الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

إسماعيل محمد حسنى: العلمانية هى يد العدالة الإلهية التى تسحب غطاء الدين عن السلطة

إسماعيل محمد حسنى
إسماعيل محمد حسنى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن الآن فى حضرة مفكر مستنير ومجدد، وأيضا مجتهد ودءوب فى بحثه الذى طالما اتسم بالشجاعة الصريحة. الكاتب إسماعيل محمد حسني، أما الكتاب فهو «علمانية الإسلام والتطرف الديني- نقد إيديولوجية شمولية الإسلام من منظور الشريعة والتاريخ وقيم الحداثة». وهو مؤلف من ٤٩٠ صفحة من القطع الكبير، ويهديه «إلى روح والدي. وإلى أرواح الرجال العظام من عشاق الحرية، وفرسان العقل، وشهداء الكلمة عبر العصور، الذين سقطوا وهم يحملون مشاعل التنوير التى أضاءت حياتنا». ثم يستهل الكتابة قائلا «العلمانية هى يد العدالة الإلهية التى تسحب غطاء الدين عن السلطة وتجعلها تقف وحيدة فى العراء أمام شعوبها، ليس لها ما تستر به عورتها سوى كفاءتها وعدلها، وشفافيتها واحترامها لحقوق مواطنيها، ودفاعها عن أمن الأوطان وسلامتها، فيرتفع مستوى أدائها ولا تصبح مرتعا للصوص والأفاقين». وفى المقدمة يحاول المؤلف أن يضع خصوم العلمانية وظهرهم إلى الحائط فيبدأ «لا يزال البعض فى بلادنا عند مناقشة مسألة العلمانية يتصور أننا أمام اختيار ومفاضلة بين العلمانية وبدائل أخرى لتحديث مجتمعاتنا، وواقع الأمر أن العلمانية كمبدأ علمى فى تحديث المجتمعات قد اكتسب من الثبات والاستقرار ما اكتسبته العديد من مبادئ النهضة الحديثة، ويرجع ذلك الهجوم إلى التشويش المتعمد الذى تثيره الأنظمة الاستبدادية والمؤسسات الدينية التابعة لها حول مفهوم العلمانية فى عقول الناس، فالعلمانية هى الخطر الحقيقى على استبدادهم وسلطتهم المطلقة».
ثم يحدد المؤلف هدفه من الكتابة قائلا: إنه يستهدف تحويل الفكر العلمانى إلى مطلب قومى للشعوب العربية والإسلامية تناضل من أجل تحقيقها القوى الوطنية كافة، فالعلمانية هى الطريق الوحيد لبناء مجتمعات عصرية حديثة قائمة على دعائم قوية من العلم والحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان.
ثم يمضى ولم يزل فى المقدمة «أن قيم الحداثة ووضع لبنة فى جسر التواصل بين حاضرنا وماضينا الثقافى، من أجل إثبات أن قيم الحداثة والمنهج العلمى فى التفكير لها جذور فى وعينا الأخلاقى والديني، وأنها وإن لم تتواجد فى تاريخنا بنفس المفهوم أو الشكل المتعارف عليه اليوم، إلا أنها ظهرت فى تراثنا، وكان يمكن لها أن تنمو وتتبلور لو لم يقم تحالف الاستبداد السياسى والكهنوت الدينى بوأدها فى مهدها».
ثم يختتم مقدمته قائلا: «وأننا نعرف مقدما أن دعوتنا إلى التعايش بين الإسلام والعلمانية سوف تتعرض لانتقادات لاذعة واتهامات باطلة من كل من المتطرفين الإسلاميين والمتطرفين العلمانيين على حد سواء، فكلاهما انعزالى إقصائى لا يحترم الآخر ولا يؤمن بالحوار إلا مع نفسه.. إلا أننا نؤمن أن الأحرار ليس أمامهم إلا أن يمضوا فى طريق الحرية مهما كان شائكا أو وعرا».
وبهذه العبارة الأخيرة منح إسماعيل حسنى نفسه أمانا من اتهامات شائكة أو قد يكون قد وضع نفسه بين فكى كماشة لا ترحم، لكنه اعتبر أن التجديد والعلمانية والحرية واجبا مقدسا. ونواصل معه.. وإذ يبدأ المؤلف الباب الأول لكتابه والمعنون حول الدين والسياسة؛ فإنه يبدأه بعبارة تقول: «طالما عاش الدين فى قلوب البشر كان أمنا وسلاما ودفئا، وطاقة دافقة للخير والمحبة والعطاء، ولكن فى اللحظة التى يساق فيها الدين خارج موطنه الأصلى وهو القلوب ويجبر على أداء وظائف نسبية لا تتناسب وطبيعته المطلقة، يتحول إلى طاقة مدمرة لكل المعانى السامية». ويلاحظ المؤلف «لم يتفق رجال السلطة السياسية والسلطة الدينية على شيء فى تاريخهم الطويل، كما اتفقوا على محاربة العلمانية ونشر الأكاذيب حول أهدافها وفلاسفتها ومنظريها، فهى الخطر الذى يهدد عروش الاستبداد والتسلط السياسى والديني». والتجديد «فريضة إسلامية»، «ولو لم يتحرر العقل الإنسانى من قيد الجمود «لما أمكن تحقيق هذا التجديد ولظل الدين أسيرا للتقليد»، وهو يدعونا إلى تخيل ماذا كان سيكون عليه حالنا وحال ديننا لو استمر التزامنا بما قال به بعض الفقهاء القدامى من مغلقى العقول «من تحريم دراسة علوم الهندسة والمنطق والفلسفة، وتحريم تشريح الجثث وشرب مياه الصنبور وتعليم البنات وعمل المرأة والتصوير ووضع حد أدنى لسن الزواج للجنسين، وتحريم التعامل مع البنوك وشركات التأمين والبورصة».
ثم يقول «لقد قام الكهنوت الدينى السلطوى بمحاربة العلمانية عن طريق تسييس الدين الإسلامى فى أذهان العامة بالترويج لفكرة «شمولية الإسلام»، وهى فكرة استبدادية تهدف إلى إقامة كهنوت دينى يتم من خلاله السيطرة على عقول البشر والتحكم فى أفكارهم عن طريق إقحام رجال الدين فى جميع نواحى الحياة من سياسة واقتصاد وتجارة وطب وقانون ومعاملات لتخضع الشعوب ويتم تبرير السياسات الجائرة وتجميلها بفتاوى ونصوص مقدسة كلما لزم الأمر. فتحويل الإسلام إلى كهنوت شمولى يتدخل فى جميع شئون الحياة يقتل شعور افراد المجتمع بفرديتهم ويقوم بتحويلهم إلى أعضاء فى قطيع يستقى المعرفة من نبع واحد هو المؤسسة الدينية التى يجرى إخضاعها بذهب المعز من جانب السلطة السياسية».
ثم يلخص المؤلف جوهر فكرته مؤكدا أن التناقض بين العلمانية والدين هو مجرد تناقض مزيف ليس له وجود إلا فى أذهان قلة من غلاة الإلحاديين ودراويش الكهنوت الدينى الذين لم يخل العالم يوما من أمثالهم، ويعود «حسني» للتأكيد «لكن التناقض بين العلمانية والتجارة بالدين أو خلطه بالسياسة هو تناقض حقيقى وقائم»، ومن ثم يصل بنا المؤلف إلى إيضاح مهمة الكتاب وضرورته وهى «إزالة الأوهام فى الذهنية المسلمة فيما يتعلق بالحل الدينى المزعوم، وبيان حقيقة وأغراض ما يسمى بالصحوة الإسلامية الحالية التى يتم من خلالها محاربة العلمانية والدعوة للدولة الدينية، ذلك أنه «لم يخل التاريخ الإسلامى فى أى حقبة من حركات سياسية تستخدم الدين لتحقيق أهدافها، ومن ثم كانت مهمة مواجهتها مهمة دائمة طوال الماضى والحاضر والمستقبل».