الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حرب الجيل الخامس بين "واشنطن وبكين".. أوروبا في مرمى التنافس الأمريكي الصيني.. البيت الأبيض يحذر حكومات أوروبية من التعامل مع "هواوي".. وبريطانيا توافق للشركة الصينية على تزويدها بتقنية 5G

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حرب أشبه بالحرب الباردة، تخوضها أمريكا والصين، فى مجال صناعة التكنولوجيا، ففى الوقت، الذى تعمل فيه بكين على تطوير قدراتها فى مجال الذكاء الاصطناعى، تتهمها واشنطن بالقيام بعمليات تجسس من خلال الشركات التكنولوجية على الولايات المتحدة والغرب.



الصراع بين البلدين لم يقتصر تأثيره على حدودهما بل امتد ليشمل نطاقًا أوسع، حيث لجأت بكين إلى روسيا لمواجهة الضغوط الأمريكية، من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الاتصالات الروسية «STM» لتخفيف حدة خسائر «هواوي» جراء الضغوط. 
أوروبا أيضًا دخلت على خارطة الصراع بين البلدين، ففى الوقت الذي حاولت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، حصار الشركات الصينية، من خلال إطلاق تحذيرات للعديد من الحكومات فى أوروبا من العمل مع شركة Huawei؛ قررت بعض الدول التعاون مع الحكومة الصينية فى إنشاء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها، وفى مقدمتها بريطانيا.



العلاقات الأمريكية الصينية تشهد توتر جديد نتيجة التقدم التكنولوجى والانتشار الواسع الذى تحققه بكين خارج الأسواق الآسيوية؛ حيث ساهمت شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى تعثر العلاقات بين الجانبين، تجلى ذلك فى الهجوم الأمريكى الذى شنه وزير الخارجية «مايك بومبيو» على شركة «هواوي»، فى الوقت الذى كثف فيه الضغط على بريطانيا، محذرًا من أن تعرض معلومات الاستخبارات الأمريكية لخطر التجسس من قبل الشركة الصينية، نتيجة استخدامهم تقنيات الخاصة بها فى نقل المعلومات.
الدوافع الأمريكية
تشكل الصين من وجهة نظر الإدارة الأمريكية تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا كبيرًا، فضلًا عن استمرار تقدمها التكنولوجى الذى يعد تحديًا جديدًا، كما ترى واشنطن أن الصين تعد نظامًا استبداديًا استطاع الاندماج فى الاقتصادى الغربى بجانب أن «الصين تسرق الملكية الفكرية لأغراض عسكرية». لأنها تريد السيطرة على تكنولوجيا الفضاء والصواريخ البالستية والعديد من المجالات الأخرى. 
فيما تكمن المخاوف الأمريكية فى أن القانون الصينى يسمح للحكومة بطلب الوصول إلى البيانات المتدفقة عبر أنظمة Huawei، الأمر الذى قد يسهم فى الوصول إلى كميات هائلة من البيانات التى ستنتقل فى نهاية المطاف عبر ٥G، ما يسمح لبكين بالتجسس على الشركات والأفراد والحكومات، وحدوث اختراق أمنى للدول العاملة مع نظام هواوى، فسيؤدى ذلك إلى تقييد قدرة الولايات المتحدة على تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة مع شركائها، وإلى إعاقة قدرتها على مشاركة بعض المعلومات داخل شبكات موثوق بها. هذا هو ما تريده الصين تقسيم التحالفات الغربية. 
لذا تدرك الإدارة الأمريكية مدى قوة الصين التى تتمدد بشكل سلمى حتى الآن على الصعيد الاقتصادى والتكنولوجى، لكن هنا التخوف من تحويل هذه القوة بشكل تقليدى إلى قوة عسكرية منافسة للولايات المتحدة تعمل على الهيمنة على التفاعلات العالمية، تزامنًا من تنامى النفوذ الصينى فى آسيا لمواجهة أى وجود أمريكى تجسد ذلك فى المواجهات غير المباشرة فى بحر الصين الجنوبى الذى يعد من أهم المعابر الدولية. 
وعليه تسعى الإدارة الأمريكية إلى تطويق هذا النفوذ على كل الأصعدة من خلال فرض عقوبات اقتصادية على الصين، وعلى وارداتها من المعادن ومواد التصنيع، علاوة على التصدى للاستثمارتها الخارجية خاصة مع الدول الأوروبية. بما فى ذلك منع الشركات الأمريكية من تزويد هواوى بالمكونات الرئيسية التى تحتاجها لبناء شبكات ٥G فى جميع أنحاء العالم. 

الضغط الأمريكي على بريطانيا

حذرت الولايات المتحدة العديد من الحكومات فى جميع أنحاء أوروبا من العمل مع شركة Huawei؛ حيث قررت بعض الدول التعاون مع الحكومة الصينية فى إنشاء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها. وفى مقدمتها بريطانيا بعد تسريب قرار من مجلس الأمن القومى البريطانى السرى قرار الموافقة لشركة Huawei بتزويد تقنية ٥G بعد اجتماع متنازع عليه أثار فيه خمسة من أعضاء مجلس الوزراء اعتراضات. 
الأمر الذى اعتبره بعض المسئولين بأنه يهدد التعاون الاستخباراتى مع الولايات المتحدة، ما أثار المزيد من الانتقادات من قبل النواب المحافظين المعارضين للخطة.


فيما أعرب «روبرت سترر» نائب مساعد وزيرة الخارجية فى وزارة الخارجية الأمريكية عن إن شركة «لم تكن بائعًا موثوقًا به» وأن أى استخدام لتكنولوجيتها فى شبكات ٥G يمثل مخاطرة، ما يتعارض مع الموقف البريطانى.
فى المقابل قال المتحدث باسم «تيريزا ماي» رئيسة الوزراء: «لقد كان موقفنا دائمًا هو أنه عندما تنشأ مخاوف تتعلق بالأمن القومى فى أى استثمار أجنبى، ستقوم الحكومة بتقييم المخاطر والنظر فى مسار العمل الذى يتعين اتخاذه».
وتقول Huawei إنها شركة خاصة، مستقلة عن الدولة الصينية، مملوكة إلى حد كبير من قبل موظفيها، وعملت على توفير تكنولوجيا الهاتف فى المملكة المتحدة لمدة عشر سنوات ونصف السنة دون مشاكل.
كما تعتقد وكالات الاستخبارات البريطانية عمومًا أن شركة Huawei بحاجة إلى مراقبتها -وهى مهمة تم تفويضها إلى وحدة تابعة لـGCHQ تُعرف باسم «الخلية»، والتى تفحص البرنامج الذى تستخدمه لمعرفة ما إذا كانت هناك أى أماكن خلفية خفية أو نقاط ضعف أخرى يمكن أن تستغلها الصين. 
تزامنت الضغوط الأمريكية على بريطانيا مع حالة عدم الاستقرار الداخلى الذى تشهده الساحة السياسية نتيجة عدم التوافق حول ملف الخروج من الاتحاد الأوروبى، ورغبة الحكومة فى التواصل مع القوى الاقتصادية الكبرى لتحقيق مع مصالحها وإقامة علاقات تجارية قوية معها مع الاعتماد أيضًا على علاقاتها الدبلوماسية والتجارية الوثيقة مع الولايات المتحدة. وذلك مع تعهد «بومبيو» بحجب المعلومات الاستخبارية من الدول التى تواصل استخدام معدات الاتصالات الصينية. 
المخاوف الأوروبية
تعتمد الشبكات اللاسلكية الأوروبية بشكل كبير على Huawei، لذا فإن حظر معداتها سيكون له تبعات سلبية عليهم، وقد يؤدى فرض حظر واسع النطاق إلى تغييرات باهظة فى الثمن.
كما تكمن المخاوف الأوروبية من تراجع العلاقات التجارية مع الصين، خاصة بريطانيا التى تسعى إلى إبرام شراكات تجارية جديدة تزامنًا مع مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبى، وذلك بالرغم من أن المسئولين الأوروبيين أصبحوا يشككون بشكل متزايد فى القوة الاقتصادية المتنامية لبكين، إلا أن الصين لا تزال ثانى أكبر شريك تجارى للاتحاد الأوروبى بعد الولايات المتحدة. 
الأمر الذى برهنت عليه عضو البرلمان الأوروبى «كارولين ناجتيجال» التى ساعدت فى كتابة قرار حول مخاطر الأمن السيبرانى التى تمثلها الصين التى تجنبت الدعوة إلى حظر هواوي: «لست متأكدًا أن الحظر هو الحل». «علينا أن نكون حذرين للغاية فى اتخاذ خطوة من هذا القبيل.» العديد من الدول التى تواجه ضغوطًا أمريكية لم تتخذ أى قرارات نهائية. فى بريطانيا، على سبيل المثال، يقول مسئولو المخابرات إن التهديد يمكن إدارته، لكن الحكومة يمكنها فى نهاية الأمر نقضها. 
لذا فمن المتوقع أن تصمد بعض الدول الأوروبية فى وجه القرارات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بأمن المعلومات، لأنه أصبح تحديًا كبيرًا لا بد من التنسيق والتعاون بشأنه، فبالرغم من أن هناك تخوفًا من الصين، هناك قلق متزايد من التحول الاستراتيجى فى السياسة الأمريكية تجاه الحلفاء الأوروبيين. 
فى المقابل من المتوقع أن تنساق بعض الدول لهذه القرارات أملًا فى إبرام اتفاقيات جديدة مع واشنطن تمكنها مع تلبية احتياجاتها من التقنيات الحديثة، لمواجهة التمدد الصينى، وهو ما حاول «ترامب» الترويج له إبان زيارته للمملكة المتحدة فى ٣ يونيو ٢٠١٩، معربًا عن إمكانية عقد شراكات جديدة مع بريطانيا فى حالة الخروج من الاتحاد الأوروبى.
الأمر الذى يجسد سعى الإدارة الأمريكية فى كسب ود الحلفاء الأوروبيين لمواجهة الصين لكن ظاهريًا؛ حيث إن إدارة «ترامب» تسعى لتوظيف إمكانياتها للضغط على أوروبا لتبنى سياسات مغايرة مع باقى الدول الكبرى خاصة الصين وروسيا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادى والطاقة لخدمة مصالحها.