الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دولة صقر قريش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سقطت الدولة الأموية على يد العباسيين، بعد موقعة الزاب الكبرى عام 132 هجرية. كان عبد الرحمن بن معاوية - صقر قريش - مطلوبًا من جانب العباسيين؛ باعتباره أميرًا أمويًا يخشى منه مقاومة الخلافة الجديدة. لكن عبد الرحمن هرَبَ من سيوفهم، مفلتًا من خنادق الموت المُحَقق طيلة خمس سنوات، قاسيَ خلالها مرارة الترحال والوحدة. راسل أتباعه فى الأندلس، وتمكن من دخولها عام 138 هجرية، قضى على الاضطرابات، انتصر على جميع خصومه، ليؤسس دولة عربية فريدة فى أوربا. لقبّهُ الخليفة العباسى «أبوجعفر المنصور» بصقر قريش؛ إذ أذهله أن رجلًا واحدًا دخل بلد غريبة وحيدًا، أقام فيها دولة قوية. صارت الأندلس منارة للعلم فى العالم القديم، واللغة العربية هى لغة البحث العالمى، مثل الإنجليزية الآن. 
ومن سيرة صقر قريش، نجد أن فكرة الخلافة الكبيرة ليست باعثا للقوة، أو السبيل الوحيد لتحقيق النهضة، كحال دعوات «داعش»، والعثمانية الجديدة الآن! فما قيّدهُ التاريخ فى دفاترهِ هو العكس تماما؛ فالخلافة تناظر الإمبراطورية فى المفهوم الغربى، كلاهما عنصرى ودموى، يُمعن فى قمع الشعوب الخاضعة لها بالقوة العسكرية، يَعمَد إلى تصدير التراجع الفكرى للشعوب الداخلة ضمن حظيرتها الخلفية، كحال مصر وشبه الجزيرة العربية فى العصر الأموى والعباسى والعثمانى، فعلوم العصر كان تدريسها أو فهمها مقصورًا على قلب الدولة، حيث مقر القيادة السياسية، ومن ثم يُمنع نقلها إلى إمارات الأطراف البعيدة عن الحاضرة (العاصمة)، وتترك لتغرق فى الجهل والضعف، كى تستكين عقولها وترتع فى الخرافة وينخرها الصدأ، فلا تتمرد على النظام السياسى القائم. غير أن دولة الأندلس استطاعت أن تُنشئ حضارة عظيمة، ومؤثرة فى العالم كله حتى الآن، رغم أنها لم تكن دولة عملاقة كالدولة العباسية؛ لأنها كانت دولة سياسية بالمعنى الحقيقى، قامت على أسس سليمة من: العدل والاستنارة الدينية والحياتية، والانفتاح المعرفى؛ فشقت روافد العلم الحديث، لذلك اضمحلت الدولة العباسية المترامية، وفقدت شبابها سريعًا، بينما دامت دولة الأندلس - محدودة المساحة - مزدهرة لأكثر من ثمانية قرون.