الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حكايات|| "الحشاشين".. طائفة الاغتيالات (1)

 الحشاشين
الحشاشين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان "الحشاشين" طائفة كالشبح في تاريخ العالم الإسلامي، اعتمدت في فرض سلطتها على القوة والاغتيالات وإثارة القلاقل ففرضوا أنفسهم في قلاع فارس والشام، وقد ذُكر الحشاشون، أو الحشيشية لأول مرة في التاريخ، كاسم لـ"النزاريين"، وهي الطائفة التي تبنت لنفسها دعوة جديدة، وهي الطائفة الإسماعيلية النزارية، التي انفصلت عن الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله واتخذت من بلاد فارس وأجزاء من الشام مقرًا لها؛ لتُصبح دولة من الرعب بداية من عصر الآمر بأحكام الله وحتى اجتثها الظاهر بيبرس، لتكون بدايتها ونهايتها على يد من حكموا مصر.
كان مقر الحشاشون، والذي عُرف في التاريخ بـ"قلعة ألَموت"، هو حصن مُقام على قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج، ترتفع أكثر من ستة الآف قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار، ودخلها حسن الصباح بمُعاونة أنصاره، ولم يغادرها طيلة 35 عامًا حتى وفاته، مُعتمدًا سياسة لاتقاء الحروب وتنفيذ أهدافه هي اغتيال الشخصيات البارزة في دول الأعداء بدلا من خوض المعارك، فأسس فرقة مكوّنة من أكثر المخُلصين للعقيدة الإسماعيلية، وسماها "الفدائيين".
وطيلة ثلاث قرون، نفّذ الفدائيون اغتيالات ضد أعداء الإسماعيلية، وكانت هجماتهم في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع لإثارة الرعب، وكانوا مُعتادين على الانتحار في حال الحصار لتجنب الوقوع في أيدي الأعداء؛ وقد نفّذ الحشاشون عشرات الاغتيالات من أجل نشر دعوتهم، وكانت ضحيتهم الأولى الوزير السلجوقي "نظام الملك" الذي كان من أشد المحُرّضين على الهجوم على الإسماعيليين، فتقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو الوزير الذي كان مُتجهًا إلى خيام حريمه، فطعنه ليموت وقُتِل المهاجم؛ كذلك حاولوا اغتيال السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، حيث تمكن بعضهم من التسلل إلى معسكره، وقتل الأمير أبو قبيس، وتلا ذاك عراك قتل فيه عدد كبير من الناس ولكن صلاح الدين نفسه لم يُصب بأذى، وحدثت محاولة أخرى عندما كان صلاح الدين يُحاصر عزز، وتمكن بعضهم متنكرين بزي جنود صلاح الدين من التسلل للمعسكر، وتمكنوا من قتل العديد من الأمراء، ولكن السلطان نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتديها، واتخذ صلاح الدين بعد هذه الأحداث احتياطات واسعة للحفاظ على حياته، فكان ينام في برج خشبي أُقيم خصيصا له، ولم يكن يُسمح لأحد لا يعرفه شخصيا بالاقتراب منه.
تمكن الحشاشون من توجيه ضربتهم الكبرى باغتيال الماركيز كونراد من مونفيراتو ملك بيت المقدس بينما كان في صور، حيث تخفى قاتلوه في زي رهبان مسيحيين، وشقوا طريقهم إلى خلوة الأسقف والماركيز، وعندما سنحت الفرصة طعنوه حتى الموت، ويذكر بعض المؤرخين تعاون صلاح الدين مع الحشاشين لتنفيذ الاغتيال، واستندوا إلى حدوث هدنة بين صلاح الدين والحشاشين بعد الاغتيال بأربعة أشهر.
جاءت نهاية الحشاشين على يد الظاهر بيبرس الذي بدأ في تقليص قوتهم، فأصبحوا يدفعون الجزية بدلا من أخذها من الدول المجاورة، وأصبح الظاهر بيبرس فعليًا هو الذي يُعيّن رؤساء الحشاشين ويخلعهم بدلا من الموت، ثم استولى على قلعتي "العليقة" و"الرصافة"، وسقطت قلعة "الخوابي" بعدهما بقليل، لتسقط بقية القلاع عام 1273، وتنتهي بذلك دولة الحشاشين.