الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

عيد اليمن مع "الحوثي".. توتر وقلق.. وهروب من الواقع لـ"مجالس القات"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تستقبل المدن اليمنية عيد الفطر المبارك، بالحزن والألم على فراق الأحبة برصاص الحرب التى تعيشها والتوتر والخوف من الأوضاع الجارية، عقب انقلاب ميليشيات أنصار الله الحوثي، على الرئيس الشرعى للبلاد، عبد ربه منصور هادي، وسبب الانقلاب فى حالة من الخراب والدمار فى جميع أرجاء اليمن.
ومع دخول العيد اشتكى مواطنون يمنيون من الارتفاع الملحوظ الذى أصاب أسعار السلع الأساسية بسبب، والإقبال المتزايد على الأسواق والمراكز التجارية لشراء مستلزمات العيد التى قفزت أسعارها فى وجه المواطن اليمنى البسيط.

ويشهد اليمن تدهورًا كبيرًا فى الوضع الصحى والإنساني، جراء الصراع الدائر فى البلاد منذ أكثر من عامين، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن المعركة فى اليمن مع الكوليرا لم تنته بعد، ولا يزال الوباء يهدد الملايين.
ولا يستغنى اليمنيون عن عاداتهم وتقاليدهم فى المواسم والأعياد، حيث يمثل العيد فى اليمن الفرصة الوحيدة لسرقة الفرحة وسط كل الأحزان التى تعيشها الأسرة اليمنية، ويتحول إلى مهرجان للمصافحة، فيقبل اليمنيون على بعضهم البعض يتصافحون ويتعانقون وينسون خلافاتهم، وهو ما يتمنونه أن يكون هذه السنة، بأن تنتهى الحرب وتعود الحياة كما كانت من قبل، ويعود الأطفال إلى الشوارع لتفريغ شحناتهم وممارسة هواياتهم فى اللعب والمرح والابتهاج والتنزه فى الحدائق وزيارة الأقارب.

عادات اجتماعية فى عيد الفطر 
وهناك عادة اجتماعية كانت موجودة إلى عهد قريب ولم تقض عليها الحروب، وهى أنه إذا أُعلن عن انتهاء شهر الصيام، يقوم الأطفال بأخذ أكوام من الرماد ويجعلونه على أسطح المنازل على هيئة أوعية دائرية، ثم يصبون فيها الجاز ويشعلونها، فى صباح يوم العيد يخرج الجميع إلى الشوارع والميادين من أجل أداء صلاة العيد والاحتفال بانتهاء الشهر الكريم.
ومع الحرب اختفى كثير من المظاهر التى كانت تميز مدينة صنعاء، كما تلاشت الفعاليات الثقافية النوعية، التى كانت ترافق قدوم الشهر الكريم وعيد الفطر المبارك مثل مهرجان الإنشاد اليمنى، الذى كان بمثابة بصمة خاصة من بصمات المدينة الموغلة فى التاريخ، ليحل مكانها أنين الناس وشكواهم، التى لا تنقطع نتيجة التدهور المستمر فى الوضع الاقتصادى وما يرافقه من غلاء فاحش فى الأسعار، إضافة إلى المعاناة الأساسية التى رافقتهم من العام السابق والمتمثلة فى انقطاع التيار الكهربائى بصورة كلية والاستعاضة عنه بالطاقة الشمسية لدى الميسورين من الناس، والانعدام التام للمشتقات النفطية والغاز المنزلى الذى يستخدم فى الطبخ.
الصراع بين الحكومة والمليشيات ألقى بظلاله الثقيلة كذلك على أرواح اليمنيين المنهكة، حيث غزت الشعارات السياسية الشوارع والأسواق والمساجد، الأمر الذى خلق تلوثًا بصريًا وروحيًا وعلى وجه الخصوص فى مدينة صنعاء القديمة المسالمة، والتى بدا الحزن جليًا على جدرانها وأزقتها مع انتشار المظاهر المسلحة التى لم تكن تعرفها المدينة من قبل.
ما زال سوق الملح الشهير فى صنعاء القديمة يعج بكثير من البضائع مع دخول العيد والتى كانت تزدهر تجارتها فى رمضان مثل الفضيات والنحاسيات والعقيق والأحجار الكريمة، كما ما زال الدخان يتصاعد من المطاعم الشعبية، حيث تتم صناعة أشهر أطباق المائدة التقليدية اليمنية مثل السلتة والقنم وحلويات الروانى وبنت الصحن.
وتعج الأسواق بالحركة والمتسوقين، لكنها تعانى من ضعف قدرتهم الشرائية كما يقول أحد الباعة للحياة، وعلى الرغم من استمرار الباعة فى عرض كثير من المنتجات والمأكولات الشعبية المخصصة لعيد الفطر المبارك، لكن حركة البيع والشراء تراجعت إلى حد غير مسبوق كانعكاس مباشر للتدهور الاقتصادى وانخفاض سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.

طقوس مضغ القات فى العيد
وبعد صلاة العيد مباشرة ينصرف متعاطى القات سريعًا إلى مجالس القات، وهى ثمة طقوس معينة لمضغ القات فى بعض مناطق اليمن، فعادة ما يحضر كل شخص حزمة القات الخاصة به يحملها تحت ساعده، إذا كان القات من ذلك النوع الطويل، ثم يخلع نعليه عند عتبة الديوان ويقوم بتحية الحضور قائلا السلام عليكم، فيرد عليه الحضور بانسجام وعليكم السلام وأحيانا يزيد الحضور بالقول ورحمة الله وبركاته، يقوم بعدها بمصافحة الحضور فردًا فردا باتجاه عكس عقارب الساعة.
ويقوم من يعرف الشخص القادم أو يكن له الاحترام بالنهوض ومصافحته واحتضانه، ويجلس الناس وظهورهم إلى الجدار متكئين بمرافقهم اليسرى على وسائد ثابتة ومرتفعة قليلًا وثنى أرجلهم وأوساطهم، ويعتبر مد القدم وسط المجلس نقصًا فى أسلوب آداب الجلوس ما لم يكن الحضور من الأصدقاء المقربين أو من أفراد العائلة.
ويقوم البعض بتدخين السجائر بينما يشترك البعض فى شرب «النارجيلة» وتجد أمام ماضغى القات قوارير الماء والشاى ومشروبات الطاقة، وتجمع الحضور صداقات حميمة وفى الغالب يقوم أحدهم بانتقاء غصن من القات ويرميه لشخص آخر كتعبير عن الصداقة وحسن النوايا.
وبالنسبة لحديث الحضور فغالبًا ما يدور حول الحكومة والسياسة والأحداث الدولية وأى شى يخطر على البال، ولكن ليس عن الفروسية أو كرة السلة.

نسبة متعاطي القات فى اليمن
وتشير التقديرات إلى أنّ نحو 90% من الذكور البالغين يمضغون القات يوميًا، أما نسبة الإناث فتشكل قرابة 50%، وتشير نتائج إحدى الدراسات التى أُجريت لصالح البنك الدولى فى الآونة الأخيرة إلى أنّ 73% من النساء فى اليمن يمضغن أوراق القات بشكل متكرّر نسبيًا.
وما يثير الدهشة، فى الوقت ذاته، نزوع 15% إلى 20% من الأطفال دون سن 12 عامًا إلى تعاطيه بشكل يومى أيضًا.

مجالس القات
يضع المتعاطى أوراق القات فى فمه ثم يقوم بمضغها وتخزينها فى أحد شدقيه ويمتصها ببطء مع الكثير من الماء أو خلطات متنوعة من مشروبات الطاقة.
ويجلس متعاطو القات فى مجموعات مفعمة بالحيوية يتجاذبون أطراف الحديث ويضحكون ويقتلعون فى الوقت ذاته، الأوراق الطرية من الأغصان لوضعها داخل خدودهم حتى تمتلئ وتتخذ شكل كرة التنس تقريبًا.
وتستمر الجلسة التى تتخذ شكلًا حميما بين الناس لساعات طويلة، حيث يبدأ «التخزين» بعد تناول وجبة العشاء الذى يكون غالبًا بين الثامنة والتاسعة ليلًا ويستمر إلى قبيل أذان الفجر.
وتختلف طقوس الأعياد الدينية فى اليمن من منطقة إلى أخرى بحسب التقاليد المعتادة لكل منطقة، وتمتزج ما بين زيارات الأهل والأقارب والجيران وإقامة الولائم والرحلات الترفيهية وبين زيارة مناطق مجاورة للتعرف على عاداتها وتقاليدها فى هذه المناسبة، فضلا عن جلسات السمر الليلية والاجتماعات وغيرها وتكون فرحة العيد فى اليمن بحسب الإمكانيات، وبعد صلاة العيد تذهب النساء الى المقابر لزيارة كنوع من الولاء للأهالى وقراءة القران، فيما ينصرف الرجال سريعا إلى مجالس القات من أجل تناوله بعد حرمان طول شهر رمضان الكريم.
ومن مظاهر العيد المثيرة للإزعاج، بحسب المراقبين، انتشار الألعاب النارية وإغراق الأسواق بها، ويقترن عيد الفطر عادة مع بروز ظاهرة الألعاب النارية لدى الأطفال الذين يبدأون فى إشعالها ابتهاجا بالعيد، وفى ظل ظروف الحرب الدائرة، فقد أصبح العيد يجعل من أطفال اليمن يعيشون أجواء معارك لم تنته.
وتطورت لعب أطفال اليمن فى عيد الفطر الماضى من المسدسات المائية التى تطلق قطرات مياه من فوهتها إلى بنادق قناصة وكلاشينكوف بلاستيكية، حيث صارت البنادق لعبة رئيسية فى متناول الأطفال يخوضون بها معارك شرسة مع أصدقائهم فى سلوك وصفه مراقبون بـ«الخطير وغير الطبيعي».
ويرى محللون أن تطور لعب الأطفال فى اليمن إلى هذا المستوى من الألعاب القتالية وتقليد سلوك المقاتلين ليسا سوى محاكاة للحروب الحقيقية التى تخوضها الجماعات المسلحة فى أنحاء من البلاد.
وغالبا ما تستقبل المستشفيات ضحايا وجرحى نتيجة معارك لأسلحة الصغار، حيث تؤدى بعض الذخيرة «كرات بلاستيكية صغيرة» للكلاشينكوف البلاستيكى إلى فقدان بعض الأطفال لأبصارهم، وفى أحسن الأحوال تهددهم بالعمى المؤقت إذا أصابت هدفها وسط العين.
وفى تعز وسط غياب المعايدات والتهانى بشكلها التقليدى كما درجت العادة، عيد بنكهة الرصاص وصوت المدافع التى أزاحت عن السماء أصوات الطيور ومرح الأطفال ومشاكساتهم العفوية التى تزين أجواء العيد بحضوره.
ويعيش سكان مدينة تعز العيد هذا العام وهم يزدادون تحسرًا على ما حل بحياتهم، والأمر لا يتعلق فقط بفظاعة الفتك والتدمير الذى يتعرضون له جراء الحرب الدائرة فيها منذ أكثر من عام، التى خلفت عشرات آلاف من القتلى والجرحى والنازحين؛ بل الحصار الخانق الذى ساهم فى اتساع رقعة معاناتهم والتردى المريع فى وضعهم الإنساني.

المأكولات العيدية:
ومن المأكولات فى صباح العيد أنواع الحلويات جعالة العيد، وهى عبارة عن زبيب ولوز وفستق وكعك وكيك، كما تأكل فى الصباح التمور ووجبات مثل فتة اللبن مع السمن أو فتة العسل والفتة هى قطع خبز بلدي، أما فى الظهيرة فيتناول اليمنيون وجبة الغداء التى تشتمل على وجبة الزربيان أو وجبة الكبسة وهى أطباق من الأرز مع اللحم، ويضاف إليه الزبيب والبطاط.

اللبس العيدي:
جميع أفراد الأسرة اليمنية ومع إشراقة يوم العيد يلبسون أفضل ملابسهم وبالذات الجديدة ويتزينون ويتعطرون ويخرج الرجال مع أطفالهم إلى الساحات والمساجد لأداء صلاة العيد فيما تنشغل النساء بتجهيز البيت.
ويفضل اليمنيون الملابس الشعبية فالرجال يلبسون قميصا مكمما وطويلا يصل إلى القدم مع جنبية خنجر معكوف فى داخل خشب مزين بنحاس أو خيوط خضراء مع حزام ذهبى اللون، ويلبس الشال والكوت وأحيانا تعمل عمامة على الرأس، أما النساء فهم يلبسون لبسا اعتياديا لأن خروجها مرتبط بلبس البالطو أو العباءة السوداء، ويستخدمن النساء الخضاب أو الحناء لرسم نقوش على الأيدى والأرجل.

المصافحة:
يقبل اليمنيون على بعضهم البعض فيتصافحون ويتعانقون وينسون خلافاتهم، وتختلف طرق المصافحة من منطقة إلى أخرى، لكن معظم اليمنيين يتصافحون بالأيدى ويلامسون بوجوه بعضهم البعض وفى مناطق كسقطرى تتم التحية بملامسة أنفى كلا المتصافحين، وفى بعض المناطق يقبل الصغار الكبار فى ركبهم وتقبل النساء الرجال الأقارب على رءوسهم.

عسب العيد:
حب اليمنيين للعادات والتقاليد العيدية يجعلهم يحرصون على أن يهل عليهم العيد وهم بين أهاليهم فتجدهم يعودون من المدن التى يقطنون فيها إلى القرى لقضاء عطلة العيد، ويأتى ذلك امتدادا للترابط الأسرى القوى الذى شكل عامل الدفاع والمحرك الأول للعادات اليمنية فى فترة الأعياد.
ويحرص اليمنيون على إبراز الجانب الاجتماعى فى مراسم الاحتفال بالعيد فيعودون المرضى ويتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول العيد فى أعقاب الصلاة.
وهناك عدة اجتماعية مشهورة وتعرف عسب العيد وهو عبارة عن مبلغ من المال بدون تقدير معين يدفع من قبل الكبير لأهاليه وبالذات النساء والأطفال، ويعد عسب العيد رافدا مهما للأسر الفقيرة التى تقوم بقضاء جزء كبير من ديونها بسبب تكاليف العيد من خلاله.
كما أن التجار والجمعيات الخيرية يعتبرون العيد مناسبة جيدة لتقديم عطاءاتهم للفقراء والمساكين، وتشمل أحيانا تلك العطاءات معظم أصحاب الدخول المحدودة.

جلسات العيد:
يسيطر القات على مجالس الرجال يوم العيد فى حين تعد مجالس النساء الأقل اهتماما به وتتواجد تعميرة المداعة والشيشة والسجائر أحيانا لدى الجانبين. ويعتبر اليمنيون جلسات القات العيدية أهم جلسات العام؛ لأنها تجمع شيخ القبيلة مع معظم أفراد قبيلته لتدارس الأوضاع والنقاش حول بعض القضايا، مع الابتعاد عن الروتين اليومى وهو سماع الشكاوى.
وتحكى فى مجالس العيد كثير من الحكايات والطرائف والقصص التأريخية مع ذكريات الأعوام الماضية.
كما أن هناك جلسات عيدية داخل المنازل يقبل لكثير من اليمنيين على السفر مع أسرهم إلى مناطق سياحية وساحلية مثل عدن والحديدة، كما ينفذ البعض حفلات رقص شعبى فى ساحات كبيرة تعبر عن البهجة.
وداع رمضان يشكل حزنا كبيرا لدى اليمنيين ويظهر ذلك من خلال إرهاق وصمت ومزاج غير طبيعى لدى البعض منهم مع غياب شمس يوم العيد، لكنهم سرعان ما يعاودون تقاليدهم الرمضانية من خلال صوم 6 أيام من شوال مباشرة.
زيارة المرضى والمقابر:
ويقوم اليمنيون أيضا بزيارة المرضى فى المستشفيات إضافة إلى زيارة المقابر للسلام على موتاهم والدعاء لهم، فى كل المناسبات حتى فى أيام الأعياد.