الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أبو عمران موسى الميرتلي.. الطريق والرفيق

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دخل ابن عربى على أبى العباس العريبى يسأله النصيحة، ويشتكى له سوء الزمان، ومدى تأثير مخالفة الناس للحق على تكدير النفس وإرهاقها، فقال له الرجل: عليك بالله. فلما خرج من عنده يقصد أبا عمران الميرتلي، ولم تزل نفسه مكدرة، فسأله النصيحة فقال له: عليك بنفسك. فاندهش ابن عربى قائلا: قد حرت بينكما هذا أبو العباس يقول عليك بالله، وأنت تقول عليك بنفسك، وأنتما إمامان دالان على الحق، فبكى أبو عمران وقال له: يا حبيبى الذى دلك عليه أبو العباس هو الحق وإليه الرجوع، وكل واحد منا دلك على ما يقتضيه حاله، وأرجو إن شاء الله أن يلحقنى بالمقام الذى أشار إليه أبو العباس، فاسمع منه فإنه أولى بى وبك، فما أحسن إنصاف القوم. فلما خرج ابن عربى من عنده عائدا إلى أبى العباس يخبره بنصيحة الميرتلي، فما كان من الرجل إلا أن قال له: أحسن فى قوله، هو دلك على الطريق وأنا دللتك على الرفيق فاعمل بما قاله لك تجمع بين الرفيق والطريق.
وتوضح الحكاية كيفية التعامل بين أبناء الطريق، ومدى تفهمهم لمقامات البعض وتقديرهم لنصائحهم، وقد تربى الميرتلى على منهج أبى الحارث المحاسبى أحد أقطاب الصوفية فى الشرق، من علماء البصرة فى القرن الثالث الهجري، وقد تتلمذ على يديه جيل بأكمله، وله مؤلفاته مليئة بالحكمة والزهد والتصوف.
لزم الميرتلى بيته، وتجنب الخروج، وأخذ يروض نفسه بالشدائد، ودائما ما يحب أن يسمع كلمات ابن عربى التى ينظمها فى قصائد، فيقول فيها: «تركت هواى فى هواه فلا هوى/ وكل محب لم يكنه فقد هوى / وأجريت طرف الأنس فى حلبة الفنا/ وجزت بحار الشوق فى مركب الهوى / والقيت مرسى الوصل فى ساحل الرضا / ونادانى الحق المبين من الهوا».
وتناول الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى ما يزيد على ٣٠ شخصية زاهدة ومتصوفة، قابلهم فى رحلاته فى الأندلس والمغرب العربي، وقد عرض لهذه الأسماء المجهولة فى رسالته المعروفة باسم «الروح القدس»، التى كتبها أثناء إقامته فى مكة المكرمة سنة ٦٠٠ هـ، وأرسلها إلى صديقه التونسى محمد بن عبدالعزيز المهدوي، فهو يجد الراحة فى ذكرهم وتسلية عن فقدهم وتحريض النفس على الاقتداء بهم والتأسى بأحوالهم.