الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جدتي "أم السعد".. وصيام رمضان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصوم أو لا أصوم...تلك هي المسألة
لقد شرعنا في صوم رمضان. 
شهر رمضان الذي يأتي مصحوبا بكثير من الإجلال في البلاد الإسلامية. شهر يكسر إيقاعا ليعوضه بإيقاع آخر. وهنا يغرينا السؤال: ما فائدة هذا الأمر؟
كانت جدتي المرحومة "أم السعد" تتساءل: ألا نجد شيئا آخر نتصدق به سوى الجوع؟...وكان الجميع في مدارات العائلة يقفون منقسمين إلى قسمين: بين ضاحك يستغرب كلام عجوز مشارفة على الخرف، ومتشكك يجد في كلامها صدى لأسئلة داخلية من ذلك النوع الذي نفضل عدم التفوه به.
يمر الزمن وتتكاثر الخطابات الفلسفية والدينية والتجارب التي تقول بان أحد القوانين التي تسير العالم هي وجود مسافة بين أفعالنا ونتائجها، بين زرعنا في الحياة وقطافنا فيه...وهنا تتموقع بشكل جميل آية كريمة عميقة مثل قوله جل وعلا: " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ "- الزمر/10-
ويختزن هذا المعنى فكرتين رئيستين يدور حولهما معنى الصوم. الأولى هي درس التأني هذا الذي نحن بصدده، والثاني –الذي من المفروض أن يترتب أولا لأهميته ولكونه مفرخا للمعاني في أعقابه- هو جوهر الدين الذي هو الاستسلام لمشيئة الله. التسليم بأمر الله سبحانه على أساس كونه صالحا من حيث ندري ونعاين ومن حيث نجهل إلى حين. والغالب انه معنى قد غاب عن فلسفة جدتي المرحومة أم السعد التي كانت تصوم بهمة عالية رغم نزعتها المتشككة.
إحدى مشكلات زماننا هي أن الغرب منذ قرنين أو ثلاثة قد اختار ربط الفكرة الدينية بالتخلف، وهي نظرة لا نجدها في الشرق الأقصى الذي دعم أفكاره القديمة الموروثة الصحيحة بالنجاح في التحدي الحضاري..وقد يكون الخير كله في تحويل دفة التأثر خاصتنا إلى استلهام طريقة المشرقين في المصالحة بين الماضي وبين الحاضر.
أقول هذا الكلام مستحضرا الكم الكبير من الاحتقار الذي يربطه شباب اليوم – وليد ثقافة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي- بكل خطاب آت من غابر الأزمان...على الطريقة التي استوقفت ذات يوم نيتشه وهو يتأمل "الصبر" الذي هو جوهر الصوم. فقد وصف الصبر بأنه فضيلة بالية، وتكاد تبدو بلا معنى لكثرة قدمها وشدة ارتباطها بالأصوات الآتية من الماضي.
نستقبل شهر رمضان بالفرح الذي ورثناه عن الآباء والجدود، ونستغل هذا المقام للتفكه قليلا باستحضار هذه الأبيات للشاعر العربي الكبير معروف الرصافي، إذ يقول وهو يصف بعض الصائمين الذين يتهافتون على الطعام غير مبالين بالعواقب:
وأغبى العالمين فتى أكول * * * لفطنته ببطنته انهزام 
ولو أني استطعت صيام دهري * * * لصمت فكان ديدني الصيام 
ولكن لا أصوم صيام قوم * * * تكاثر في فطورهم الطعام 
فإن وضح النهار طووا جياعا * * * وقد هموا إذا اختلط الظلام 
وقالوا يا نهار لئن تجعنا * * * فإن الليل منك لنا انتقام 
وناموا متخمين على امتلاء * * * وقد يتجشئون وهم نيام 
فقل للصائمين أداء فرض * * * ألا ما هكذا فرض الصيام
رمضان طيب كريم. وتقبل الله صيام الجميع.