الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"نحن نقص عليك"| هود.. تبرأ من قومه فاتهموه بالجنون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من عناية علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.
عذب الله قوم هود بريح صرصر لسبع ليال وثمانية أيام فسخروا منها.. فجعلهم غثاء ((قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ))
لم يستجب قوم عاد لدعوة أخيهم هود عليه السلام، وإنما كفروا به وكذبوه، وأصروا على إثارة الشبهات ضد دعوته، واتهموه بالجنون، بالرغم من أن هود فند أباطيلهم، بل ورفضوا دعوة هود لهم بالإيمان بالبعث بعد الموت، ومجيء اليوم الآخر، واعتبروا الدنيا هى كل شيء، وأن من مات فقد مضى وانتهى، حيث صاروا ترابًا. 
اتهموه بالجنون، وأن آلهتهم قد مسته بالسوء، وجعلته بدون عقل، وأن آلهتهم تعاقب من يكفر بها، كما اتهموه بالسفاهة، وذلك لدعوة «هود» إلى توحيد الله وعبادته، وترك عبادة الآلهة والأصنام، واتهموه بالكذب والافتراء، وكان الغرض من كل تلك الاتهامات تنفير الناس منه وعدم تصديقه، بل زاد أهل «عاد» فى افترائهم وغرورهم فقد طلبوا من هود بأن يقع عليهم العذاب، وكان قد سبق أن أنذرهم بعذاب الله إن استمروا على الكفر، حيث طلبوا منه الإسراع بتعذيبهم وتقديم ما وعدهم به من هلاك. 
فتحدى هو قومه وتبرأ منهم، ومن معبوداتهم الباطلة، وجهر بهذه البراءة، وأشهدهم عليها، كما تحداهم تحديًا صريحًا واضحًا، فقد امتلأ قلب هود بالإيمان بالله، والاعتماد والتوكل عليه، واستند إلى قوة الله وأيقن به، فلم يضعف أمامهم بل سخر من قوتهم فهى ليست بشىء أمام قوة الله عز وجل، وأدى هود واجبه تجاه قومه، وبلغهم رسالة الله، وآمن به القليل، ولكن أغلبية قومه اختاروا طريق الضلال، ولم يبق إلا تحقق سنة الله فى تعذيب القوم الكافرين، ونجاة المؤمنين الصالحين. 
وقدر الله أن يعذب قوم عاد على مرحلتين الأولى هى الريح الصرصر العاتية، والتى سخروا منها، وقد مضت لسبع ليال وثمانية أيام متتابعة، وكانت هذه الريح الشديدة، بعد الصيحة التى سبقتها، فلما أخذتهم الصيحة تركتهم غثاء، أى أنهم لما أهلكهم الله بالصيحة ثم الريح صاروا غثاء كغثاء السيل، وهو ما يحمله السيل معه من النبات اليابس والقذر، والذى لا خير فيه ولا يعتد به، فأراهم الله السحاب، قادمًا إليهم، وظن أهل عاد أنه السحاب الممطر ففرحوا به، وقالوا هذا عارض ممطرنا، لكنه فى حقيقة الأمر أن تلك السحاب هى العذاب الذى استعجلوا طلبه من هود، فشاء الله أن يسخر من قوم عاد بالريح القوية الشديدة الباردة المتتابعة، ليقضى بها على قوتهم، ويحسم بها أخبارهم، ويقطع بها أعمارهم ويزيل حياتهم ووجودهم. 
ومكن الله قوم عاد ومنحهم مظاهر القوة، ولم يغن عنهم شيئًا، لكنهم كفروا واغتروا بقوتهم التى محها الله لهم، فأهلكهم وأوقع بهم العذاب، أما هود عليه السلام والمؤمنون الذين كان معه فقد أنجاهم الله برحمته وأنقذهم من الهلاك، حيث انتقلوا إلى بقعة أخرى من الأرض، ليعيشوا فيها حياتهم الإيمانية، على منهاج الله وطاعته.