها فى العراق والشام، فضلًا عن محاولته رسم خريطة جديدة تضم دولًا أخرى قد يكون له وجود قوى فيها أو أعلنت التنظيمات المحلية فيها مبايعة «داعش».
هنا فرق كبير بين حفظ الأمن أو تحقيقه، كما أن هناك فرقا كبيرا بين كليهما حفظ الأمن وتحقيق ومحاربة الإرهاب، وأعتقد أن أغلب القوات الأجنبية الموجودة فى أفريقيا مرتبطة بشكل كبير بفكرة حفظ السلام، لكنها لم تنجح فى تحقيقه إلا بعوامل أخرى يمكن سردها فى سياق آخر، فضلًا عن أنها لن تكون قادرة على مواجهة الإرهاب، وهى لا تضع هذه الأجندة على برنامج عملها.
انتشار التنظيمات المتطرفة فى أوروبا لا يُهدد فقط أمن المنطقة العربية على اعتبار فكرة الدولة البديلة لـ«داعش» إنما يُهدد الأمن الأوروبى على وجه التحديد، وهم يحاولون توجيه ضربات انتقامية ضد عدد من الدول فى أفريقيا لأسباب ترتبط بدور هذه الدول فى سقوط «داعش» ضمن التحالف الدولى لمواجهة «داعش».
مصر قامت مع عدد من دول الجوار بدور كبير فى تدريب قوات الساحل والصحراء، كما ساعدت على تقريب وجهات النظر فى مواجهة الإرهاب المعولم فى القاهرة، من خلال استضافة وزراء الدفاع لتجمع الساحل والصحراء، ولكن تبقى الجهود ضعيفة مقارنة بالتحديات التى تواجه العالم إزاء محاولات عودة «داعش» من جديد عبر الثوب الأسمر فى أفريقيا.
وهنا لا بد من دور دولى لمواجهة العودة، فهذا الدور لا يقل أهمية عن المواجهة التى استمرت ٥ سنوات من قبل التحالف الدولى مع قرابة ٧٩ دولة ضمن تشكيلة التحالف الدولى لمواجهة «داعش»، وهنا لا بد أن يقدم دعم للقارة الأفريقية من أجل مواجهة شاملة ورادعة ومطهرة للساحة الأفريقية، لا بد أن يوضع هذا الهدف أمام هدف آخر مرتبط بضرورة القضاء على بقايا «داعش» والتنظيمات المتطرفة حتى لا تعود مرة ثانية، وهنا لا بد أن تكون هذه المواجهة عبر شقها العسكرى والأمنى والفكرى أيضًا حتى لا تتحول أفريقيا إلى أفغانستان جديدة.


«داعش» بين القضاء عليه وفشل مواجهته
لا شك أن تنظيم «داعش» يعيش أزمة حقيقية تتعلق بتمدده واختفائه أصلًا من على الخريطة الجغرافية، وإن كانت الفكرة ما زالت حية وتتنفس حتى هذه اللحظة، وما زال «التنظيم» قادرا على تنفيذ عشرات العمليات المسلحة فى القارات السبع، وهو ما يفرض تحديًا أكبر يرتبط بسبل مواجهة هذا «التنظيم».
الفشل الأبرز فى خطط مواجهة «داعش» التى تبدو متواضعة أمام قوته التى تتضاعف مع الوقت؛ وكان ينبغى على المجتمع الدولى أن يتعامل بحرفية أكبر مع هذا «التنظيم» مدركًا خطره وخطورته باعتباره تنظيمًا عابرا للحدود والقارات، بحيث يتم الاتفاق على طرق مواجهته وفق خطورته المتنامية.
لا معنى للحديث عن القضاء على «التنظيم» فى العراق والموصل، بينما يتوغل ويتمدد فى دول وقارات جديدة وينفذ عملياته المسلحة فى كل مكان، فما معنى الحديث على القضاء على التنظيم فى الرقة والموصل، وهو نشط فى دول كثيرة وتدعمه دول فى المحيط الإقليمى والدولي، مثل قطر وتركيا، وقد يكون هذا الدعم مباشرا وغير مباشر، ولكنه متحقق دون تدخل حقيقى من الولايات المتحدة الأمريكية، فيزداد خطر «التنظيم» ويتمدد، وهو ما يدفعنا للقول بأن «التنظيم» لم ينته بعد حتى نتحدث عن عودته، وإذا قلنا إنه قد انتهى جغرافيًا فى بقعة جغرافية فإنه سوف يعود وسريعًا بقوة تدميرية أقوى مما كان عليها.
هناك دور عربى فى مواجهة تنظيم «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة، ورغم إيماننا بأن هذا الدور قوى ومؤثر، إلا أن فاعليته تتضاءل كثيرًا أمام غياب الإرادة الدولية التى تلعب على فكرة المصلحة السياسية أكثر مما تلعب على فكرة مواجهة «الإرهاب»، فقد نرى الولايات المتحدة الأمريكية تواجه «داعش» فى العراق والموصل، لكنها تدعم التنظيمات المتطرفة فى مصر مثل الإخوان المسلمين، الذين يوفرون حاضنة لداعش ولغيره من التنظيمات المتطرفة، هذه الازدواجية تؤكد غياب إرادة مواجهة الإرهاب وربما تدفعنا للقول إن جهود الولايات المتحدة فى مواجهة الإرهاب متواضعة للغاية وغير مؤثرة.
«داعش» لم يختف من الفضاء الإلكترونى حتى يمكن الحديث عن عودته مرة أخرى، فهو ما زال يملأ الفضاء الإلكترونى بخطابه، ونجح فى التأثير على آلاف الشباب فى العالم العربى دون وجود خطاب مواز للمواجهة، ودون أن تنجح المؤسسات الدينية فى تفكيك هذا الخطاب أو حتى التعامل معه، فبات خطاب «داعش» أكثر جذبًا عن غيره من الخطابات الأخرى المعنية بالرد عليه، ولذلك أصبح «التنظيم» ملء السمع والبصر رغم الإقرار بهزيمته جغرافيا.
لا يمكن الحكم بأننا نجحنا فى القضاء على «داعش» بشكل كامل، ولا يمكن الفصل بين القضاء عليه عسكريًا والقضاء عليه فكريًا، فأى تعامل مع «التنظيم» عسكريًا لن يؤتى بنتيجة مثمرة طالما ما زالت أفكاره حية، لأنها ببساطة شديدة سوف تُصبح مسئولة عن تجنيد آلاف وهنا تُصبح المواجهة الأمنية بلا فائدة.