الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في اليوم العالمي للأب.. حالة حب استثنائية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصمت في الحب كلام، والنظرة إعجاب، والتأمل ثورة، لا يعلم مداها سوى المتأملين، وأنا الطفلة الصامتة، المُحِبَّة المُعْجَبة، الثائرة المُتأمِّلة.
أحببت هذا الرجل بالفطرة، وعبَّرت عن حبي له بالصمت، وطالما منعني خجلي من تفجير تلك الثورة التى أجهدتني فى الصغر وأعيتني فى الكبر.
لا أمل الجلوس أمامه، والإنصات إليه، تأملي لقسمات وجهه جعلني أحفظ مسامات وجنتيه.
هو أبي، الذي أشبهه، وطالما تطايرت السعادة من عيني عندما يعرفني الناس من الشبه الذى يجمعني به، أبي كان كثير السفر، تارة للدراسة وأخرى للعمل، فى غيابه أشعر بالوحدة، فأجد السلوى فى كلامى عنه مع أمي، أعيش بين أشيائه، أتلمس ملابسه، أشم رائحتها، أتحدث مع صوره المعلقة على جدران منزلنا.
يعود أبي من السفر فيتهافت عليه شقيقاتي، يعانقونه ويبادلونه القبلات، أما أنا فكانت تمنعنى مهابته من الجري إليه ومعانقته، وطالما تمنيت أن أرتمي فى أحضانه، لكنه الخجل الذى حال دون هرولتي إليه، يأتينى أبي حيث أقف فاردًا ذراعيه يجذبنى إليه، فأسكن فى ذلك الحضن الذي يغنينى عن الدنيا، أبي كان يعرف أننى خجولة، صامتة، أكتم مشاعرى، فكان يهمس فى أذنى وحشتينى يا حبيبة بابا، تمنيت أن أصرخ.. وأنا أفتقدك، لكن صرخاتى كانت فى النظر إليه، والإمساك بيده حتى أنني كنت أشعر أننى ملكت الدنيا بما فيها.
علاقتى بوالدى خاصة جدًا، فهو المرجعية والسند، وهو العزيمة والقوة وقت الضعف، تزوجت صغيرة وصرت أُمًا لطفلين، وتحملت مسئولية الأب والأم فكان هو العون، كنت حرة فى آرائى فلم يفرض عليَّ قرارًا، ولم يجبرنى على شىء، فهو يدرك أن التجارب تكسبنى خبرة، وأن مظلته التى أحتمى بها من سعير الدنيا ستظل الملاذ الآمن، فى نجاحاتى، أبى كان الحافز، وفى إخفاقاتى كان وسيظل المنقذ، اجتاز بى محنة الانفصال، وحول محنتى إلى منحة، وبتوجيهاته بدأت حياة جديدة كنت أتمناها. ما زلت الطفلة أمام أبى التى تستمع بشغف وتتحدث بحذر، وتتمنى أن تظل أسيرة ذلك العالم المليء بالأساطير، فأنا الملكة أو الأميرة وأنا القوية.
لم يتوان دائمًا عن تشجيعى مهنيا، وإعطائى كل الدعم المعنوى، كان أول قرائى دائمًا، أتذكر فى بداية مشوارى فى بلاط صاحبة الجلالة فى عام ٢٠٠٩ وكنت وقتها أتدرب في مجلة أكتوبر، كنت أسمع بين الحين والآخر همهمات الزملاء يقولون: «يا عم دا أبوها بيكتبلها، شوية وهتختفى، مش هتصمد»، كانت تلك المواقف السخيفة تحزننى وتحبطنى، فكونك ابنة لكاتب كبير، ربما تظلم موهبتك، والحكم عليها. حين كنت أعود إلى المنزل محملة بكل تلك السخافات، كان يسألنى كعادته عملتِ إيه النهارده فى شغلك؟ أحكي ما حدث، وأنا يتملكني الحزن، فيقول لي: "بصي يا حبيبتى أنا لو بصيت لكل الناس اللى انتقدتنى مكنتش وصلت لما أنا فيه، بصى قدامك، طورى من نفسك واصنعى لكِ اسمًا فى عالم صاحبة الجلالة، الناس ساعتها مش هتقدر تغمى عينيها عنه، لازم تبقى قوية ومتتهزيش".
إنه عبد الرحيم علي، الأب والأخ والرفيق والحبيب والصديق والسند، ذلك الرجل الذى أشعر بجانبه أنه لا أحد فى هذا العالم يقدر على إيذائى، فهو بالنسبة لى حالة حب استثنائية بكل المقاييس، فكم من مواقف كادت تكسرنى ولكن وجوده بجانبى كان دومًا نعم السند والعون، فكلماته كلنت تعطينى القوة، وستظل ترن فى أذنى إلى الأبد، تعطينى الأمل، كل عام وأنت حبيبى، كل عام وأنت السند.