السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

زين نصار يكتب: الفنون ودعم ثورة 1919

الدكتور زين نصار
الدكتور زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعبت الفنون دورًا هامًا فى دعم وإشعال ثورة الشعب المصرى عام ١٩١٩، للمطالبة بالاستقلال ورحيل القوات البريطانية عن البلاد، وكان أبرز تلك الأدوار وأسرعها تأثيرا ما قدمه فنان الشعب سيد درويش «١٩٨٢ - ١٩٢٣» من خلال أعماله الغنائية، وما لحنه من أناشيد فى مسرحياته الغنائية، ومن تلك الأناشيد نذكر النماذج التالية: فى عام ١٩١٨ لحن سيد درويش فى ختام مسرحيته الغنائية «ولو» نشيد «يا ناس بلادى ما انساهاشي» الذى غناه نجيب الريحانى والمجموعة، ويقول مطلعه: يا ناس بلادى ما انساهاشى دى نارها جنة ماسلاهاشى ومهما أشوف منها ولا أقاسى ما بعش أهلى ما بعش ناسى.
فى عام ١٩١٩ قدم سيد درويش فى مسرحيته الغنائية «قولوله» التى عرضتها فرقة نجيب الريحانى، نشيد «قوم يا مصرى» تأليف بديع خيرى، ويقول مطلعه: «قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك خد بنصرى نصرى دين واجب عليك، يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك عدلى مجدى اللى ضيعته بإيديك دول جدودك فى قبورهم ليل نهار من جمودك كل عضمة بتستجار دول فاتولك مجد وأنت فت عار».
وفى نفس العام «١٩١٩» قدم سيد درويش فى مسرحيته الغنائية «إش» التى عرضتها فرقة نجيب الريحانى، نشيدا فى ختامها بعنوان «يا مصر يحميكى لأهلك» غناه الجميع، ويقول مطلعه: «يا مصر يحميكى لأهلك ما نشوف فيكى إلا أيام سعدك نموت ونحيا إحنا فى حبك زينة الدنيا ولا فيش بعدك، نيلك دا فاض الخير عنه وابنك ما فيش أكرم منه خيرك على نساكى ورجالك، وعلى اللى راح واللى جالك فلتحيا مصر يا ناس وتعيش».
ودعما لثورة الشعب المصرى عام ١٩١٩ كتب أمير الشعراء أحمد شوقى «١٨٧٠- ١٩٣٢» قصيدة بعنوان «الحرية الحمراء» يمجد فيها الثورة، ويقول مطلعها: «يوم البطولة لو شهدت نهاره لنظمت للأجيال مالم ينظم، غبنت حقيقته وفات جمالها باع الخيال العبقرى الملهم لولا عوادى النفى أو عقبانه والنفى حال من عذاب جهنم»، إلى أن قال: «دعت البلاد إلى الغمار فغامرت وطنية بمثقف ومعلم ثارت على الحامى العتيد وأقسمت بسواه جل جلاله لا تحتمى». 
ثم كتب أمير الشعراء قصيدة أخرى تدعوا إلى التضحية ويهاجم الاستعمار، فيقول فى مطلعها: «والمرء ليس بصادق فى قوله حتى يؤيد قوله بفعاله، والشعب إن رام الحياة كبيرة خاض الغمار دما إلى آماله». 
وقال «شوقى» يدعو إلى النهضة الاقتصادية: «يا طالبا لمعالى الملك مجتهدا خذها من العلم أو خذها من المال، بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم لم يبن ملك على جهل وإقلال».
اندلعت ثورة الشعب المصرى فى التاسع من مارس عام ١٩١٩، وفى السادس عشر من مارس قامت أول مظاهرة للسيدات المصريات احتجاجا على تعسف الإنجليز حيال المظاهرات السابقة، وما ارتكبوه مع المتظاهرين من فظائع القتل، وقد مجد الشاعر المصرى حافظ إبراهيم «١٨٧٢ – ١٩٣٢» شعور السيدات المتظاهرات وشجاعتهن وحمل فى قصيدة حملة لاذعة على مسلك الجنود الإنجليز حيالهن يقول مطلعها: «خرج الغوانى يحتججن، ورحت أرقب جمعهنه، فإذا بهن تتخذن من سود الثياب شعارهنه، فطلعن مثل كواكب يسطعن فى وسط الدجنه، وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه يمشين فى كنف الوقا روقد ابن شعورهنه، وإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنه، وإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنه، وإذا المدافع والبنا، دق والصوارم والأسنه، والخيل والفرسان قد، ضربت نطاقا حولهنه، والورد والرياحين، ذاك النهار سلاحهنه».
وفى عام ١٩٢١ قدم سيد درويش فى مسرحيته الغنائية «شهر زاد» عددا من الأناشيد التى تشحذ همم أبناء الشعب المصرى فى مواجهة قوات الاحتلال البريطانى، جاءت على النحو التالي: نشيد «اليوم يومك يا جنود» كلمات محمود بيرم التونسى ويقول مطلعه: «اليوم يومك يا جنود ما تجعليش للروح ثمن، يوم المدافع والبارود، ما لكيش غيره فى الزمن، هيا اظهرى عزم الأسود، فى وجه أعداء الوطن، عار على الجند الجمود، إلا إذا لفوا الكفن».
نشيد «أنا المصرى كريم العنصرين» كلمات محمود بيرم التونسى، ويقول مطلعه: «أنا المصرى كريم العنصرين، بنيت المجد بين الإهرامين، جدودى أنشأوا العلم العجيب، ومجرى النيل فى الوادى الخصيب، لهم فى الدنيا آلاف السنين، ويفنى الكون وهما موجودين».
نشيد «أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا» محمود بيرم التونسي، ويقول مطلعه: «أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا، وقت الشدايد تعالى شوفنا، ساعة ما نلمح جيش الأعادي، نهجم ولا أى شىء يحوشنا».
وفى نفس العام ١٩٢١، ألف أمير الشعراء أحمد شوقى نشيدا بعنوان «بنى مصر مكانكموا تهيأ» يقول مطلعه: «بنى مصر مكانكموا تهيأ، فهيا مهدوا للملك هيا، خذوا شمس النهار له حليا، ألم تك تاج أولكم مليا».
ومن المسرحية الغنائية «عبدالرحمن الناصر» لسيد درويش نجد الأناشيد التالية: نشيد «جمرة الحرب تلظت فانفخوها» كلمات مصطفى ممتاز، ويقول مطلعه: «جمرة الحرب تلظت، فانفخوها، وادفعوا جند عداكم يصطلوها، كلما خف لهيب، أججوها، ذالكم خير قصاص، أشعلوها، إلى الأمام إلى الأمام إلى الأمام».
نشيد «يا أباة الضيم يا فخر العرب» كلمات مصطفى ممتاز، ويقول مطلعه: «يا أباة الضيم يا فخر العرب صونوا حماكم، فى سبيل المجد من يخشى العطب، ردوا عداكم، أنتم الأبطال فامضوا للقتال، وانهضوا من فوركم للنزال، أقدموا أقدموا لاترهبوهم، واهجموا هجمة الليث الهصور، دافعوا عن حماكم واهزموهم وارفعوا رأسكم طول الدهور، إلى الأمام إلى الأمام إلى الأمام».
نشيد «هيا أيها الأبطال» كلمات مصطفى ممتاز، ويقول مطلعه: هيا أيها الأبطال هيا، إن فخاركم تحت البنود، شقوا بالسيوف لكم طريقا، إلى النصر الأغر أو اللحود، فإما نلتم العليا جميعا، وإلا نلتم أجر الشهيد».
وفى نفس العام ١٩٢١، ألف حافظ إبراهيم قصيدة غراء بعنوان «مصر تتحدث عن نفسها» وأشاد فيها بمجد مصر وعظمتها، وهى القصيدة التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم، من تلحين رياض السنباطي، وقدمتها لأول مرة فى الثلاثين من أكتوبر عام ١٩٥٢، ويقول مطلعها: «وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدى، وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدي، أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق، ودراته فرائد عقدي، أى شىء فى الغرب قد بهر الناس جمالا ولم يكن منه عندي؟».
وفى عام ١٩٢٣ قدم فنان الشعب سيد درويش فى مسرحيته الغنائية «الهلال» نشيد «إحنا الجنود زى الأسود» كلمات عبدالحميد كامل، ويقول مطلعه: «إحنا الجنود زى الأسود، نموت ولا نبعش الوطن، بالروح نجود بالسيف نسود، على العدا طول الزمن، الحرب ديننا وطبعنا، والسيف أبونا وأمنا، نحفظ كرامة شعبنا بعمرنا بدمنا، صوت السلاح يوم الكفاح، فى عرفنا فى سمعنا حلو النغم، لازم نعيش طول عمرنا، فى أرضنا أحرار ورافعين العلم.
وفى نفس العام أيضا قدم سيد درويش نشيد «بلادى بلادى لك حبى وفؤادي» كلمات محمد يونس القاضى والذى أصبح النشيد الوطنى لجمهورية مصر العربية، والذى يقول مطلعه: «بلادى بلادى بلادى، لك حبى وفؤادى، مصر يا ست البلاد، أنت غايتى والمراد، وعلى كل العباد، كم لنيلك من أيادى، مصر أولادك كرام أوفياء يرعوا الزمام، سوف تحظى بالمرام، باتحادهم واتحادى».
وقد كان لهذه الروح الوطنية ثمارها فى مختلف الفنون، فقد استلهم الفنانون المصريون آنذاك أعمالهم من الريف المصرى وحياة الفلاح، ومن المناظر الموجودة فى البيئة، وبالإضافة إلى ذلك فقد رجعوا أيضا إلى التراث فى مصر القديمة «الفرعونية»، فقد اختار مثال مصر العظيم محمود مختار «١٨٩١ - ١٩٣٤»، الفلاحة المصرية نموذجه المفضل، ويتضح ذلك فى تماثيل مثل «الفلاحة – فلاحة والماء – زوجة شيخ البلد – نحو ماء النيل – على شاطئ النيل – القيلولة»، وانعكس نفس المفهوم فى الأدب فى قصة «زينب» التى ألفها الدكتور محمد حسين هيكل «١٨٨٨ - ١٩٥٦»، وهى تصور الحياة فى الريف المصرى بصدق وواقعية، ونلاحظ أن نزعة تمجيد التراث الفرعونى قد وجدت لها صدى فى تماثيل مثل «إيزيس – الوجه البحرى – الوجه القبلي» لمحمود مختار، وقد تجسدت الروح التى كانت تسود مصر فى تمثال «نهضة مصر» الموجود حاليا أمام كوبرى الجامعة المؤدى إلى جامعة القاهرة، والجدير بالذكر أن الشعب المصرى قد اكتتب لتغطية تكاليف تنفيذ هذا التمثال الذى أزيح عنه الستار يوم «٢٠/٥ /١٩٢٨» فى ميدان باب الحديد «رمسيس حاليا» وقد ربط محمود مختار فى هذا التمثال بين تاريخ مصر القديم ورمز بأبى الهول وهو عبارة عن رأس إنسان، فالرأس تدل على الفكر الثاقب والعقل الراجح، والجسم يدل على القوة والفتوة، ورمز لمصر الأمل والمستقبل بفلاحة رافعة رأسها ناظرة إلى الأمام فى عزة وثقة بالنفس، وهى فى ذات الوقت تضع يدها على رأس أبى الهول لتستمد منه الأصالة عبر تاريخها الطويل.
فى تلك الفترة أيضا ساد الاتجاه إلى إطلاق أسماء مصرية وفرعونية على المؤسسات الفنية، ومن أمثلة ذلك: فرقة «رمسيس» التى كونها يوسف وهبى «١٨٩٨ - ١٩٨٢»، عام «١٩٢٣»، جريدة آمون، شركة مصر للتمثيل والسينما «١٩٢٥»، نشرة مينا فيلم «١٩٢٦»، شركة إيزيس فيلم «١٩٢٧»، ستوديو مصر «١٩٣٥»، وفى مجال الإنتاج السينمائي، قدم أول فيلم روائى عن قصة «زينب» للدكتور محمد حسين هيكل التى سبق الحديث عنها، وأخرجها محمد كريم وعرضت فى سينما متروبول بالقاهرة يوم ١٢ /٣ /١٩٣٠.
وكذلك جاءت مؤلفات جيل رواد التأليف الموسيقى فى مصر فى هذا الإتجاه، فقد جاءت مؤلفات رائد التأليف الموسيقى فى مصر يوسف جريس «١٨٩٩ -١٩٦١» فى قصائد سيمفونية تحمل عناوين مثل «مصر - أهرام الفراعنة – نحو دير فى الصحراء – النيل والوردة»، ومؤلفات مثل «الفلاحة – البدوى - زهرة البردى – على ضفاف النيل»، وألف أبوبكر خيرت «١٩١٠ - ١٩٦٣» الافتتاحية التصويرية
«إيزيس»، و»السيمفونية الشعبية»، وألف حسن رشيد «١٨٩٦ - ١٩٦٩» أوبرا «مصرع أنطونيو»، وهكذا نجد أن الفنانين المصريين بمختلف تخصصاتهم قد تسابقوا لمساندة ثورة الشعب المصرى التى اندلعت فى التاسع من مارس عام ١٩١٩، بكل ما يملكون من قوة وبصدق وإخلاص.