الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. لن تكون سوريا جديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت من أكثر تصريحاته الداعية إلى السخرية، عندما خرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مطلع الأسبوع الجارى، مؤكدا أنه لن يسمح بتحول ليبيا إلى سوريا جديدة.
القاصى قبل الدانى يعلم أن الرجل قد جعل من حدود بلاده ممرا آمنا لعبور آلاف الإرهابيين إلى داخل المحافظات والمدن السورية.
«السلطان التركي» يعمل فعليا على جعل ليبيا سوريا جديدة، تتجمع فيها فلول عناصر الجماعات الإرهابية المهزومة فى سوريا والعراق، وفتح ممرا ملاحيا بين ميناءى أزمير التركى ومصراتة الليبى ليكون السبيل الجديد لعبور العناصر الإرهابية إلى داخل ليبيا على متن السفن التركية.
وعلى ما يبدو أن أردوغان ليس وحده من يريد تحويل ليبيا إلى بؤرة جاذبة للتنظيمات الإرهابية، فثمة أطراف دولية وإقليمية سعت إلى ذات الهدف، بل إن مواقف الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا غسان سلامة عملت على تعزيز تواجد الميليشيات المسلحة وانتشار الجماعات الإرهابية.
فإيطاليا التى حذر رئيس وزرائها جوزيبى كونتى، من انتشار الجماعات الإرهابية فى الأراضى الليبية، بسبب عملية الجيش الوطنى الليبى لتحرير طرابلس، لم تحرك ساكنا ضد السفن والطائرات التركية التى حطت فى موانئ مصراتة لتفرغ شحناتها من الإرهابيين والأسلحة والمعدات القتالية، رغم تواجدها العسكرى المكثف داخل مدينة مصراتة فى شبه قاعدة عسكرية متكاملة تضم نحو أربعمائة من ضباط الجيش الإيطالي.
وبحسب مصادر ليبية، توفر قوات البحرية الإيطالية حماية للسفن القادمة من تركيا، وتحول دون تصدى قوات البحرية الليبية التابعة للجيش الوطنى الليبى لها، بل إن إيطاليا شكلت خلية أزمة لمتابعة الموقف السياسى والعسكرى والأمنى فى العاصمة طرابلس، وجعلت مبنى حكومة الوفاق الوطنى برئاسة فائز السراج مقرا دائما لها، وهناك بحسب مراقبين ليبيين، مؤشرات على قيام هذه الخلية بتقديم استشارات ودعم عسكرى فنى وسياسى لحكومة فائز السراج طبقا للمعطيات التى ترصدها.
ويبدو أن مصالح إيطاليا فى حقول النفط والغاز الليبية، التى تعمل شركاتها بها فى المنطقة الغربية تتفق مع إبقاء ليبيا ممزقة مضطربة يسيطر على عاصمتها مرتزقة وإرهابيون وأمراء حرب خضع كليا لإرادتهم فائز السراج رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
أما تونس والجزائر، فتطرح مواقفهما من عملية تحرير طرابلس علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كانا يراهنان على الدور الإيطالي، والدعم التركى والقطرى فى الإبقاء على ليبيا كبؤرة جاذبة لعناصر التنظيمات والجماعات الإرهابية الموجودة داخل أراضيهما؟!
وزيرا خارجيتى البلدين أعلنا فى بيان مشترك نهاية الأسبوع الماضى ضرورة الوقف الفورى لما سموها بـ«الاشتباكات داخل العاصمة»، وزاد وزير الخارجية الجزائرى صبرى بوقادوم، بقوله: لن نقف صامتين أمام استمرار قصف عاصمة مغاربية، فيما وافق وزير خارجية تونس خميس الجهيناوى على استقبال جرحى الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية التابعة للمجلس الرئاسى الليبى لتلقى العلاج داخل المستشفيات التونسية، وهو ما يعد بمثابة إعلان صريح من جانب البلدين عن انحيازهما إلى حكومة الوفاق الوطنى برئاسة فائز السراج.
ويجمع المحللون والمراقبون على أن الموقف التونسى والجزائرى نابع من اعتقادهما فى أن استمرار حالة الفوضى وانعدام الاستقرار داخل ليبيا يجعلها نقطة جذب للعناصر الإرهابية الموجودة فى كلا من تونس والجزائر، علاوة على أنها ستكون مقصدا للجزائريين والتونسيين الذين انخرطوا فى صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرهما من جماعات الإسلام الإرهابية التى هزمت فى سوريا والعراق.
إيران التى خاضت حربا ضروسا إلى جانب الجيش السورى ضد الجماعات الإسلامية الإرهابية، دخلت على الخط فى ليبيا بموقف مغاير لتقدم المزيد من الدعم العسكرى، ممثلا فى أسلحة ومعدات قتالية وذخائر لحكومة فائز السراج.
الموقف الإيرانى يؤكد وجود تحالف استراتيجى مع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية الذى يمثله السراج، وقد تأكد هذا الدعم بإعلان داخلية حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس عن التحفظ على سفينة إيرانية تابعة للحرس الثورى الإيرانى، وخاضعة للعقوبات الأمريكية والأوروبية، قرب شواطئ مصراتة، السبت الماضى، وبعد مرور ٥ أيام من كشف اللواء أحمد المسمارى المتحدث الرسمى باسم الجيش الوطنى الليبى، عن رصد رسو سفينة تابعة للجيش الثورى الإيرانية بميناء مصراتة، ويبدو أن إجراء داخلية حكومة الوفاق جاء للتمويه على حقيقة حمولة السفينة؛ حيث أوضح بيان إيرانى صدر لاحقا أن السفينة غير محتجزة، وأن هناك خلافات بسيطة يتم تسويتها مع الجانب الليبى، ليؤكد فى نفس الوقت وزير داخلية حكومة الوفاق الوطنى فتحى باش أغا أن السفينة كانت تحمل مواد غذائية.
اللواء المسمارى طالب غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة، الكشف عن حقيقة محتويات تلك السفينة، لكن سلامة لم يتطرق للأمر وسط أنباء كثيرة تحدثت عن شحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر حملتها السفينة الإيرانية لدعم ميليشيات حكومة السراج.
مواقف المبعوث الأممى باتت هى الأخرى مثيرة للكثير من علامات التعجب والاستفهام، فغسان سلامة الذى لم يلتفت إلى خضوع فائز السراج لزعماء العصابات الإجرامية وأمراء الجماعات الإرهابية وقيامه بدفع رواتب شهرية لهم، وكان يريد الذهاب إلى المؤتمر الجامع للتوصل لتسوية سياسية قبل القضاء على تلك العصابات والجماعات، شن هجوما حادا على المشير خليفة حفتر فى لقاء صحفى مع إذاعة «إنتر فرانس»، وحذر من مواصلة دعمه فى عملية تحرير طرابلس، بل وقال إن مشروعه السياسى لا يناسب جانبا لا بأس به من الليبيين، ووصفه بأنه ليس رجلا ديمقراطيا.
تصريحات سلامة جعلته فى موقف الداعم لتواجد الميليشيات والجماعات الإرهابية المسلحة على حالها داخل العاصمة طرابلس، لا سيما أنه لم ينتقد وبحكم وظيفته الدولية قيام الميليشيات الإرهابية باقتحام معسكرات اللاجئين الأفارقة، وإجبار المئات منهم على الانخراط فى عمليات القتال وتصدر الصفوف الأولى فى المواجهات مع كتائب وعناصر الجيش الوطنى الليبي.
ومع ذلك كله لن تكون ليبيا سوريا جديدة لسببين حاسمين، أولهما بدء تحرك الجيش الوطنى الليبى نحو مدينتى سرت ومصراتة لتحريرهما من ميليشيات السراج وقطع طريق الإمدادات على ميليشياته فى طرابلس، ما يعنى أن الجيش الليبى يدرك أهمية سرعة حسم معركة طرابلس، أما السبب الثانى فيتمثل فى إصرار الإدارة الأمريكية على تأكيد دعمها لعملية تحرير طرابلس عبر بيان جديد صدر عن الناطق باسم وزارة الدفاع «البنتاجون» الجمعة الماضية، وفى سعى رئيس الوزراء الإيطالى إلى الرئيسين الروسى والمصرى أثناء قمة الصين للبحث عن صيغ مشتركة فى ليبيا، وفى تعليق بريطانيا تقديمها أى مشروعات قرارات جديدة لمجلس الأمن بعد فشلها ٤ مرات متتالية. والمؤكد أن الاتفاق الروسى الأمريكى حول ليبيا، جاء فى سياق توافقات مشتركة بين كل من القطبين الدوليين، وفى إطار تفاهمهما مع الأطراف العربية المؤثرة، وفى مقدمتها مصر والسعودية والإمارات، التى ترفض تكرار السيناريو السوري، وتصر على بناء ليبيا موحدة خالية من الميليشيات وجماعات الإرهاب.