الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

معارك ما بعد هزيمة "داعش" (2).. براءة الأطفال على مذابح الإرهاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أطفال «داعش» أحد أهم مخلفات دولته التى أعلن سقوطها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى 22 مارس من العام الجارى 2019، فما بين جرائم «التنظيم المتطرف» التى ما زالت غير مفهومة تجاه هؤلاء الأطفال، ومطالبات البعض بمحاكمة كل من ارتكب جرمًا من هؤلاء الأطفال سواء بالقتل أو قطع الرؤوس أو التعذيب حتى وإن كانوا من حديثى السن، وما بين مطالبات البعض الآخر بضرورة تأهيل هؤلاء الأطفال على اعتبارهم ضحايا جرائم ارتكبها هؤلاء المتطرفون وليسوا جناة.


نفتح ملف أطفال «داعش» باعتباره التحدى الأهم والأخطر فى معركة «التنظيم» حتى بعد سقوطه، خاصة أن خلاياه باتت تتشكل من جديد عبر أجيال تمت تربيتها من الأطفال على العنف المركب، خاصة أن «التنظيم» كان يعتقد إقامة دولته على رقعه جغرافية أكبر مما كان يُسيطر عليها، وأنه لن ينجح فى هذه المحاولة إلا عبر جيلين أو ثلاثة من الأطفال التى يتم تربيتهم فى معسكرات للتربية أطلقوا على بعضها مسمى «أشبال الخلافة».
نجح تنظيم «داعش» فى تجنيد أكثر من ٢٥٠ ألف طفل فى أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، غالبية هؤلاء الأطفال من المتضررين من انتشار الإرهاب فى العالم والمتركز بشكل كبير فى أفريقيا لأسباب يمكن وضعها فى سياقها السياسى حيث نظم الحكم غير المستقرة فى القارة السمراء، فضلًا عن الأوضاع الاقتصادية التى تمثل عامل جذب لتجنيد هؤلاء الأطفال.
زادت أعداد الأطفال الذين انضموا لتنظيم «داعش» ثلاث مرات عام ٢٠١٦ مقارنة بعام ٢٠١٥، وهنا يمكن قراءة سر اتجاه «التنظيم» لتجنيد هؤلاء الأطفال بعد عامين كاملين من نشأة الدولة عام ٢٠١٤، وترتبط بذور القوة التى وصل إليها وشعوره بإصرار المجتمع الإقليمى والدولى بالمواجهة، وهو ما دفعها للبحث عن مسارات جديدة للتجنيد.
نتناول فى الحلقة الثانية أطفال «داعش» ضمن سلسلة معارك ما بعد تحرير «داعش» بعد تناول ملامح الهزيمة على خلفية ظهور واختفاء زعيم «التنظيم» أبوبكر البغدادي، لتتضمن السلسلة، النساء والمقاتلين الأجانب والسلاح والمواجهة الفكرية فى الحلقات القادمة. 


خطة «داعش» فى تجنيد الأطفال
لا يمكن حصر معركة «داعش» فى شكلها الأمنى فقط، وإنما لها بُعد عسكري واستراتيجي يرتبط برؤية «التنظيم» خلال عقوده القادمة التى كان يظن أنه سوف ينجح فى غزو العالم من خلالها، ولذلك قام بتحديد مسارات خاصة يستطيع من خلالها تكوين جيش قوى وفق مواصفات خاصة، وهنا الأطفال كانوا وما زالوا يمثلون رافدًا مهمًا ليس فقط لــــ «تنظيم داعش» وإنما لكل التنظيمات المتطرفة، فضلًا عن إمكانية تأهيلهم فيستطيع «التنظيم» المتطرف تلافى العيوب التى كان يلمحها فى مقاتليه الذين التحقوا به منذ قيام دولته فى ٢٩ يونيو عام ٢٠١٤.
ولذلك كان هدف «التنظيم المتطرف» يتمثل فى إعداد هؤلاء الأطفال إعدادًا شرعيًا وعسكريًا وفق مناهج تربوية وفقهية تدفعهم دفعًا ليس لمجرد قتل الخصوم وفق ما نقلته لنا كثير من الصور المتحركة عندما كان يقف بعض هؤلاء الأطفال يحملون صور ضحاياهم وإنما التمثيل بجثث هؤلاء الخصوم، وهنا حاولت «داعش» التحرر من بعض الأصوات المعارضة لطريقة القتل التى انتهجها حتى وإن كانت أصواتا قليلة، ولكنها نجحت فى التخلص منها وفق تربية فقهية منذ الصغر لهؤلاء النشء.
لا يمكن أن نخفى أزمة «التنظيم المتطرف» التى بدأت ملامحها تظهر فى الأفق فى العام ٢٠١٧ وتحديدًا فى ٩ ديسمبر وما قبله عندما أعلن الرئيس العراقى السابق حيدر العبادى سقوط «دولة التنظيم» وتحرير مدينة الموصل، وهذا يؤكد أهمية وجود مقاتلين جدد، حتى وإن كان هؤلاء المقاتلون من الأطفال والنساء، وهو أمر اضطر إليه بعد تراجع قوة «داعش».
لجأ تنظيم «داعش» لتجنيد عشرات الألوف من الأطفال عندما قتل آباؤهم من الأزديين، وهنا تم الربط بين الموقف الشرعى وتصوراته «التنظيم» الدينية الخاطئة عن الإسلام بقتل المخالف له فى العقيدة مع إجبار أبنائه من الأطفال على إشهار إسلامه، ليس هذا فحسب ولكن كان يتم تجنيد هؤلاء الأطفال فى صفوف «التنظيم المتطرف» حتى يُصبح مقاتلًا ضمن كتائب أطفال «داعش» أو بالأحرى أطفال الخلافة.
«داعش» عمد إلى تجنيد الأطفال الذين مات عائلها «الأب» فى الحرب الدائرة بين «التنظيم» والقوات الأمنية سواء المحلية فى المكان الذى يتواجد فيه أو القوات الدولية وهنا نخص الرقة والموصل حتى أصبح فريسة للاستقطاب والتجنيد، وهنا يتم استعمال هؤلاء الأطفال ممن مات ذووهم فى القتال والزج بهم فى المعارك العسكرية بعد تجنيدهم، وحتى ومن لم يمت والداه تسعى الأسرة لرهن أبنائها لدى «داعش» ووجدنا آباء يقومون بربط الحزام الناسف وسط جسد هؤلاء الأطفال ليموتوا فى معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى اغتيال براءتهم فى وقت مبكر.
الأخطر فى معركة أطفال «داعش» هو عدم التعرف على أسر هؤلاء الأطفال الذين أتوا مع والديهم وبخاصة المقاتلين الأجانب، فعندما ماتوا أصبح هؤلاء الأطفال بلا عائل، فيتم إلحاقهم بالمعارك دون أى مقاومة من أسرته التى ماتت فى معارك «التنظيم»، وأعداد هؤلاء الأطفال بعشرات الآلاف، ولعل هذا هو سر إصرار «التنظيم» على هجرة أتباعه بأسرهم إلى ما سماه بدولة «الخلافة»، لأنه يريد تجنيد الأطفال والنساء والاستفادة منهم فى معاركه العسكرية، وقد نجح فى ذلك.
خطة «داعش» فى تجنيد الأطفال بعيدة المدى وترتبط بهدف «التنظيم» فى إقامة دولتهم، وهنا لا بد من تسليط الضوء على ضحاياه التى يصعب مواجهتها، وهنا الخطورة ليست فى احتلال الأرض بقدر احتلال عقول هؤلاء الأطفال واللعب عليها، فمن خلال هذه السيطرة ينجح فى السيطرة المكانية.


سيكولوجية العنف الدينى عند «داعش»
قضية العنف عند تنظيم «داعش» لم تكن مجرد سلوك عابر مارسه «التنظيم» فى عدة حوادث من باب ممارسة الانتقام مع خصومه، ولا شعوره بالقوة التى ربما دفعته لهذا السلوك العدواني، وإنما موقف شرعى ورؤية لـ«داعش» ترجمها فى طريقة قتله وانتقامه من هؤلاء الخصوم وفى طريقة تجنيده للأطفال الصغار.
حرص تنظيم «داعش» لسنوات طويلة على نقل صور لأطفال صغار وهم يقتلون ضحاياهم ويحملون رؤوسهم فى مشهد سينمائى يُعبر عن تصوراته عن القتال ورؤيته لإقامة دولته التى لن تكون إلا بتربية أجيال على العنف الوحشى أو ما يمكن أن نسميه بالعنف المغولي، وهنا نحاول تقريب صورة عنف «داعش» عند الأطفال بما ترتكبه بعض الحيوانات أو ما كان يرتكبه المغول أو التتار عندما كانوا يغزون قرية ما، وهنا فاق «داعش» فى وحشته الحيوانات وأراذل البشر من المغول والتتار.
رغم سقوط دولة «داعش» إلا أنها ما زالت تقوم بعمليات تجنيد للأطفال، لإيمانها بأهمية تربية هؤلاء الأطفال على العنف على طريقة «التنظيم» التى استقاها من دستوره الذى أعلن عنه أبوبكر الناجى فى كتابه «إدارة التوحش»، وهنا يحاول «التنظيم» أن يقطع خطوات فى اتجاه تربية جيل جديد يقاوم من خلاله أعتى الجيوش المسلحة.
ويتم ترجمة العنف لدى هؤلاء الأطفال أو تربية هذه الأجيال بهذه الصورة لمواجهة محتملة ينتظرها «التنظيم» أو كان يعتقد أنه فى حاجة إليها، بغض النظر عن جدوى هذه المواجهة أو عدم فاعليتها، ولذلك التحليل المنطقى لطريقة عنف «داعش» التى اعتمدها لدى الأطفال ترتبط فى الأساس بخطته فى السيطرة على بقعة مكانية أكبر من التى كان يُسيطر عليها، فضلًا عن رؤيته بأن مواجهته مع الخصوم تستلزم التسلح بمقاتلين أكثر شراسة مما عليه الداعشيون الآن، ولذلك كان التفكير فى تجنيد الأطفال وتدريبهم.
تنظيم «داعش» يعمل على تهيئة الأطفال لممارسة العنف المتوقع منهم عبر دروس شرعية وفقهية يخضعون لها تؤدى فى النهاية إلى تحريكهم لهذا السلوك المغاير للفطرة الإنسانية التى لم تلوث لدى الأطفال، ولذلك يخضع الأطفال لتدريبات شرعية وفقهية بعدها يأتى الدور العسكري، ثم يحدث خلط بين التأهيل الدعوى والأمنى لدى الأطفال بعد فترة تدريب ليست بالقصيرة ليصبح الأطفال مؤهلين بعد ذلك شرعيًا وفقهيًا وعسكريًا.


تهيئة ودمج أطفال «داعش» بعد التحرير 
يواجه المجتمع الدولى أزمة تتعلق بإمكانية دمج الآلاف من الأطفال سواء الذين أتوا من مناطق الصراع بخياراتهم أو الذين أرغموا على الذهاب لهذه المناطق التى يتواجد فيها «داعش» برغبتهم، وهنا تبدو أهمية التعامل مع هؤلاء الأطفال ودمجهم فى الحياة التى حرموا منها إيمانًا من أنهم ضحايا قبل أن يكونوا جناة.
والتحدى الأكبر أمام المجتمع الدولى يرتبط بقدرته على دمج هؤلاء الأطفال قبل أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة تنفجر فى وجه العالم، أو يتم استقطابهم مرة أخرى عبر شبكات التجنيد الخاصة بالتنظيمات المتطرفة التى ما زالت تعمل حتى بعد سقوط «دولة التنظيم» فى عواصم عربية وأوروبية.
ما زال المجتمع الدولى مقصرا بشكل كبير فى حق هؤلاء الأطفال سواء بتهيئة الظروف التى أدت فى النهاية إلى أن يكونوا جزءا من جرائم «داعش» ويعيشوا فى هذه البيئة لسنوات طويلة، وأمر آخر يرتبط بفشل المجتمع الدولى فى وضع برامج قادرة على تأهيل هؤلاء الأطفال على نحو صحيح يمنعهم من الانحراف أو الانجراف عن الصواب.
ولذلك لا بد للمجتمع الدولى أن يدير حوارًا مفتوحًا بخصوص برامج دمج الأطفال الذين انضموا لـ«داعش» برغبتهم أو على خلاف هذه الرغبة، وألا تترك مسئولية الدمج هذه لبعض الدول التى يتواجد فيها هؤلاء الأطفال، كما لا بد أن يكون للمجتمع الدولى دور بارز فى المشاركة فى الدمج ليس فقط من خلال وضع البرامج وصياغتها وإنما فى تحمل المسئولية حتى لا يتسرب هؤلاء الأطفال إلى مجتمعات العنف التى هرب منها.
مفهوم أن برامج التأهيل تأخذ وقتًا طويلًا وتستلزم خبرات واسعة وعلى المجتمع الدولى أن يُدرك أن مسئولية الدمج ليست محلية ولا تقتصر على دولة ما، ليس من منطق المسئولية المجتمعية فقط وإنما من أهمية الدور المرتبط بالتأهيل، والذى لا بد أن يُشارك فيه المجتمع الدولى بأكمله لخطورة الأطفال الذين خلفتهم «داعش» بعد سقوطها.
- لا يمكن حصر معركة «داعش» فى شكلها الأمنى فقط، فلها بُعد عسكرى واستراتيجى يتعلق برؤية «التنظيم» تجاه المستقبل كما يرتبط بتحديد مسارات خاصة يستطيع من خلالها احتلال أراض جديدة، وهنا كان الأطفال وما زالوا يمثلون رافدًا مهمًا ليس فقط للتنظيم وإنما لكل التنظيمات المتطرفة، فضلًا عن إمكانية تأهيلهم فيستطيع «التنظيم المتطرف» تلافى العيوب التى كان يلمحها فى مقاتليه الذين التحقوا به منذ قيام دولته فى ٢٩ يونيو عام ٢٠١٤.
- قام تنظيم «داعش» بتجنيد عشرات الألوف من الأطفال عندما قتل آباؤهم من الأزيديين، وهنا تم الربط بين الموقف الشرعى وتصوراته الدينية الخاطئة عن الإسلام بقتل المخالف له فى العقيدة مع إجبار أبنائه من الأطفال على إشهاره إسلامهم، ليس هذا فحسب ولكن كان يتم تجنيد هؤلاء الأطفال فى صفوف «التنظيم المتطرف» حتى يُصبح مقاتلًا ضمن كتائب أطفال «داعش» أو بالأحرى أطفال الخلافة.
- رغم سقوط دولة «داعش» إلا أنها ما زالت تقوم بعمليات تجنيد للأطفال، لإيمانها بأهمية تربية هؤلاء الأطفال على العنف على طريقة «التنظيم» التى استقاها من دستوره الذى أعلن عنه أبوبكر الناجى فى كتابة «إدارة التوحش»، وهنا يحاول «التنظيم» أن يقطع خطوات فى اتجاه تربية جيل جديد يقاوم من خلاله أعتى الجيوش المسلحة.
- تنظيم «داعش» يعمل على تهيئة الأطفال لممارسة العنف المتوقع منهم عبر دروس شرعية وفقهية يخضعون لها تؤدى فى النهاية إلى تحريكهم لهذا السلوك المغاير للفطرة الإنسانية التى لم تلوث، ولذلك يخضع الأطفال لتدريبات شرعية وفقهية بعدها يأتى الدور العسكري، ثم يحدث خلط بين التأهيل الدعوى والأمنى لدى الأطفال بعد فترة تدريب ليست بالقصيرة ليصبح الأطفال مؤهلين بعد ذلك شرعيًا وفقهيًا وعسكريًا
- المجتمع الدولى مقصر بشكل كبير فى حق هؤلاء الأطفال سواء بتهيئة الظروف التى أدت فى النهاية إلى أن يكونوا جزءا من جرائم «داعش» ويعيشوا فى هذه البيئة لسنوات طويلة، وأمر آخر يرتبط بفشل المجتمع الدولى فى وضع برامج قادرة على تأهيل هؤلاء الأطفال على نحو صحيح يمنعهم من الانحراف أو الانجراف عن الصواب.