الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

تركيا تثير الجدل وتطلق سفينة الفاتح لاستكشاف الغاز بالبحر المتوسط.. قبرص تلجأ للأمم المتحدة.. مصر تؤكد الانتماء إلى «المتوسط» كجزء من مواردها وامتداد لسيادتها الجغرافية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت تركيا حالة من الجدل إبان إطلاق سفينة الفاتح التركية عملياتها فى شرق البحر المتوسط؛ حيث انتقدت قبرص هذه الخطوة باعتبارها تقويضًا لسيادة البلاد بموجب القانون الدولى. وعلى الجانب الآخر أوضحت أن تركيا لها الحق فى البحث عن الغاز الطبيعى فى هذه المنطقة، لأن حقوق تركيا فى مياه المتوسط قد تم قبولها بموجب قرار للأمم المتحدة، وتجادل بأن جميع أنشطتها تجرى فى منطقتها الاقتصادية الخالصة. لذا فقد حاولت الإدارة القبرصية اليونانية زيادة الضغط من خلال التهديد بالقبض على طاقم سفينة الحفر ردًا على التحركات الاستفزازية من قبل أنقرة.
فى المقابل صرحت وزارة الخارجية التركية إنها «ستواصل حماية حقوقها ومصالحها داخل الجرف القارى، وكذلك حقوق القبارصة الأتراك». فيما صرح «تشاووش أوغلو» وزير الخارجية التركى «أن أنقرة انتهت من أنشطة الاستكشاف، والآن ستدخل مرحلة الحفر بواسطة سفينة «الفاتح»، كما سيتم إرسال سفينتين إلى المنطقة»، وذلك على الرغم من الضغوط الدولية لعدد من الفاعلين الدوليين فى المنطقة، لأن أمن ومصلحة تركيا تُعد خطًا أحمر.


شرق المتوسط فى العقيدة التركية
تطورت هوية منطقة شرق المتوسط نتيجة حالة التنافس بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى، فيما سعت بعض منها إلى تشكيل تكتلات اقتصادية، لخلق إطار للتعاون، والتنسيق المشترك فيما يتعلق بكيفية الاستفادة، وتحقيق المصلحة المشتركة للجانبين، فضلًا عن دعم وحماية سيادة الشعوب فى استثمار ثرواتهم الطبيعية.
وفى هذا السياق؛ تجلت مصالح بعض الدول مثل مصر، التى تنظر إلى الانتماء إلى البحر المتوسط على أنه جزء من مواردها وامتداد لسيادتها الجغرافية والوطنية لا يمكن المساس به، وفرصة لتعزيز مكانتها الرائدة فى الساحتين الإقليمية والدولية، التى تتجلى فى تمركز مقر منتدى الغاز فى القاهرة. وفيما يتعلق بإسرائيل فإنها ترى أن تطور العلاقات فى منطقة شرق المتوسط هو جزء أصيل من أمنها القومى، وترغب أن تكون جزءًا منه، حتى لا تُطوق وتُعزل من قبل القوى المنافسة لها فى المنطقة.
فيما تسعى اليونان أيضًا إلى دور مركزى فى المنطقة، نظرًا للمزايا المستمدة من عضويتها فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى. فى حالة اليونان وقبرص، الافتراض هو أنه من خلال التعاون فى شرق البحر الأبيض المتوسط، يمكن لهاتين الدولتين التغلب على بعض الآثار السلبية لانعدامهما الديموغرافى العددى، وبالنسبة لتركيا فإنه يتجلى فى عدد من الأبعاد على النحو التالي:
١- البعد الاقتصادي؛ تعد تركيا من الدولة المستوردة للطاقة، وتعتمد على دول أخرى مثل روسيا وإيران من أجل تلبية احتياجاتها من الطاقة. وقد بلغت وارداتها من الهيدروكربونات إلى ٤٥ مليار دولار أمريكى فى عام ٢٠١٨، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على الميزانية، حيث ضعفت الليرة مقارنة بالعام الماضى. لهذا السبب، لذا فمن الضرورى أن تجدد مواردها الطبيعية من أجل تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية. بفضل احتياطاتها المؤكدة الضخمة من قبل دول أخرى.
٢- البعد الطاقوي؛ تسعى أنقرة إلى أن تصبح دوليًا رئيسيًا فى نقل الطاقة من دول الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا، ومن روسيا إلى أوروبا مرتكزة على عدد من المشاريع والبنية التحتية المؤهلة لذلك تحاول أنقرة فتح مجال جديد يعزز من مكانتها فى أسواق الطاقة، ويدعم اقتصادها الذى شهد عدد من الاهتزازات القوية فى الآونة الأخيرة على غرار تحركات التوسعية فى دول الجوار الجغرافى.
٣- البعد الدفاعي؛ القيادة التركية لا تفكر فى منطقة الشرق الأوسط من منظور اقتصادى فحسب بل تسعى إلى خلق موطئ قدم استراتيجى، يخدم احتياجاتها الأمنية الوطنية. وتجلى ذلك فى الأنشطة العسكرية لتركيا فى شرق البحر المتوسط باعتبار المنطقة خط دفاع فى مواجهة التهديدات التى قد تأتى من الجنوب.



الأهمية الجيو-استراتيجية للمنطقة
مع زيادة استكشافات الطاقة فى منطقة شرق المتوسط، تنامت أهميتها فى بشكل كبير، وقد تمثل ذلك فى تحركات الدول الكبرى تجاه المنطقة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا، بجانب الصين وتركيا ويرجع ذلك لعدد من العوامل التى تتمثل أبرزها كما يلي:
١- من الناحية التجارية؛ تعد المنطقة مركز تجارى (وهو ما يفسر اهتمام بكين)، وهو ما ينعكس على تعزيز مكانة قناة السويس ودورها كمعبر دولى تجارى بين الشرق والغرب. لذا فقد بدأت بيكين فى زيادة عدد الصادرات إلى الأسواق فى الشرق الأوسط وأوروبا نتيجة قصر المسافة. فيما تسعى الدول الأوروبية فى فتح أسواق جديدة فى المنطقة والاستفادة من ثروات المنطقة بما يدعم مكانتهم الدولية من خلال الاستثمارات والتعاون الاقتصادى ذى الصلة و/أو من خلال وجود عسكري/بحرى لتأمين الطرق البحرية التجارية.
٢- من الناحية الأمنية؛ تمثل المنطقة عازلة ضد التهديدات النامية على محيطها. وبشكل أكثر تحديدًا، إلى جانب نشاط الجماعات الإرهابية؛ حيث يتميز القوس الممتد من أفغانستان إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعدم الاستقرار، والاتجار بجميع أنواعه، والجريمة المنظمة عبر الوطنية، والفقر واللامساواة، والأصولية الدينية، والأنظمة الفاسدة والمستبدة، والدول الفاشلة وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل هو مجرد عدد قليل من سماتها.
٣- مصدر لتنويع الطاقة للاتحاد الأوروبي؛ يتابع الاتحاد الأوروبى تطوير خطط إضافة لحماية أمن الطاقة الأوروبية، وتقليل الاعتماد على الغاز الروسى، وهذا يستتبع البحث عن موردين جدد وطرق جديدة. تقدم منطقة شرق البحر المتوسط كليهما، طالما تم اتخاذ الخيارات الصحيحة بناءً على المعايير المالية والتقنية والجيوسياسية. علاوة على ذلك، فإن الاكتشافات الحالية وقدرات التصدير المستقاة (والتى من المتوقع أن تزداد فى السنوات المقبلة)، تشير إلى أن جميع الأطراف المعنية يمكن أن تكون راضية.
٤- من الناحية العسكرية؛ تمثل المنطقة مجالًا حيويًا لمراقبة الأحداث العسكرية وغيرها فى الشرق الأوسط. وإذا دعت الحاجة، فيمكن استخدامها كمنطقة انطلاق للعمليات (فى ليبيا، وسوريا على سبيل المثال).



«الغاز» فى ديناميات الجيو-استراتيجية
مع تحول توازنات القوة فى المنطقة لصالح بعض القوى الدولية، بما يتماشى مع تغيير الفائدة الجيواستراتيجية لكل ممثل، وتنامى اكتشافات الغاز فى حوض بلاد الشام والفرص المرتبطة باستغلاله. قد ساهم ذلك فى تشكيل توازن إقليمى جديد للقوة فى الشرق البحر الأبيض المتوسط.
تجسد ذلك فى تراجع العلاقات السياسية بين تركيا وإسرائيل منذ إسرائيل الحملة العسكرية «عملية الرصاص المصبوب» فى قطاع غزة فى عام ٢٠٠٨ وبعدها إبان حادث مرمرة ى عام ٢٠١٠، وكذلك بين تركيا ومصر منذ عام ٢٠١٣، الأمر الذى انعكس على نمط التكتلات فى المنطقة.
كما ساهم التعاون المصرى اليونانى القبرصى فى خلق شركات جيواستراتيجية جديدة فى المنطقة، تقوم على تبادل المصالح بين الجابين بما يدعم العلاقات بينهم على كل الأصعدة. لديها لعبت دورًا مهمًا فى تحويل التحالفات فى المنطقة. بالإضافة إلى التعاون فى القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن.
وعليه تتخوف أنقرة من هذه التكتلات الإقليمية التى من الممكن أثر عليها بشكل عميق فى محيطها الجغرافى، وتؤدى إلى تطويقها، لذا يجادل الكثير من الباحثين أن أنقرة ستسعى إلى تعزيز علاقتها بشكل معلن مع إسرائيل وروسيا، كما ستعيد تمركزها فى سوريا وخاصة فى المناطق المحاذية لمنطقة المتوسط لتفرض نفسها كفاعل فى المنطقة، لديه طموحات توسعية فى مجال الطاقة ترغب فى تحقيقها.