الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

أستاذ علم اللغة بجامعة "السويس" في حوار لـ "البوابة نيوز": البذخ والإسراف ليس من الإسلام.. والصيام مدرسة ربانية لإصلاح المجتمع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
- الدكتور محمد داود: رمضان مدرسة ربانية تصلح المجتمع
حل علينا شهر رمضان هذا العام، والأمة الإسلامية تعانى الكثير من الأزمات التى وصفت بالأخطر فى تاريخها، وللشهر الكريم دور كبير فى بناء النفس والمجتمع، من هذا المنطلق «البوابة»، حاورت الدكتور محمد داود، الداعية الإسلامى، أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس، لنتعرف كيفية استثمار الشهر الكريم فى إصلاح الأمة.
■ ما مقاصد صيام رمضان؟
رمضان مدرسة ربانية تصلح المجتمع فى خفاء، هدفها إصلاح السلوك الإنسانى ومغفرة الذنوب، فإصلاح السلوك مسألة غاية فى الأهمية، لأن من عجز عنها لم يصلح أسرته ومجتمعه، ومن عجز عن إصلاح شهواته لن ينتصر على عدوه أو خصومه، لذلك الإسلام يعظم من هذه المعانى، فإصلاح السلوك البشرى يكون بالقلب والنفس والتفكير، من خلال كثرة الذكر والعبادة، ويتحقق فى قول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، والله جعل إصلاح السلوك بالأسلوب الجماعى فى رمضان، وهذا لا نستطيع فعله إلا بالصيام، فمثلاً السيطرة على اللسان وقول الزور، وحُسن معاملة الناس، فإن شاتمه أحد فيقول إنى صائم، ودائمًا الشر يتحول إلى الخير، بالصوم والعبادة، وهذا من حُسن المعاملة أثناء الصيام، الذى يحدث تربية وتكوين إيجابى.
■ الأمة الإسلامية تنفق المليارات على الطعام فى رمضان.. ما حكم الدين؟
هذا مخالف لفقه الصيام، ومن العادات التى جنت على الصيام، وأخرجته عن موطنه الأصلى، وجعلته شهرًا للهب والغب فى الطعام، وكأننا فى الليل نأكل بأثر رجعى لتعويض ما فاتنا فى النهار، ومن يفعل هذا ينطبق عليه حكم المسرف، وهذا منهى عنه عامة.
■ كثيرون خاصة من الشباب لا يعترفون بصيام الشهر الكريم.. ما أسباب هذا؟
الظاهرة هذه لديها دوافع منها وجود مدارس للفتوى وصلت إلى التشدد والجمود، بما جعلها تنفر من الدين، فالخطاب الفقهى يحتاج إلى مراجعة، فالإسلام قام على الوسطية والتيسير، وهذان يعالجان كل مظاهر الإلحاد والإرهاب، أما الأمر الثانى، فهو الحالة العلمية التى عليها المجتمعات الإسلامية، التى ليس لها موقع فى الخريطة العلمية العالمية، وليس منتجين للعلم، فحين ينظر الشاب المتطلع إلى المستقبل، إلى هذا الإفلاس العلمى، ينفر منه، ولا يثق فيه.
والفترة الراهنة نعيش فى حرب على كل المستويات، خاصة التى تستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى، التى تستهدف الشباب، وليست لدينا الجاهزية للسيطرة عليها، فى حين أن أعداء الإسلام يبذلون قصارى جهودهم لبث سمومهم ضد الإسلام، فى العقل المصرى والعربى بالتشكيك والشبهات والافتراءات، والحرب على القلب المصرى والعربى بإثارة الشهوات والجنس، ومحاولة إلصاق أمراض دخيلة على مجتمعنا؛ مثل: التحرش الجنسى، وزنا المحارم، والحديث عنها على أنها ظواهر فى المجتمع، وليست استثناءات، بالإضافة إلى مئات الصفحات والمواقع التى تشكك فى كل ما هو إسلامى والرسول عليه الصلاة والسلام، والقرآن والسنة، وهذا هجوم على القلب والمشاعر من ناحية، ومن ناحية أخرى تشتيت العقل حول الدين.
أعداء الإسلام فشلوا فى الحروب العسكرية التى تدمر، فاتجهوا إلى تدمير الإنسان، ودخلوا من أخطر مدخل وهو هدم الأخلاق، فيشككوا الشباب فى كل شيء رؤساء بلادهم، وعلماء الدين، والشرفاء، حتى يتحول كل الوطن إلى خونة فهنا تهدم الفضائل والأخلاق، فهنا من يستطيع التفكير فى بناء المجتمع.
■ ما الحل لمواجهة هذه الحروب الشرسة ضد الأمة الإسلامية؟
الأخلاق حصن لبناء المجتمع والدولة، وهى عبادة ينال عليها أجر عظيم، ومنها منزلة أن يكون صاحبها رفيقًا للنبى صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحتاج صناعة الوعى لبيان الحقائق، فوطننا عرف الإيمان منذ عصر آدم مع سيدنا إدريس، لديه علم النبوة والعلوم التطبيقية التى بدأت على الأرض هنا فى مصر، وهى الفلك وعدد السنين والحساب والزراعة، فبلادنا فجر العلم والحضارة، وبنيت على ٣ عناصر هم العلم والأخلاق والإيمان، لكن الخيبة التى لحقت بنا جاءت من «الوريث الجاهل الفاسد» الذى ذكر فى القرآن، فى قوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، وهذه الآية جاءت بعد الحديث عن أصحاب التاريخ والحضارة والمجد، فى كل أمة.
«الروشتة» سهلة لكن كيفية تطبيقها، فعلينا إصلاح الفكر، ولن يكون هذا إلا بإصلاح العقل، واليوم أصبح تدريس منهج للتفكير العلمى، ضرورة مهمة، حتى يفكر الشباب بطريقة سليمة، فنحن الآن نسيئ للدين باسم الدين، وهذه حالة مستفزة، وعلينا تصحيح الأفكار الخبيثة التى جاءتنا، فإننا نحصر العمل الصالح على الصلاة والصوم فقط، بالتالى، تجد شخصًا يصوم ويحج ويكذب ويرتشى ويزور، فهذا نتاج قصر العمل الصالح على أمر الدين وليس الدنيا، فى حين أنه يشمل الاثنين، فالصانع أو المزارع أو العامل أو الموظف الذى يتقن عمله فهو يقوم بعمل صالح، فبناء الأهرامات يعتبر عمل صالح، والعمارات التى تبنى الآن وتهدم على رءوس سكانها عمل فاسد.
■ هناك عشرات البرامج خاصة الدينية التى تنشر فتاوى شاذة لا يقبلها عقل.. كيف نسيطر عليها؟
الفتاوى لابد من توحد المصدر حتى يستقيم الفكر، فدار الإفتاء هى الجهة المنوط بها هذا ويجب ألا يخرج أحد عليها أو على فتاويها أبدًا مهما كان عالمًا، ولو أردنا إصلاحًا فعلينا وقف فتاوى الفضائيات واليوتيوب وغيرها، وينحصر دورها فى الدعوة وتعليم العبادة، وبناء الوعى.
ولابد أن يسهم فى هذه البرامج الدينية علماء النفس والاجتماع والتاريخ والفيزياء، فآيات القرآن التى تعمل دعمًا نفسيًا للمؤمنين، أقدر الناس على شرحها علماء النفس، والآيات التى تتحدث عن التكافل الاجتماعى ودور الوالدين، يشرحها علماء الاجتماع، والأحداث التاريخية يتحدث عنها المؤرخون، بدلاً ما نسمع منتسبًا للدعوة يقول نهدم الهرم أو أبوالهول، فالمؤرخ يعرف أن هناك آيات بينت للمؤمنين بالمحافظة عليها، وهذا موجود فى القرآن، والصحابة والسابقين كانوا يقرأون القرآن بوعى، وهو ما تحقق فى قول الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، وخلت غير مضت فيها الزمان والمكان، مع انظروا تطالب العلم والنظر فى علم الآثار والتاريخ.
■ هل من العقل انتشار برامج تفسير الأحلام والسحر خاصة فى رمضان؟
تفسير الأحلام هروب من الواقع، بالدخول فى الغيبيات، وعالم الجن والسحر وهو موجود لكن لم يسلطه الله على الناس، ناهيك عن هذا فما المعنى أن أجد رسالة دكتوراه فى الجنائز أو الوضوء والغسل، فكل هذا ليس وقته الآن، وعلينا البدء بإصلاح العقل، فمن يحاولون الاجتهاد يخافون نظرا للجو العام، نحن فى زمن الحجة، من ماذا أفعل إلى لماذا أفعل، وإذا لم ينتبه القائمون على المؤسسات الدينية إلى هذا الأمر سيصبح الشباب فى وادٍ بعيدًا عن الدين والأخلاق.
ولدينا مشكلة عويصة، فصُناع الفكر على نزاع وشتات وصراع، فتجد فجوة خطيرة بينهم ولا يوجد فكر واحد يخرج منهم، وبالتالى المجتمع يعيش فى حالة من الصراع الفكرى، وأقول لمفكرينا وعلماء الأمة وأصحاب المناصب، اتفقوا على رؤية فكرية واحدة لإنقاذ الوطن.