الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المقامة الفكرية لعبدالله باشا فكرى (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا ما شرعنا فى مواصلة الحديث عن خطابات التنويريين فى الثقافة العربية الحديثة، تلك التى ارتدت عباءة الأدب للتعبير عن حقيقة مشروعاتها والمسكوت عنه من أفكارها؛ فإننا سوف نتطرق إلى أكثر الخطابات انزواءً فى دائرة الظل، ألا وهى (المقامة الفكرية فى المملكة الباطنية)، تلك التى كتبها العالم، الأديب، المربي، المعلم، المترجم، الوزير، عبدالله باشا فكرى (1834 – 1890م).
ولما كان هذا العلم من الذين لم يحظو بقدر موفور من الشهرة أو الاهتمام من قبل المثقفين العرب، فسوف نترجم له قبل تحليل مقامته والكشف عما بها من أفكار وآراء. 
هو عبدالله فكرى بن محمد بليغ، وُلد بمكة أثناء عمل والده هناك بالجيش المصري، من أب مصرى وأم يونانية، فتلقى تعليمه الأوّلى فى المدارس الدينية بمكة، وبعد عودته التحق بالأزهر فى الحادية عشرة عقب وفاة أبيه حتى أتم دراسته، وخلال هذه الفترة عمل مترجما فى قلم الترجمة، فقد ترجم العديد من القوانين من التركية إلى العربية، ثم رشحه أحد أساتذته للعمل كموظف فى معية سعيد باشا (1822-1863م)، وذلك نظرًا لإجادته اللغة التركية التى أخذها عن أمه، ذلك فضلا عن أدبه الجم وسعة درايته بالآداب السلطانية والنهوج التربوية والأساليب التعليمية. وبعد إتمام دراسته فى الأزهر ألحقه الخديو إسماعيل (1830-1895م) بالقصر، وسافر معه إلى الأستانة عدة مرات بجانب عمله مؤدبا لأبنائه توفيق وحسن وحسين. 
وفى القصر تعرف على «على مبارك» (1823-1893م)، الذى أُعجب بأفكاره الإصلاحية فى ميدان التعليم، ونشأت بينهما صداقة قوية مفعمة بالتقدير والحب المتبادل فعينه وكيلا لديوان المكاتب الأهلية بنظارة المعارف عام 1871م، ثم عينه وكيلا للنظارة عام 1876م ومنح لقب البكوية. وأثناء عمله الحكومى كان يحرر المقالات الأدبية والنقدية والتربوية على صفحات المقتطف ووادى النيل وروضة المدارس، وقد لقبه معاصروه ببديع زمانه، وابن سهل وذلك نظرا لفصاحة شعره ودقة نثره وجمال أسلوبه فى السرد.
ولعل أشهر مقالاته هى تلك التى كتبها ردا على الكاهن الكاثوليكى الأنطاكى جبريل جبارة (1839-1925م)، الذى كذب فيها القائلين بدوران الأرض، زاعما بأن كل النظريات الفلكية الحديثة باطلة شرعًا، وأنها تحث على الكفر بالكتب المقدسة. وقد أثبت عبدالله فكرى صحة دوران الأرض حول نفسها وصدق النظريات الفلكية التى شرحها يعقوب صروف على صفحات «المقتطف»، وقد جُمعت مقالات عبدالله فكرى فى هذا الموضوع ونشرت فى روضة المدارس عام 1876م، وبيّن فيها فضل علماء العرب وفلاسفتهم فى علوم الفلك مثل: البتانى (858-929م) والطوسى (1201-1274م) والنيسابورى (933-1012م)، كما أكد أن القول بثبات الأرض لا يُرد إلى الوحى، بل إلى العالم الرومانى بطليموس (327-283 ق.م)، وقد كذبه بعد ذلك كوبرنيكوس (1473-1543م) فى كتاباته الفلكية، وعليه لا ينبغى على رجالات الدين الجهلاء بالعلوم الفلكية الزج بالدين فى ذلك المعترك لصد الجمهور عن تعلم العلوم الطبيعية. 
وللحديث بقية...