الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حكايات مجهولة| مناظرة "سيبويه" و"الكسائي" ومكيدة الوزير البرمكي

سيبويه
سيبويه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان العصر العباسى مرحلة متطورة فى تاريخ الثقافة العربية؛ حيث شهد عدة صراعات فكرية خطيرة، أشهرها جدال المعتزلة مع أهل الأثر والحديث، وأيضا نبوغ الشعراء وتفننهم فى القول على كل المذاهب والأغراض، وأيضا مجادلات ومناظرات النحويين فيما بينهم، وبخاصة مدرستى الكوفة والبصرة، ويحكى لنا التاريخ مناظرة مؤلمة بين عالمى النحو الكبيرين سيبويه والكسائي، فالذى نظم تلك المناظرة وهو يحيى البرمكى وزير الخليفة هارون الرشيد كان قد دبر مكيدة لسيبويه. 
حضر عالم النحو سيبويه إلى بلاط الخليفة الرشيد، حيث استقدمه يحيى البرمكي، لكنه لم يسلم من مضايقة الفرّاء والأحمر تلميذى الكسائى فسألاه وخطّآه فى الإجابة، وأغلظا له فى القول، فقال لهما: لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، ولمّا جاء الكسائي، وغصّت الدار بالحضور على مشهد من يحيى البرمكى وابنه جعفر، بدأ الكسائى الحديث، وقال لسيبويه: تسألنى أو أسألك؟ فقال سيبويه: سل أنت، فقال له: هل يقال: كنت أظن أنّ العقرب أشدُّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو يقال مع ذلك: فإذا هى إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هى ولا يجوز النصب، فسأله عن أمثال ذلك نحو: خرجتُ فإذا عبدالله القائمُ أو القائمَ، فقال: كلـّه بالرفع، فقال الكسائي: العرب ترفع ذلك وتنصبه.
احتدم الخلاف بينهما طويلًا، فقال يحيى: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟ فقال الكسائي: هؤلاء العرب ببابك وفدت عليك من كل صقع، وقد قنع بهم أهل المصرين «البصرة الكوفة» يحضرون ويسألون، فقال يحيى البرمكي: قد أنصفت، واستدعاهم، فتابعوا الكسائي، وقالوا بقوله، فأقبل الكسائى على سيبويه، وقال له: هل تسمع أيها الرجل! فاستكان سيبويه عند ذلك وانقبض خاطره، فقال الكسائى ليحيى: أصلح الله الوزير، إنه قدم إليك راغبًا فإن أردت أن لا ترده خائبًا، فرق له يحيى، إذ أمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصيّر وجهه إلى فارس فأقام هناك حتى مات، ولم يعد إلى البصرة.
علم سيبويه أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، فخرج من بغداد وقد حمل فى نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس حتى توفى فى قرية من قرى شيراز يقال لها البيضاء فى سنة ثمانين ومائة.