الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فن الموسيقى عند كانط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الرغم من أن الموسيقى لا تتحدث إلا بواسطة الإحساسات وحدها دون تصورات، وهى لا تترك أى مجال للتفكير، كما يفعل الشعر، فإنها مع ذلك تحرك الذهن على نحو أكثر اختلافًا وأشد عمقًا وتأثيرًا؛ وإن كان بشكل عارض فحسب. لكن فى الحقيقة أيضًا، إن الموسيقى متعة أكثر منها ثقافة، لأن حركة الفكر التى تثيرها ليست إلا أثر تجميع ميكانيكى -إن صح التعبير- وإذا تم الحكم عليها بحسب العقل، فإن قيمتها أقل من قيمة أى فن آخر من الفنون الجميلة. وسحر الموسيقى، الذى يمكن أن يبلغ الجميع، يقوم على تعبير لغوى يملك نغمة مناسبة لمعناه؛ وهذه النغمة تدل على انفعال للشخص المتحدث، وتثيره كذلك لدى السامع. هذا ما قاله «إمانويل كانط» الفيلسوف الألمانى الشهير فى كتابه: «نقد ملكة الحكم»، تعبيرًا عن نظريته فى الفنون الجميلة ومنها: «الموسيقى».
الموسيقى – مثل الشعر – تستفيد من قانون إيقاعى محدد يحكم جملها الصوتية، وحينما تضاف إلى الشعر، فإننا نجد أنفسنا بإزاء فن الغناء. وفى نظرية «كانط» الجمالية، يُعد الشعر أقدر الفنون على اجتذاب العقل، إذ الكلمات هى الوسيلة الطبيعية للتعبير عن التصورات والأفكار. فالشعر – فى رأيه – هو الذى يجمع على أفضل نحو ممكن بين العقل والتعبير، ويليه فى المرتبة: النحت والتصوير، أما الموسيقى فهى فى أدنى مراتب مذهب «كانط» الجمالي، ويرجع ذلك إلى أن الموسيقى هى الفن الذى يقوم على التلاعب بالإحساسات السمعية، لأنها تنحصر فى إقامة بعض علاقات رياضية بين الأنغام. وقد تكون الفنون التشكيلية أعظم فائدة من الموسيقى، لأنها تقدم لنا أعمالًا جدية لا تقتصر على استثارة مخيلتنا، بل تولد لدينا أيضًا نشاطًا ذهنيًا ملائمًا. وعلى حين أن الموسيقى تبدأ من الإحساسات لكى تنتهى إلى أفكار غير محددة، نجد أن الفنون التشكيلية تبدأ من أفكار محددة، لكى تنتهى إلى إحساسات؛ والإحساسات التى تولدها الفنون التشكيلية تمثل انطباعات دائمة، فى حين أن الإحساسات التى تولدها الموسيقى لا تعدو أن تكون مجرد انطباعات عابرة.
وللموسيقى تأثير عضوى على السامع، إذ إنها – كالضحك واللهو – ترضينا لأنها تبعث فينا شعورًا بالصحة. ولا تقتصر قدرة الموسيقى على بعث الشعور بالحيوية والسعادة والصحة فى النفوس، لكنها تستطيع التغلغل فى الأعماق الباطنة للنفس لتشفى علل الجسم. ولقد سبق أن بحث «أفلاطون» و«أرسطو» فى التأثيرات العضوية التى يمكن أن تتحكم بها الموسيقى فى السلوك وتكوين الشخصية. فكتب «أرسطو» فى السياسة يقول: «إن الإيقاع واللحن يحاكيان الثورة والرقة، وكذلك الشجاعة والاعتدال وكل الصفات المضادة لهذه، وغيرها من صفات الشخصية. وهذه المحاكاة لا تكاد تختلف عن المشاعر الفعلية كما نعرفها فى تجاربنا، إذ إن نفوسنا تتغير بسماعها لهذه الألحان». وقد أشار «كانط» إلى نظرية المشاعر اليونانية هذه فى أحكامه الخاصة عن الموسيقى. فلما كان تغير اتجاه الأنغام أشبه ما يكون بلغة عالمية للأحاسيس، يفهمها كل إنسان، فإن فن الصوت يستخدم بكل ما فيه من قدرة – أى بوصفه لغة المشاعر – وينقل الجميع بلا استثناء، عن طريق قوانين تداعى الأفكار الجمالية التى ترتبط به طبيعيًا.
«تفتقر الموسيقى - على حد قول «كانط» – إلى بعض التهذيب الاجتماعي، لأنها تمتد إلى أبعد مما يراد لها وتفرض نفسها بنفسها على جيرانها، مؤذية أولئك الذين لا يدخلون ضمن الجماعة؛ ويتوقف هذا المدى على طبيعة الآلات الموسيقية ذاتها من حيت ارتفاع أصواتها وانخفاضها، وهذا أمر لا تحدثه الفنون التى تخاطب العيون، إذ يكفى صرف العيون إذا أراد المرء ألا يخضع للتأثير».