السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"جوائز الدولة" تعيد مشكلة "قصيدة النثر" للواجهة من جديد

المجلس الأعلى للثقافة
المجلس الأعلى للثقافة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار إعلان المجلس الأعلى للثقافة عن الأسماء الفائزة بجوائز الدولة "التشجيعية- التقديرية – التفوق – النيل"، الأحد الماضي، عاصفة من الانتقادات بين الأدباء، ولا سيما الشعراء الذين استنكروا عدد الجوائز المحجوبة والتي تجاوزت الـ 20 جائزة، فيما ذهبت جائزة الدولة التشجيعية لديوان شعر فصحى تفعيلة وجائزة أخرى لديوان شعر العامية، بينما تجاهلت الجوائز أسماء أخرى لامعة في مجال قصيدة النثر، وقد اعتبر البعض ذلك بمثابة استمرار لتجاهل دور قصيدة النثر وما قدمته الأجيال حتى الآن.

ففي العام 1958 قدمت الشاعرة والناقدة الفرنسية سوزان برنار مصطلح قصيدة النثر في أطروحتها للدكتوراة، وقد تعرف عليه كثير من مثقفي العرب، وتم ترجمة الكتاب، ليفتح الباب أمام دفقة جديدة من التجديد الشعري، ومعركة أدبية لا تزال قائمة بين الكثيرين حول المصطلح، واعتبار القصيدة من عالم الشعر أم هو فن مستقل.

ومن بين المثقفين الذين أخلصوا لقصيدة النثر وإشكالياتها الشاعر الراحل شريف رزق، الذي كتب عنها قائلا: إن الإشْكاليَّاتُ الأساسيَّةُ لقصيدةِ النَّثْرِ تركزت في قَضَايَا: المُصْطَلحِ– الإيقَاعِ- كيفيَّةِ تحقيقِ الشِّعريَّةِ– علاقتِهَا بِالسَّردِ. وتباينتْ هذه القَضَايا حُضُورًا؛ فثمَّةَ إلحاحٌ شديدٌ على إشكاليَّةِ الجَمْعِ بينَ قصيدة والنَّثْر برغمِ مَا ارْتبطَ به كُلٌ منهما منْ دلالاتٍ، كذلكَ السُّؤال عن بديلِهَا العَروضيِّ، وعندَ تناوُلِ القضيَّةِ الثَّالثةِ: كيفيَّةِ تحقُّقِ الشِّعريَّةِ، تبرُزُ أمامَنَا الوسائِلُ الأساسيَّةُ التي رَكَّزَتْ عليها أعمالُ شُعراءِ الرِّياَدةِ المُتَمَرْكِزِيْنَ في تَجَمُّعِ مَجَلَّة: "شِعْر" اللبنانيَّةِ، منذُ أواخِرِ الخَمْسينيَّاتِ، وأبْرَزُهُمْ: توفيق صايغ، وجبرا إبراهيم جبرا، وإبراهيم شُكْر الله، وأدونيس، وأُنْسِي الحاج، وشوقي أبو شقرا، ومحمد الماغوط، وهيَ أعمالٌ مُتفاوتةُ القيمةِ. أمَّا عندَ تناولِ علاقتِهَا بالسَّردِ، فإنَّهُ يجدرُ في البداية، تحديد مفهوم السَّردِ، ثُمَّ الكشف عنْ مُكوناتِ العمليَّةِ السَّرديَّةِ، ثُمَّ اسْتِكشَاف تجلياتِ السَّرد في الشِّعرِ، وتحقُّقات السَّرد الشِّعريِّ– وهيَ الظَّاهرةُ الأبرزُ التي تتجلَّى هُنا – ثم رَصْد تجلياتِ البنيةِ السَّرديَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ، ثُمَّ مُتابَعَةِ ظاهرة مُهمَّة في السَّردِ الشَّعريِّ هِيَ: مُراوَغاتُ السَّردِ الشِّعريِّ؛ التي تقودُ إلى تشكيلِ بنيةٍ سرديَّةٍ خاصةٍ، تقومُ على الانزياحِ السَّرديِّ".
وقد ظهرت عدة تجارب ناضجة في قصيدة النثر، لكنها تظل في صراع مع الشكلانية والموضوع، وعلى الرغم من التركيز على مراحل التجديد في الساحة الشعرية المصرية فإن تجارب مثل تجربة الشاعرين السوريين أدونيس ومحمد الماغوط تعتبر مثالا رائدا.
كانت الشاعرة المصرية ملك عبد العزيز من المبدعات الأوائل اللائي كتبن قصيدة النثر، لكنها لم تحظ بشهرة واسعة، رغم تميز أعمالها وتفردها، فقد تميزت أعمالها بالمزج بين الموسيقى الداخلية والروحية لمفردات النص والتأمل الفلسفي للإنسان والحياة، واتخذت قاموسا خاصا يتسم بالنقاء والتفرد يدل على صوتها الخاص، وفي ديوان "أغنيات الليل" تقول: "ويربطني إليك شيء ما / عجيب في تداعيه /لأنك مرة عرَّيت ثوب الزيف من جسدك/ وألقيت القناع عن الندوب السود والفجوات/ وكشفت القروح الناغزات / وعورة السوءات/ وقلت:/ إليك.. هأنا../ فانظري../أرتاح أن اتعرى أمامك/ فانظري جرحي". وهي أيضا تواجه النفس لتسبطن مكامن القوة، ومتى تستطيع أن تتعرى كاشفة عن مواقع الزيف والكذب، وهي حالة إنسانية عامة بقدر ما هي إحساس ذاتي.
وقد هاجم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قصيدة النثر مطلقا عليها وصف القصيدة الخرساء مما أثار جدلا كبيرا بين كتاب قصيدة النثر فنشبت معركة بينهم جميعا، وقد شبه حجازي موقفه ذلك بموقف العقاد من قصيدة التفعيلة، لكنه تراجع عن رفضه للقصيدة وأعلن قبوله لها واستمتاعه بقصائد كان قد قرأها في النثر مصرا على وصفها بالخرساء لأنها ليست للغناء أو الإلقاء أو الإنشاد أي أنها ليست لغة صائته على حد تعبيره.
وإن كانت قصيدة النثر تعاني الآن الكثير من مشاكل الاعتراف بها إلا أنه أصبح لها جيل من الشعراء الذين يكتبونها بإيمان وإخلاص شديدين مثل الشاعر جرجس شكري والشاعرة إيمان مرسال والشاعر عماد أبو صالح، والشاعر علي منصور، والشاعر أسامة بدر، والشاعر عبد الغفار العوضي، والشاعر محمد القليني، والشاعر عبدالرحمن تمام، وغيرهم كثير.