الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حرب إلكترونية بين أمريكا وإيران.. هجمات سيبرانية على البرنامج النووي الإيراني.. واشنطن تسعى إلى تكوين تحالف دولي من آسيا وأوروبا والخليج

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الهجمات السيبرانية ذات الدوافع السياسية شكل من أشكال التجسس أو التخريب
شنت الولايات المتحدة الأمريكية فى ٢٠ يونيو الماضى، مجموعة من الهجمات السيبرانية ضد بعض الأجهزة الخاصة بالبرنامج النووى والصاروخى الإيراني، بعدما رفض الرئيس الأمريكى ترامب توجيه ضربة عسكرية ضد خمسة مواقع داخل الجمهورية الإسلامية، على خلفية إسقاط طهران لطائرة استطلاع أمريكية ادعت أنها تجاوزت الأجواء الإيرانية.

وجاءت الهجمات الإلكترونية كخيار بديل للرد العسكري، ومناسب لأسلوب طهران فى التعامل مع خصومها. فى السياق ذاته، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية طرح عدة خيارات بشأن التعامل مع طهران، تم تطوير معظمها من قبل وزارة الدفاع (البنتاجون) ووكالة الاستخبارات الأمريكية التى صوبت هى وتل أبيب عدة هجمات سيبرانية على البرنامج النووى الإيرانى فى فترات سابقة.


الجهود الأمريكية لمحاصرة طهران
قام وزير الخارجية الأمريكى «مايك بومبيو» بداية من ٢٤ يونيو الماضى بجولة فى الشرق الأوسط لبحث محددات الأزمة مع إيران مع عدد من الدول؛ تمثل أهمها فى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبحسب تصريحات «بومبيو» تهدف هذه الجولة للتأكد من توحد مواقف أكبر دولتين فى الخليج العربى إزاء السلوك الأمريكى المتبع مع طهران، فضلًا عن سعى واشنطن لتكوين تحالف دولى من آسيا وأوروبا ودول الخليج.
تأتى هذه الزيارة كرد فعل على قيام الجمهورية الإسلامية بإسقاط طائرة أمريكية، ادعت طهران أنها اخترقت مجالها الجوي، سيما وأن إسقاط الطائرة جاء بعد تعرض ثلاث ناقلات للنفط فى الخليج لهجمات اتهمت واشنطن طهران بالضلوع فى القيام بها. فى السياق ذاته، تقف أوروبا عاجزة عن اتخاذ أى قرار فى مواجهة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بغرض تهدئة الموقف مع طهران، ولكن الرئيس الأمريكى ما زال متمسكا بوجهة نظره حول عدم جدوى الاتفاق.
جاءت هذه الهجمات الإلكترونية فى سياق عدد كبير من الخيارات السرية التى عملت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية لمواجهة العدوان الإيرانى فى الخليج العربي. وعليه، أخبر مسئولو البيت الأبيض المخابرات أنه يجب التفكير فى مجموعة من العمليات تتفق مع نوع التخريب الذى يقوم به فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيراني، ولكن ما زالت هناك بعض الانقسامات فيما بين الديمقراطيين والمحافظين داخل الكونجرس الأمريكى بشأن حجم التصعيد الذى يجب أن يتبع مع طهران، ومدى الحاجة إلى هذا التصعيد وإمكانية تحمل عواقبه فى الوقت الحالي.

الهجمات الإلكترونية على إيران
بات هناك نوع جديد من القوة الذكية التى تستخدم فى مواجهة الدول؛ حيث أصبحت الهجمات الإلكترونية التى تستهدف المؤسسات جزءًا سائدًا من استراتيجيات عصر المعلومات، لقد بدأ عصر جديد من التكنولوجيا يشهد ثورة إلكترونية، وعليه، لقد أثرت هذه الظاهرة الافتراضية على المجتمعات باختلاف ثقافتها ودخلت ساحة الأمن والحرب، حيث نواجه الآن تهديدًا جديدًا يتمثل فى السلاح الافتراضي.
وتعد الهجمات السيبرانية ذات الدوافع السياسية ببساطة شكلا من أشكال التجسس أو التخريب، حيث كان الرعب النووى يمثل القضية الرئيسية فى علم السياسة فى القرن الماضي، أما الحرب الإلكترونية فباتت موضوعًا للحديث عن محفزات حالة الفوضى فى نظرية العلاقات الدولية. ومن ثم أثبتت هذه النظريات الجديدة فشل النظرية الواقعية فى الاستمرار لتكون بمثابة أحد أعمدة العلاقات الدولية الرئيسية.
وعليه، شنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى عام ٢٠٠٨ أعنف الهجمات الإلكترونية تطورا فى التاريخ على البرنامج النووى الإيراني، كما قامت الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما» بعدة حملات إلكترونية كانت تهدف إلى تقويض البرنامج النووى الإيراني، عن طريق توجيه عدد من الفيروسات الضارة التى بإمكانها مهاجمة برنامج تخصيب اليورانيوم.
كما كانت واشنطن أيضًا وراء الفيروس المعروف بـ Stuxnet الذى جعل بعض أجهزة الطرد المركزى الإيرانية - المستخدمة فى تخصيب اليورانيوم - خارج نطاق السيطرة، فضلًا عن فيروس «فليمر»، رغم أن هدفه الرئيسى كان التجسس على صناعة النفط فى البلاد، ولكن يُعتقد أنه قام بتحميل كميات هائلة من المعلومات على مدار عامين عن البرنامج النووى الإيرانى ولديه قدرات فنية فريدة. ومن هنا، تتمثل خطورة هذه الهجمات الإلكترونية المصاحبة للفيروسات الضارة فى أنه لم يظهر تأثيرها لمدة عام تقريبًا.


ردود الفعل الإيرانية
قامت طهران بزيادة التصعيد فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية حالة التوتر الشديد التى تسود العلاقات فيما بينهما؛ واستهدفت شركات الأمن السيبرانى الإيرانية عددا كبيرًا من الوكالات الحكومية الأمريكية وقطاعات اقتصادية بما فى ذلك النفط والغاز، فضلًا عن إرسال موجات هائلة من رسائل البريد الإلكترونى المزيفة.
وتظهر إحدى هذه الرسائل الإلكترونية المخادعة على أنها رسالة من المكتب التنفيذى للرئيس، ويبدو أنه يبحث عن أشخاص لشغل منصب «مستشار سياسي» على سبيل المثال، فيما تظهر رسالة بريد إلكترونى أخرى وكأنها تحتوى على تفاصيل حول تحديث بعض الجوانب فى إيميل «Microsoft Outlook».
وكثيرًا ما كانت تستهدف طهران قطاعات بعينها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كثير من الصناعات الحيوية، لكن تراجعت هذه الأعمال بشكل كبير بعد عقد الاتفاق النووى مع إدارة الرئيس الأمريكى «باراك أوباما»، ومن الجدير بالذكر أن واشنطن قامت بتوجيه اتهامات لطهران فى عام ٢٠١٦ بسبب حملة من الهجمات الإلكترونية على عدد كبير من البنوك الأمريكية.
نتيجة لما سبق، أقرت وكالات الأمن السيبرانى الأمريكية أنه من الضرورى توفير نظم الأمان الإلكتروني، سيما فى الأوقات التى تزداد فيها التوترات لحماية عدد كبير من القطاعات الخدمية الأمريكية من العدوان الإلكترونى الإيراني. وأشار عدد من المحللين إلى أن الحرب السيبرانية من شأنها إضعاف قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على نقل الحرب إلى خارجها فى المستقبل.
كما قامت الجمهورية الإسلامية بفعل الأمر نفسه ليس مع واشنطن فحسب، بل قام قراصنة إيرانيون فى عام ٢٠١٢ بشن هجوم إلكترونى على شركة النفط المملوكة للمملكة العربية السعودية «أرامكو»؛ وأطلقوا فيروسًا قام بمحو البيانات من على ٣٠ ألف جهاز كمبيوتر وترك صورة لعلم أمريكى محترق على الشاشات.
وفى هذا السياق، أكد المحلل السابق بوكالة الأمن القومى الأمريكية «أورين فالكويتز» على أنه من المهم أن نتذكر أن الفضاء ليس مجرد سلاح هجومى يمكن أن تطير فيه وتهبط فى يوم من الأيام، ولكن الأمر يحتاج إلى سنوات من التخطيط، لكن مع زيادة التوترات سيكون تأثير الإنترنت إحدى الأدوات التى يستخدمونها وأحد أصعب الأشياء التى يجب الدفاع عنها.
وتشير الهجمات الإلكترونية الأمريكية على البرنامج النووى الإيرانى إلى تحول استراتيجى كبير فى سلوك الولايات المتحدة الأمريكية تجاه خصومها؛ ويشير بعض المحللين إلى أنه نتيجة الدروس التى تعلمتها الولايات المتحدة الأمريكية من حروبها السابقة فى العراق وأفغانستان والفشل الكبير الذى منيت به. من ناحية أخري، باتت هناك أنواع جديدة من الحروب مثل الهجمات السيبرانية التى تمكن أى دولة من إضرار خصومها دون الالتقاء بهم مباشرة فى ساحة للمعركة، لا سيما وأن هذه الأنواع صارت أشد ضررًا من الحروب التقليدية.