الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

خلى السلاح صاحى.. أنشودة النصر فى ذكرى العاشر من رمضان.. الجندى المصرى خاض الحرب صائما ليظهر للعالم جسارته وتفوقه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اللواء محمود منصور: كسرنا مرارة «النكسة» بالعبور والنصر
لاحقنا جنود العدو وكأنهم «ذباب» وألحقنا بهم خسائر فادحة 
المفاجأة والإعداد الجيد للمعركة وراء الانتصار وهزيمة العدو
فاروق المقرحى: بالإصرار والعزيمة والتخطيط حطمنا أسطورة «خط بارليف» 


فى العاشر من شهر رمضان المبارك، حققت القوات المسلحة انتصارًا مجيدًا فى حرب أكتوبر 1973، حيث سطر الجيش المصري فى هذا اليوم أعظم الصفحات فى تاريخ العسكرية المصرية والعربية، لم تكن هذه الحرب مجرد حرب عابرة فى تاريخ العسكرية المصرية المليئة بالبطولات، بل كانت حدثا فريدا من نوعه تفاجأ به العالم أجمع، مما دفعه إلى تغيير ترتيباته الاقتصادية والعسكرية والسياسية أيضًا. 
جاء انتصار أكتوبر فى وقت لم يتوقعه العدو الصهيونى أو الخبراء العسكريون، وذلك فى الساعة الثانية ظهرا من يوم السادس من أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان، حيث نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربات جوية على أهداف العدو الصهيونى بالضفة الشرقية لقناة السويس، مما أربك حسابات العدو، وكان عنصر المفاجأة سببًا كبيرًا فى الانتصار. 
كانت حرب أكتوبر المجيدة، أول حرب تقليدية تقع بين جيشين، منذ الحرب العالمية الثانية، وأثبت الانتصار للعالم أجمع أن أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، هى مجرد كلمات، وظهرت قوة الجيوش العربية والتضامن العربى ما بين مصر وسوريا.

عن كيفية تحقيق النصر فى تلك الحرب المجيدة، قال اللواء محمود منصور وكيل المخابرات الحربية الأسبق: «حولنا الهزيمة إلى نصر من خلال إعادة تأهيل القوات المسلحة على أسس علمية دقيقة، ثم بدأ برنامج كبير ومستمر لتأهيل المواطنين لتحويلهم إلى مقاتلين وتم توفير مناهج دراسية وتدريبية طبقا لما هو معمول به فى أحدث دول العالم للتنفيذ، ثم أخذنا نتدرب بجدية كاملة، كانت تصل بنا إلى أن يقوم التدريب كما لو كان حربًا حقيقية ويحدث به خسائر داخلية وشمل هذا التدريب الجنود والضباط وضباط الصف والقيادات».
واستكمل الخبير العسكري: «بدأنا بعد ذلك نعمل على توفير المعلومات المتجددة على العدو، ثم تحويل هذه المعلومات إلى مراجع علمية يتم توزيعها على المقاتلين لكى تكون أوضاع ومكونات العدو بصورة تفصيلية متوفرة لدى جميع المقاتلين، كل فى اختصاصه، فى نفس الوقت باشرت القيادة السياسية خطة خداع محلية إقليمية ودولية، وفرت للقوات المسلحة القدرة على تحقيق المفاجئة التى سبق للإسرائيليين أن تمتعوا بها، لكنها فى تلك الحرب كانت من نصيبنا نحن المجتهدين».
وتابع منصور، فى الوقت الملائم عسكريا، انطلق النداء «الله أكبر» وتحول مقاتلو مصر إلى أبطال يقتحمون أكبر مانع مائى فى تاريخ الإنسانية، وفرت له حماية لم تتوفر من قبل تمثلت فى نطاقات وأنفاق منظومة خط «بارليف» الدفاعية، التى بدأت من قناة السويس وامتدت شرقا حتى ما يقرب من ١٤ كيلو مترا فى أشكال وتحصينات متنوعة، إلا أن الروح القتالية والرغبة فى فداء الوطن واسترداد الكرامة، جعلت جنود مصر ينطلقون إلى أرض سيناء فى رحلة امتلأت بالسعادة والفخر، وهم يرفعون راية مصر عالية خفاقة فى صورة جميلة لا يمكن لشاعر أن ينطق بها أو رسام فنان أن يرسمها، أمام أعيننا كما شاهدناها وعشناها إلى النصر ولحظة تاريخية تبقى محفورة فى وجدان الأمة.
ووصف اللواء محمود منصور، نصر أكتوبر بـ«العظيم» وتابع: «كانت بالنسبة لى أن أكون أو لا أكون، حينما شاهدت زملائى يرفعون علم مصر أعلى الساتر الترابي، كانت لقطات العلم المصرى نتيجة الهواء الشديد فى هذا اليوم هى بمثابة الدم الذى يتدفق فى عروقي، عزة واعتزازا بالذات وبالوطن وفخرا لا ندانيه بفخر يمكن أن يحصل عليه الإنسان، كانت لحظة كسرنا فيها الهزيمة المرة، لحظة عادت فيها مصر إلى الحياة لتبقى وتسلم رايتها مرفوعة لكل من يتولى المسئولية الكبيرة».

حرية الوطن ثمنها الدم 
وأشار اللواء منصور، إلى أن حرية الوطن عمل كبير وصعب يحتاج إلى إرادة قوية تتضمن خططا واحتياجات ونشاطا إنسانيا متميزا، لذا كانت قضية الأوطان غالية المنال، وكيف لا تكون غالية بعد ما دفعنا فيها أكبر دم من الشهداء والجرحى، لقد تحقق فى المعركة الأولى وكنا سرية فى الموجة الأولى التى اقتحمت ارتفاع خط «بارليف» التى كان حصينا لنواجه سارية دبابات إسرائيلية مكونة من ١٣ دبابة، وعلى مدى ساعة ونصف من القتال الشرس، قدم إلينا الإسرائيليون مفتقدين كما أبلغوهم أننا سنوليهم الأدبار، ولكن الإصرار وأصحاب الحق نجحوا فى أن يتمسكوا بأرضهم فى عز النهار فى مواجهة الدبابات بمدافعنا ورشاشاتنا، لندمر ٨ دبابات وتهرب فى وضح النهار ٥ دبابات إلى الشرق بحثا عن البقاء أحياء، ليشعروا بالعار مثلما شعر أبناؤنا، وليذوقوا مرارة الهزيمة، فى مواجهة الإنسان المصرى الذى يقاتل بدون دروع وبدون تحصينات. 
معركة الكباسات الأولى 
وأضاف الخبير العسكري، أن من معركة الكباسات الأولى إلى معركة عيون موسى فى مرصد المدفعية، كانت دانات الأربجية ذلك السلاح الصغير البسيط المضاد للدروع تقصف كتب المدفعية التى طالما ألقت بحمائمها على مدينة السويس فى أثناء حرب الاستنزاف، لنجد جنود جيش العدو يتركون مواقعهم، ويلجأون للصحراء فى فجر الثامن من أكتوبر ١٩٧٣، وكنا نلاحقهم كما يلاحق الإنسان الذباب الثقيل، واستردينا مدفعية عيون موسى بالجنود وغيرهم من الذين استطاعوا أن يستردوا حق وطنهم بشكل مبهر فى معركة دامسة فى يوم شديد الهجوم، حينما قاموا بتنفيذ كمين بكتيبة دبابات إسرائيلية ووقعوا خسائر بها ٩ دبابات، ونعود إلى مصر حاملين الفخر والعزة والتصالح مع النفس واستطعنا أن نقول للعالم إننا حررنا أراضينا من دنس العدو.
الوعي.. سبب الانتصار 
أكد منصور، أن الوعى الكامل سببًا من أسباب الانتصار العظيم الذى تمتع به المصريون فى تلك الحرب المجيدة، حيث أحكمت الدولة المصرية قبضتها على الثقافة والإعلام وحركت عقول الشعب المصري، ولم تكن إذاعات أعداء مصر والتى ما زالت تمارس عداءها وصوت أمريكا وصوت إسرائيل قديمًا لديها آذان تستمع إليها، ولأننا كنا نعلم أنهم أعداء، وأن العدو لن يقول لنا الحقيقة، لذا كانت إذاعتنا أمينة وصادقة فى ذلك الوقت، وكانت مصادر معرفتنا من داخل وحدتنا العسكرية أو وسائل الإعلام المصرية والعربية، الإنسان هو عقل يدبر وهذا ما يميزنا فى ذلك الوقت- حسب تعبيره 


وقال اللواء الأسبق فاروق المقرحي، الخبير الأمني، إن حرب أكتوبر قادها الجيش المصرى بتخطيط معد من الرجال المخلصين من القوات المسلحة وبعزيمة الرجال وبسلاح لا يكفى لبدء المعركة، ولكن بالإصرار والعزيمة والتخطيط الجيد والرغبة فى إثبات أن المقاتل المصرى لم تتح له الفرصة ليقاتل فى حرب ٦٧، فكانت النتيجة المذهلة فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ودليلا أن هؤلاء الرجال وهؤلاء الجنود هم من أوصى بها الرسول «ص» وكانت الانعكاسات لتلك الحرب استرداد أرضنا بكامل نظرتنا المستقبلية، من رجلًا سبق زمان من زمانه، وهو الرئيس محمد أنور السادات الذى قاد معركة الحرب والسلام.
وتابع المقرحي: «علينا أن ننظر حولنا فى من لم يقف معنا من الكثير من الدول لاسترداد أراضيهم، وماذا يحدث فى بلادهم اليوم، حرب أكتوبر٧٣ هى معركة استرداد الأرض والكرامة وعزة هذه الأمة كلها من المحيط إلى الخليج، ولا يستطيع إلا حاقد أو ناكر أن يقول إنها كانت معركة بين جنود آمنوا بالله ووطنهم وأنهم خير جنود الأرض، وبين عدو خسيس يعتمد على غيره لتحقيق نصرات مختلفة على مر الزمان، وأعنى إسرائيل، التى تعتمد على الولايات المتحدة وبريطانيا فى كل ما تصب إليه من توسع وعجرفة واتخاذ مواقف التى أكبر منها حجمًا وفعلًا».
ولفت الخبير الأمني، إلى أن الإصرار والعزيمة حولت الهزيمة إلى نصر وإثبات أن هذا الشعب لا يقهر وأن جيشه هو خير أجناد الأرض كما قال رسول الله «ص» فبالإعداد والتخطيط الجيد والإمكانيات المتاحة حققنا النصر، فهناك الكثير من الذكريات التى تحول فى ذاكرتى فى ذلك الوقت، حيث كنت نقيب ورئيس مباحث قسم سوهاج، وعلمنا بخبر الانتصار، فور حدوثه وكان خبرا عزيزا علينا، لأننا كنا فى شهر رمضان المبارك، وحل علينا العيد ونحن فى فخر لما قدمه جيشنا من بطولات تدل على المعدن الحقيقى لهذا الشعب.
وتابع «المقرحي»، أن الجيش المصرى فى هزيمة ٦٧ لم يحارب بل كان ضحية خديعة أمريكية فى ذلك الوقت، وهى أنها طلبت أن يذهب نائب رئيس الجمهورية، السيد زكريا محيى الدين، للتفاهم والهدنة المؤقتة وفى ذات اليوم قامت حرب ٦٧، ولم يكن الجيش فى وضع الاستعداد، ودبرت لمصر المكائد وقتها.

«خرطوم مياه» يهزم أسطورة «الصهاينة» 

ويرى الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث سابقًا، أن شهر رمضان كان شاهدًا على العديد من المحطات التاريخية وتحقيق الانتصارات للمسلمين عبر العصور، وآخرها حرب أكتوبر ١٩٧٣،، موضحًا أنه شارك فى الحرب ضمن الأسلحة الإدارية وليس القتالية وكانوا يتولون الإمداد والتمويل.
وأكد الناظر، أن نصر أكتوبر كان حدثا عظيما جدًا، أصاب العالم أجمع بحالة من الذهول لأن جنود القوات المسلحة البواسل استطاعوا تحقيق النصر على الجيش الذى لا يقهر، كما وصفت قوات الاحتلال الإسرائيلى نفسها آنذاك. وقال محمود كمال، نائب رئيس الجمعية العربية للدراسات السياسية الإرادة المصرية، إن مصر انتصرت، عندما اعتمدت على التخطيط الاستراتيجى معتمدة على أسلوب الخداع والمراوغة، خاصة فيما يتعلق بتوقيت الحرب سواء الساعة أو اليوم، مشيرا إلى أن حرب أكتوبر أثبتت أن العقلية المصرية وتفكيرها أقوى من النفوذ والسلاح الأمريكى الإسرائيلي، خاصة فى عبور خط بارليف الذى توهم الصهاينة أنه لا يكسر أو يهزم، ولكن بفكرة بسيطة وهى «خرطوم المياه» تم تجاوزه وكسر الأسطورة الإسرائيلية الوهمية.

دروس وعبر من النصر المجيد 

ووصف عدد من المواطنين حرب أكتوبر المجيدة، بـ«الانتصار العظيم» الذى مسح الهزيمة من ذاكرة الأمة العربية، وقال رأفت حسين، إن حرب أكتوبر وتحقيق النصر فى العاشر من شهر رمضان المبارك، يعد جزءا مهما فى التاريخ المصري، وبها أزيلت آثار الهزيمة التى لحقت بجنودنا فى يونيو ١٩٦٧، قائلا: «معركة النصر استردت الأراضى المحتلة، وأعلت قيمة واسم الوطن عاليًا فى المنطقة العربية والعالم أجمع، بعدما زعم العدو الإسرائيلى بأن لديه قوات لا تقهر، وحرب أكتوبر من أعظم الحروب التى شهدها التاريخ وخاضها المصريون».
وتابع حسين: «الانتصار فى العاشر من رمضان خصوصا أثناء صيام الجنود، تعد ذكرى عظيمة لا يمكن نسيانها أو إخفاؤها، فبالرغم من هذه الظروف والظروف الصعبة الأخرى التى مر بها جنود القوات المسلحة البواسل استطاعوا تحقيق النصر، ومشاهد حرب أكتوبر ستظل خالدة فى أذهان المصريين جيلًا بعد جيل حتى نهاية العمر».
وقالت سناء مرجان: «عندما قامت حرب أكتوبر كنت فى سن صغيرة جدًا، إلا أن الجميع كان مدركا تمامًا أن القوات المسلحة المصرية تخوض حربا من أجل الكرامة والعزة ضد قوات العدو الصهيوني، وكان هناك تخوف إلا أن جنودنا الأبطال تصدوا للعدو ظهرًا وفى أوقات الصيام لتحقيق النصر واسترداد الأراضى مرة أخري». وأضافت، مصر فى الوقت الحالى بحاجة إلى الروح الوطنية التى كانت موجودة إبان حرب أكتوبر، وتحقيق الانتصار واسترداد الأراضى المحتلة، من أجل إعلاء الوطن وعودته إلى مكانته الطبيعية والقوية أمام العالم أجمع، مطالبة بأن يصطف المصريون خلف الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى يعمل من أجل خدمة الوطن، وخلف القوات المسلحة بقياداتها التى حمت البلاد لسنوات طويلة، منذ حرب أكتوبر وحتى الوقت الحالى وإلى ما شاء الله. ويرى محمود إبراهيم، أن شهر رمضان كان شاهدًا على تحقيق العديد من الانتصارات للمسلمين، حيث حقق المسلمون النصر فى «غزوة بدر الكبرى» التى قادها الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك «فتح مكة» بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية مع حلفاء النبي، واعتداء قبيلة بنى بكر، حلفاء قريش، على قبيلة خزاعة حلفاء المسلمين، كذلك «فتح الأندلس» بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير.