الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«الفوضى».. استراتيجية «داعش» للعودة في سوريا والعراق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
معهد بروكينجز يقدم استراتيجية شاملة لمواجهة استمرار التهديدات الإرهابية فى العالم



أظهرت الهجمات الإرهابية المروعة الأخيرة التى شهدتها هولندا فى 18 مارس الماضي، وسريلانكا فى 21 أبريل الماضي، أن التنظيمات المتطرفة لا تزال تُمثل أحد التهديدات الرئيسية الخطيرة فى جميع أنحاء العالم، خاصة على حالة الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من فقدان تنظيم «داعش» سيطرته على معظم الأراضى التى كان يسيطر عليها؛ فإنه يظل مُلهِمًا للعديد من أتباعه الذين يقومون بتنفيذ هجمات جيدة التخطيط فى العديد من الدول فى الآونة الأخيرة. وأصدر معهد بروكينجز فى شهر مايو المنصرم، تقريرًا بعنوان «دفع الإرهاب الجهادى للعودة لجحوره: كيفية مواجهة التهديد الإرهابى المستمر» للباحث «إيال كوهين» (الزميل الزائر بمركز سياسات الشرق الأوسط بالمعهد)، لتسليط الضوء على تلك الإشكالية، وكيفية التعامل مع التهديدات المستمرة لتنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية.
قال مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة فى عرض للتقرير، إنه ركز على العوامل الأساسية للتهديدات الإرهابية فى الوقت الراهن بالاستناد إلى معلومات تم جمعها عنها على مدار السنوات الأربع الماضية، لفهم مدى تطور عمليات التنظيمات الإرهابية، وأيضًا من أجل تحديد الاستراتيجية التى يجب أن تتبناها الدول لتجنب أية تهديدات إرهابية وشيكة.
ولم يُقدم التقرير سياسة معينة لتبنيها، بل إنه يُوفر لصناع القرار الأدوات التى من خلالها يمكنهم تحديد أوجه القصور فى نهج بلدانهم لمكافحة الإرهاب.


تهديد مستمر
ذكر «كوهين» أن الهجوم الإرهابى على «محطة الترام» فى هولندا فى منتصف مارس الماضي، والتفجيرات المتتالية التى شهدتها سريلانكا أثناء احتفالات عيد الفصح، التى أودت بحياة أكثر من ٢٥٠ شخصًا، ونفّذها أتباع لتنظيم «داعش»؛ تبرز أن التهديدات الإرهابية لا تزال قائمة.
وأضاف أنه خلال ما يُسمى بمرحلة «ما بعد الخلافة»؛ فإن قدرة الإرهابيين على تنظيم هجمات متطورة ومدمرة أصبح أمرًا لا يمكن أن يتحمله أى مجتمع، ويشير إلى أن فشل الحكومات فى مواجهة هذا التحدى لا يمكن قبوله بأية تبريرات، لتأثير الإرهاب على حياة الملايين حول العالم، حيث تضر هجماته باقتصادات الدول، وتؤثر فى الثقافات، فضلًا عن أنها قد تؤدى إلى سقوط الحكومات، ناهيك عن امتداد تداعياتها لتشمل أنشطة الحياة اليومية، ولهذا، حذَّر بعض الباحثين من ردود الفعل المحتملة من تنظيمى «القاعدة» و«داعش» بسبب هزائمهم الأخيرة على الحدود السورية- العراقية، مشددين على ضرورة الانتباه للمعركة القادمة، حيث لم يضع هذا التراجع حدًّا للعقيدة الإرهابية التى غزت الكثير من العقول والدول فى جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من استمرار تهديد «داعش»، فإن عدم تمكنه من تحقيق وعده بإقامة «الخلافة الإسلامية» المزعومة يُعد ضربة قوية للتنظيم، ليس لفقدانه أراضيه فحسب؛ وإنما لتأثيراتها السلبية على قدراته لتجنيد أتباع جدد، ولكن «كوهين» يرى أن التنظيم بارع فى الترويج لإخفاقاته بأنها ما هى إلا مرحلة فى الطريق الطويل لتحقيق النصر المزعوم.


تحول أهداف التنظيم
وأشار العرض الذى أعدته سارة خليل الباحثة فى العلوم السياسية، إلى أنه ومن خلال تحليل هجمات تنظيم «داعش» فى دول الاتحاد الأوروبى خلال السنوات الأربع الأخيرة؛ توصّل التقرير إلى أن التنظيم يتخذ الفوضى تكتيكًا له، وأنه لا يوجد قاسم مشترك بين هجماته، ويضيف: وصل التنظيم إلى ذروته بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٧، حيث شهدت أوروبا ٦٣ هجومًا إرهابيًّا، أسفرت عن مقتل ٣٤٧ شخصًا وجرح ١٥٥٨ آخرين. ويُشكل هذا العدد ١١٪ من جميع الهجمات الإرهابية التى شهدتها أوروبا، بخلاف هجمات اليمينيين واليساريين والانفصاليين وغيرهم. ولكن نسبة ٩٨٪ من القتلى فى أوروبا، جاءت نتيجة الهجمات الإرهابية، مما يدل على قدرة «داعش» على إزهاق أرواح المدنيين.
ويشير «كوهين» إلى أن الهزيمة العسكرية والإقليمية لتنظيم «داعش» لم تضع حدًّا لقدرته على تنفيذ الهجمات الإرهابية، وإنما شهد تحولًا فى اختيار الأهداف وموقعها، ففى أعقاب فقدانه السيطرة على معظم الأراضى التى كانت تخضع لسلطته، وبخاصة بعد فقدانه الرقة فى أواخر عام ٢٠١٧ كان يبدو أن حلم «الخلافة» المزعومة قد انتهى.
وخلال العام ذاته، عانت أوروبا ٣٣ هجومًا إرهابيًّا، أسفرت عن مقتل ٦٢ شخصًا وجرح ٨١٩ آخرين. وفى عام ٢٠١٨ شهد الاتحاد الأوروبى ١٦ هجومًا إرهابيًّا فقط، أسفرت عن مقتل ١٥ شخصًا وجرح ٥٠ آخرين.
وبالنظر إلى عمليات التنظيم خارج أوروبا فى عام ٢٠١٧، فكان عددها سبع هجمات، منها هجومان فى الولايات المتحدة، واثنان فى روسيا، والباقى فى أستراليا وكندا ومالي.
ولكن التقرير يوضّح أن الأمر قد اختلف فى عام ٢٠١٨؛ حيث ازدادت الهجمات خارج الاتحاد الأوروبى لتصل إلى ٢٠ هجومًا إرهابيًّا أسفرت عن مقتل ما يزيد على ٦٥ شخصًا. والتفسير المحتمل لهذه البيانات، كما أوضح «كوهين»، أن أوروبا اتبعت سياسة أقوى لمكافحة الإرهاب فى العام الماضي، مما دفع تنظيم «داعش» لتحويل أهدافه خارجها.
ويشير «كوهين» إلى أنه بينما تركز معظم الدول على مواجهة التحديات الإرهابية العاجلة؛ فإنها تتجاهل مشكلات السياسة والتخطيط على المدى الطويل، مَّا يعنى ضرورة تخليها عن النهج القائم على رد الفعل الذى ثبت مدى خطورته، والاعتماد بدلًا من ذلك على استراتيجية شاملة لمنع الإرهاب، بدءًا من التحول للتطرف إلى إحباط الهجوم.


وثمَّة أبعاد حدّدها التقرير لتأخذها الحكومات فى اعتبارها عند تعاملها مع التهديدات الإرهابية، وقد جاءت على النحو التالي:
أولًا- تركيز التعليم على الجهود الوطنية لتأسيس علاقة إيجابية مع المجتمعات الإسلامية المحلية، والتواصل معهم لتأسيس علاقة مثمرة، وتشجيعهم على رفض الاتجاه الحالى للإرهاب. فضلًا عن الحاجة لمعالجة مشكلة التطرف فى عدد من المجتمعات الإسلامية. كما يجب أن يكون هناك حوار بين المجتمعات تجنبًا لانتشار نوع الخطاب الذى يُروج له تنظيم «داعش» وكشفه على حقيقته. وتحتاج المجتمعات للاستفادة من غالبية السكان المسلمين، وتشجيعهم على إظهار الروح الحقيقية للإسلام فى جميع أنحاء العالم.
ثانيًا- التعامل مع قضية المقاتلين العائدين: يتوقع التقرير أن تبنّى العديد من الدول سياسة «اللا عودة» للمقاتلين وعائلاتهم، قد يخلق جيلًا من الشباب عديمى الجنسية الذين يكرهون الدول التى رفضتهم. وبالنظر لعواقب هذا على المدى الطويل؛ فإنه يجب على الحكومات اتخاذ تدابير اجتماعية للتخفيف من التهديد المحتمل للمقاتلين العائدين وعائلاتهم.
ثالثًا- ضرورة انتباه صانعى السياسة لعمليات التطرف المحتملة داخل السجون، حيث يستغلها تنظيم «داعش» لإعادة التنظيم والتجنيد والعودة لتنفيذ عملياته الإرهابية من جديد. وبالتالى يرى التقرير أن السجن المختلط بين أتباع «داعش» والمجرمين العاديين ربما تنجم عنه تداعيات خطيرة بمجرد أن يقضى هؤلاء السجناء أحكامهم وينضمون مرة أخرى إلى المجتمع.
رابعًا- كسر الروابط بين التنظيمات الإرهابية والمجتمعات المحلية؛ حيث أدت النزاعات الأهلية المستمرة فى الشرق الأوسط إلى ظهور الجماعات المتطرفة المحلية التى توفر الأمن وخدمات القانون والنظام للسكان المحليين مقابل دعمهم. ولتنفيذ ذلك بصورة أكثر فعالية، أكد التقرير ضرورة قيام الدول الغربية بمعالجة هذه القضايا فى بلدان المنشأ (مثل: الصومال، ومالي، واليمن، والعراق)، ومقاومة تأثير التنظيمات الإرهابية على المجتمع المحلى من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية وتوفير الأمن فى المناطق الريفية والحضرية.
خامسًا- توازن التشريعات التى تستهدف مكافحة الإرهاب بين روح الديمقراطية والحاجة المُلحّة للأمن وتوفير السلامة العامة. وفى هذا الشأن سيتعيَّن على المشرّعين وضع إطار قانونى جديد وليس مجرد تفسير القوانين القائمة فقط للحفاظ على الحقوق الديمقراطية فى ظل تنامى التهديدات الإرهابية.
ويشير «كوهين» إلى أن الردع يُمثل عاملًا مهمًّا فى التشريع؛ لأنه فى كثير من الحالات يكون أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربون على علم بنوايا الجناة ولم يمنعوهم أو يقوموا بإبلاغ السلطات عنهم، ممَّا يستلزم إنشاء إطار قانونى يسمح بمحاكمة الأشخاص الذين كانوا على علم بالهجوم الإرهابي، ولكنهم اختاروا عدم الإبلاغ عنه، وربما يكون للردع تأثير إيجابي.
سادسًا- تأسيس «نظام إنذار» فعَّال لمراقبة التنظيمات الإرهابية الفاعلة والبنية التحتية بصورة مستمرة، وتوفير القدرة على التحذير من حدوث هجوم إرهابى وشيك. وتكمن أهمية شبكة الاستخبارات الفعّالة فى التنبيه على الهجمات المخطط لها. وقد تكون المراقبة المستمرة لشبكات التواصل الاجتماعى من خلال التكنولوجيا والتعاون الدولى الوثيق بناء على أهداف مشتركة، ذات قيمة كبيرة لتحقيق هذه الغاية.
فعلى سبيل المثال، يجب على وكالات الاستخبارات تطوير مؤشرات وأجهزة استشعار جديدة لبعض الأنشطة، مثل: شراء الأدوية أو المنظفات أو أى مواد يمكن استخدامها فى إنتاج المتفجرات. فعلى الرغم من أن غالبية الهجمات فى أوروبا خلال العامين الماضيين تم تنفيذها بوسائل بسيطة، إلا أن المتفجرات لا تزال السلاح المفضل للإرهابيين بسبب قدرتها على تحقيق خسائر جسيمة وصداها فى وسائل الإعلام. ولهذا أشار التقرير إلى أن التحديات الاستخباراتية ستستمر فى التنامي، ما دام الإرهابيون مستمرين فى تطوير أدواتهم وعملياتهم. 
سابعًا- اللجوء للتكنولوجيا والتدابير الوقائية للحفاظ على أمن وسلامة النقل والطيران والتجمعات العامة، عندما تفشل جميع التدابير السابقة. وفى هذا الصدد، شدَّد التقرير على أهمية أمن المطارات الدولية، نظرًا لأن ضعف الأمن فى مطار ما يُشكل تهديدًا للمطار ذاته وللطيران الدولى أيضًا. 
وانطلاقًا مما سبق؛ فإنه يمكن القول إن الإرهاب يمكن احتواؤه وليس القضاء عليه. ومن المتوقع استمرار تأثيره فى حياة الملايين فى جميع أنحاء العالم. وستعتمد الاستجابة له على ما إذا كانت الحكومات تتبنى استراتيجية شاملة وطويلة الأجل ومتسقة لمواجهة التحديات التى شكلها.
وخلُص التقرير إلى أنه يجب ألا تنطوى أى خطة لهزيمة تنظيم «داعش» أو غيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى على الهزيمة العسكرية فى ساحة المعركة، وتشويه سمعة التنظيم من أجل إضعاف معنويات قواته وخفض الدعم الشعبى والقدرة على إلهام أتباعه فحسب؛ وإنما ينبغى الأخذ فى الاعتبار احتمالية تطور أبعاد التهديد الذى يُشكله التنظيم، بما فى ذلك الهجمات الإلكترونية أو وقوع أسلحة كيميائية فى أيدى أتباعه. وبالتالي، فإن تحديد الطبيعة النظامية للتنظيم والقدرة على تعبئة الذخائر والتمويل يُعد تحديًا رئيسيًّا فى التعامل معه.