السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اغتيال الجغرافيا السياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل مائة عام وفى أعقاب الحرب العالمية الأولى، اتجهت القيادة السياسية الفرنسية والإنجليزية لاقتسام النفوذ فى الشرق الأوسط، ومن خلال اتفاقية «سايكس - بيكو» قسّمت المنطقة العربية الكبرى لدول صغيرة. كان الهدف الحقيقى مِن التقسيم هو إعادة ترسيم الحدود وخلق جغرافية تصادمية، لا تتعارض مع الواقع والتاريخ فحسب - بل تمسخهما؛ لتصير حدودًا مفخّخّة عائمة فوق بؤرًا لصراعات أزلية، تدفعها حتمًا إلى دوامات لا تنتهى من: الحروب الأهلية والإقليمية والتقاتُل المذهبى والعرقى، كما فى سوريا والعراق، وظهور داعش يُعد المعامل الموضوعى لتلك الاضطرابات والحدود الملغومة.
بعد سايكس بيكو لو تتبعنا دواعى وإحداثيات الحروب الإقليمية الكبرى والصغرى فى الشرق الأوسط، نجد أساسها الفعلى أزمات فى ترسيم حدود المنطقة والمشوهة عمدًا بمعرفة القوى الاستعمارية القديمة. لَم تهدأ الاضطرابات الحدودية بين: سوريا والعراق، سوريا وتركيا. كل إقليم يدعى أحقيته فى أرض الآخر؛ لاعتبارات - حقيقية أحيانًا كثيرة - منها: التاريخ، الدين، والعِرْق، والمذهب. فالأراضى اُقتطعت بدهاء مِن معاقل أوطانها التاريخية، لصالح أقاليم لا يمكنها استيعاب طاقة الأرض المنضمة إليها سواءً السياسية والسكانية أو الدينية والمذهبية، فلن تستقر داخل حدودها الملفقة بسلام. لذلك تحوَّل الربيع العربى فى سوريا والعراق، من موجة ثورية مدنية إلى هستيريا من النزعات الانفصالية المسلحة داخل الدولة الواحدة جاءت فى صورة تمردات عرقية ومذهبية. فما يحدث الآن من حروب فى سوريا والعراق وتركيا، بالقطع هو الامتداد الطبيعى لاغتيال الجغرافيا السياسية للمنطقة قبل مائة عام.