الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هبوط اضطراري بـ"البالون".. لماذا؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طفرة لا ينكرها أحد، حدثت بالبيت الفني للفنون الشعبية، فور تولي الفنان القدير عادل عبده رئاسته منذ حوالي عام ونصف من الزمن.
في بداية فترته رأينا الفرق الفنية تتلألأ ويعود لها رونقها، وشاهدنا فرقة رضا في ثوب جديد، كما لم نشاهدها منذ أعوام طويلة، بعدما انطفأ بريقها وتهلهلت، وإذا بها تنطلق في سماء الفن الشعبي وكأنها كانت تنتظر من يبعثها من رقدتها الطويلة، كما رأينا فنانو البالون وهم يخطفون الأنظار بعروض مسرحية استعراضية، وضعتهم على قدم المساواة مع عروض البيت الفني للمسرح بعد غياب عن المنافسة، كما أعاد سيرك مايو للحياة، وتم بث الروح من جديد في مسرح عبدالوهاب بالإسكندرية، واستكمل ترميمه.
خبرة عادل عبده ابن البيت الفني وأحد أهم كوادره، مكنته من أن يجلو الغبار والصدأ الذي علق بالفرق الفنية المختلفة، منذ اليوم الأول له في مسرح البالون - أهم وأكبر المسارح التابعة للبيت الفني - لأنه يعرف مكامن الخلل والخطأ الذي سببه رؤساء البيت السابقين عليه، وباتت المشاكل المتراكمة تحاصر البالون والعاملون به من كل مكان، وذلك بعدما دأبت وزارة الثقافة، في فترات سابقة، وعلى مدار عقد كامل، على اختيار قيادات من خارج البالون لا يعرفون شيئا عن كواليسه وهمومه ومشاكله، وأحيانا لا يدركون أهميته وطبيعة عمله، فكانت أغلب قراراتهم وسياستهم لا تصب في صالح العمل العام للفنون الشعبية.
عام ونصف مر على وجود عادل عبده على رأس الفنون الشعبية، جرت خلالها كثير من المياه في النهر، واستطاع أن يواجه خلالها الكثير من الأمواج العاتية، ولولا حنكته لما استطاع أن يجابه الرياح العاتية التي كادت أن تعصف به في بداية عهده، لدرجة دفعته للتفكير جديا في تقديم استقالته أكثر من مرة.
كل ما سبق من إنجازات حقيقية، لا يمنع المتابع لما يدور في البالون أن يلاحظ بسهولة تراجعا في أداء الفنون الشعبية خلال الفترة الماضية، وهو تراجع لا يتناسب مع الدور المطلوب من هذه المؤسسة المهمة في هذه الفترة الفارقة.
أسباب وقوف البيت الفني منذ فترة "محلك سر"، دون تقدم حقيقي أو تجديد يعود من وجهة نظري إلى أسباب كثيرة لابد أن نتحلى بالمصارحة والمكاشفة ونحن نناقشها، وعلى رأس هذه الأسباب عدم وجود رؤية جديدة وخارج الصندوق، لحل المشاكل المزمنة التي تعاني منها فرق البيت الفني، والاكتفاء بإقامة أنشطة استهلاكية لعشاق الفنون الشعبية، وعدم دخول عش الدبابير لتوفير الكثير من نواقص الفرق الفنية وكلها من أساسيات عملها، وإحجام الإدارة عن ضخ وجوه جديدة في بعض الفرق مثل الفرقة القومية للموسيقى الشعبية التي خسرت عددا من نجومها ورموزها إما بالوفاة أو بالخروج على المعاش، وهي مشكلة مزمنة يعاني منها البيت الفني لأن القانون يمنع الاستعانة بفنانين من هذا المجال النادر إلا في أضيق الحدود وبإجراءات صعبة، وبأجر لا يتناسب مع ما يبذلونه من جهود ولا يتناسب مع خبرتهم النادرة.
تقدم الفنون الشعبية وعودتها لازدهارها، لن يتم بالشكل المراد إلا إذا أخلص العاملون في البالون للمجال الذي يعملون به وغلبوا المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية الضيقة، بل ولا بد من ان يتم رفع كفاءة عدد كبير منهم وفق المعطيات الحديثة للفنون التي تطورت كثيرا وألا يكتفون بتقديم نفس عروضهم المسرحية ورقصاتهم وأنشطتهم التي عفا عليها الزمن، كما هي لأنها تحتاج إلى تطوير وإبهار لا يخرجها عن هويتها، وأن يضع الفنانون أنفسهم محل الجمهور الذي مازال يشاهد الرقصات التي قدمها عبقري الفنون الشعبية محمود رضا دون ان يمل منها ولكنه مع ذلك في انتظار الجديد الذي يمكن أن يمثل طفرة في هذا المجال.
فالجمهور يدرك أن الأب المؤسس محمود رضا فنان متجدد خلاق، لو فكر أن يجدد شباب الفرقة لقدم الكثير من التصميمات المبهرة الجديدة التي تتمسك بالهوية المصرية الأصيلة دون أن تفقد الجدة والحداثة والتطوير إذ لا تعارض بينهما شريطة أن يمتلك الفنان روح المغامرة والجرأة وزمام المبادرة، على عكس كثير ممن يحتلون واجهة المشهد ولا يملكون إلا موهبة متواضعة وجل أمانيهم تتلخص في إعادة تقديم تراث الفرقة، وهو هدف نبيل إلا أنه لا يحقق ما نأمله لأن ذلك يتم بالفعل.
المشاكل التي تعاني منها البالون كثيرة ومتعددة، ولا يتحملها أي رئيس بيت فني بمفرده، وإنما هي مسئولية جميع العاملين والفنانين الذين يجب أن يساهموا في النهوض بمستوى العروض وتقديم رؤى خلاقة جديدة.. ويمكن أن نفرد لهذه المعوقات مساحة خاصة فيما بعد، لنضع أمام صناع القرار رؤية متكاملة لهذا المكان الذي صنع في وقت من الأوقات نجوما مازالوا يحتلون مكانا بارزا في سماء الفن.
البوابة كانت ومازالت من أهم المنابر الإعلامية الداعمة والمساندة لتقدم الفنون الشعبية، إلا أن بقاء الوضع على ما هو عليه، والركود الذي يواجه هذه المؤسسة  يجب ألا يستمر كثيرا حتى يقبل الجمهور من جديد على عروضها وأنشطتها ويصبح أهم المشجعين لها بدلا من أن ينفض يده منها إلى غير رجعة، وفي هذه الحالة كلنا خاسرون وليس وزارة الثقافة فقط.