الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ثورة السودان تطيح بالإخوان والمطامع التركية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد مظاهرات استمرت شهور عدة، تمكن السودانيون من عزل عمر البشير من قصر الرئاسة؛ لتنتقل السلطة بشكل مؤقت إلى المجلس العسكري؛ حيث أعلن الفريق الركن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس، عن فترة انتقالية تصل إلى عامين، تتبعها انتخابات، مشيرًا إلى استعداده للعمل مع النشطاء المناهضين للبشير وجماعات المعارضة لتشكيل حكومة مدنية انتقالية. ويعانى السودانيون من ارتفاع حاد فى الأسعار ونقص فى السيولة والسلع الأساسية؛ بسبب سوء الإدارة والفساد وتأثير العقوبات الأمريكية، فضلًا عن خسارة إيرادات النفط بعد انفصال جنوب السودان فى عام 2011، فيما يطالب «تجمع المهنيين السودانيين» بتغيير شامل لإنهاء حملة عنيفة على المعارضة، وتطهير البلاد من الفساد والمحسوبية وتخفيف الأزمة الاقتصادية التى تفاقمت فى السنوات الأخيرة من حكم «البشير».

ووسط هذه التقلبات التى تشهدها البلاد، فضّلت جماعة الإخوان الإرهابية- ذات التركيبة المتشعبة فى السودان- الاختباء فى المنطقة الآمنة؛ حيث إنه رغم أن الجماعة تتمثل فى أحزاب متعددة وبعض التيارات، وتشارك فى الحكومة أيضًا؛ فإنها تعتبر نفسها فى الوقت ذاته كيانًا معارضًا.
وعلى صعيد متصل، تلقى محور الشر «القطري- التركي»، الذى ظل لسنوات طويلة يوطد علاقاته بالسلطة السودانية، ضربة قاصمة، تسببت فى هدم مخططاته الرامية إلى تهديد دول الجوار والأمن القومى العربي. وفى هذا الملف تسلط «البوابة»، الضوء على التحولات التى شهدها السودان خلال الفترة القليلة الماضية، ومستقبل الوجود الإخوانى هناك، فى ظل سيطرة المجلس العسكرى على زمام الأمور هناك.



قيادات الجماعة.. من رفض التظاهرات إلى القفز على الثورة.. غضب شعبى من تواجد القيادات فى ميدان الاعتصام «المؤتمر الشعبى» تخلى عن البشير قبل سقوطه

سعت جماعة الإخوان الإرهابية لركوب الموجة الثورية وتصدر المشهد فى السودان، منذ الاحتجاجات التى خرجت لإسقاط نظام عمر البشير، ومنذ الأيام الأولى لتظاهر الأهالى ضد ارتفاع أسعار الخبز فى ديسمبر المنصرم، لم تكن للقوى المعارضة رؤية محددة، بل بدت مواقفهم باهتة ولا أثر لها فى توجيه الأحداث.
وبعد أن تزايدت الأعداد وامتدت لرقعة جغرافية واسعة فى الخرطوم، حاولت قوى سياسية متحالفة مع نظام البشير أن تقفز من السفينة، وتعلن تأييدها لحق التظاهر؛ دون مشاركة رسمية، وهى السياسة التى اتبعها حزب المؤتمر الشعبي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان فى السودان.
ولم يكن أبدًا تأييد المؤتمر الشعبى للاحتجاجات نابعًا من طبيعة ثورية تتحلى بها الجماعة، بل جاء كردة فعل- متأخرة- على موقف «البشير» من إقرار تعديل الدستور بما يسمح له الترشح لولاية جديدة تبدأ ٢٠٢٠، إضافة إلى مطالب متكررة من القواعد الشابة بإبداء موقف من التظاهرات.
ولتعزيز موقفها الانتهازي، أعلنت الجماعة الإرهابية، وقوفها صفًا واحدًا مع المواطن، الذى قالت إنه يعبر عن غضبه بصورة حضارية دون عنف أو إحراق للممتلكات الخاصة والعامة، كمحاولة خبيثة للعودة إلى المشهد، وكسب رضا المواطنين، وتزايد الأمر مع عزل «البشير» فى ١١ أبريل الجاري.
أعقب عزل «البشير» ظهور متكرر لعوض الله حسن، المراقب العام للجماعة، فى اعتصام القيادة العامة، ونشر أنباء لتفقده المستشفى الميداني، إضافة إلى بث رسائل ثورية عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»؛ ما يبرهن على رغبة الإخوان فى استمالة الشعب وتخويفه بـ«الحكم العلماني»، وضرورة المحافظة على الحكم الديني، رغم الرفض الشعبى للجماعة.
تعاطى الإخوان مع الثورة
فى البداية، فضّلت الجماعة الاختباء فى المنطقة الآمنة، دون انحياز للشعب أو إدانة حراكه، إذ وقف حزب المؤتمر الشعبي، فى المنطقة الوسطى بين الحكومة والمعارضة؛ ليتمكن من اللعب على جميع الأطراف.
وبعد تزايد الاتهامات لـ«الشعبي» بأنه اتخذ موقفًا سلبيًّا، لاسيما أنه يشارك فى الحكومة وفى الوقت ذاته يعتبر نفسه كيانًا مُعارضًا، نفى على الحاج، الأمين العام للحزب، أن يكون حزبه واقفًا فى منطقة وسطى بين الحكومة والمعارضة.
وقال فى حوار صحفى ردًّا على سؤاله عن الأزمة السياسية والاقتصادية التى تتفاقم فى السودان، وأن حزبه يقف بين منزلتين بعد تفاهمات مع المعارضة السودانية.
ومع الإعلان عن عزل «البشير» تخلى المراقب العام للإخوان فى السودان، عن النظام السابق وكل المعاونين له، قائلًا فى رسالة حملت اتهامات لجبهة الإنقاذ الإسلامية التى كانت تحكم البلاد، بإفساد الدين والدنيا، حسب تعبيره، متعهدًا بإزالة كل ذلك، والعمل مع الشركاء لعدم إعادة إنتاج النظام.
وقال المراقب العام، إنهم لن يشاركوا كجماعة فى المجلس السيادى ولا الحكومة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية، داعيًا إلى تشكيل وفد توافقى للتفاوض مع المجلس العسكري؛ بهدف نقل السلطة إلى المدنيين، إضافة إلى رفض إعلان حكومة من جانب واحد، مهددًا: «سبيلٌ لفوضى وخيمة العواقب».

بعد انهيار البشير.. باحث سودانى يرصد ارتباك المشهد السياسى.. «محمد صالح مطر»: ثورة الخبز نموذج متفرد

مازال السودانيون موجودين فى الشوارع، بعد مرور أسبوعين على إزاحة الجيش السودانى للبشير، وتشكيل مجلس عسكرى جديد يقوم بإدارة أمور البلاد حاليًّا.
ما يطرح تساؤلات عدة عن الأسباب والدوافع داخل المشهد السياسى السوداني، خاصة بعد أن تخلى الإسلامويون عن البشير، محاولين التلون لمواكبة الوضع، والقفز على مطالب الشعب من أجل الاستحواذ مرة أخرى على السلطة. وتحاول «البوابة» عبر حوار مع الدكتور «محمد صالح مطر»، المتخصص فى الشأن السوداني، تفكيك المشهد السياسى فى البلاد وموقف الأطراف المختلفة منه، وكيف ترى دول المنطقة مجريات الأحداث فى السودان، طارحًا لما يعتبره حلولًا للمعضلة الحالية التى تواجه السودان.
■ ما الذى يحدث حاليًّا فى السودان؟
-هناك ارتباك فى المشهد، فالجميع يحاول استيعاب ما جرى، خاصة أنه على مدار ثلاثين عامًا عانى الشعب السوادنى من نظام البشير، ومن بين هذه الأطراف، جماعة الإخوان، التى تحاول حاليًّا استيعاب الصدمة، وهم لا يستطيعون الظهور بشكل علنى خلال هذه الفترة، كون الشعب لم يعد لديه ثقة فيهم وفى تحركاتهم، كما أنه أصبح لا يكترث كثيرًا بهم، ويركز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأوضاع الأمنية فى البلاد.
البعض يقارن الثورة السودانية بباقى الثورات العربية؛ لكن ثورة الشباب السودانى تختلف عمَّا سبقها فهى نموذج متفرد، لدى الشعب السودانى وعى كبير بما يجري، والبلاد مليئة بالشباب الذى نزل إلى الشوارع بعفوية مطالبًا بحقوقه، لابد أن يضعهم الجميع فى عين الاعتبار، فهم يستحقون أن يشاركوا فى الحكومة المقبلة، نحن لدينا بعض الشباب من ذوى الخبرة التى تؤهلهم للقيادة.
■ من وجهة نظرك كيف يرى كل من تركيا وقطر ما حدث فى السودان؟
- تولى عمر البشير السلطة بالسودان فى انقلاب أيده الإسلاميون عام ١٩٨٩، وهو ينتمى للحركة الإسلامية التى تعد فرع جماعة الإخوان الإرهابية هناك، وهو أحد أقدم القيادات الحاكمة فى أفريقيا والعالم العربي، وكانت تركيا وقطر من أكبر الداعمين لنظامه، فالبشير من خلال تحالفه مع البلدين، أدخل البلاد فى مشاكل سياسية بهدف خدمة مصلحته الشخصية والبقاء فى الحكم.
كان البشير يلعب على محورين؛ المحور التركى القطرى الإيرانى ومحور مصر والسعودية والإمارات، وكان يتأرجح بينهما، فتارة يمينًا وتارة يسارًا، وفى النهاية أضعف ذلك موقفه السياسى وجعل ليس هناك ثقة، ولا مصداقية لنظامه فى النهاية، وهنا لابد ذكر تحركات محور مصر والسعودية والإمارات الأخيرة، التى أرى أنها كانت مهمة وفاعلة، خاصة أن كلمتهم مسموعة على المستوى الإقليمى والدولي.
فيما قدمت السعودية والإمارات للمجلس العسكرى الجديد فى السودان حزمة مشتركة من المساعدات تقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي، شملت حزمة المساعدات هذه ٥٠٠ مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة فى البنك المركزى السودانى لتقوية مركزه المالي، وتخفيف الضغوط على الجنيه السوداني.
كما استضاف الرئيس «عبد الفتاح السيسي» أيضًا القمة التشاورية للاتحاد الأفريقى فى القاهرة، بحضور رؤساء ٨ دول؛ إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى «موسى فقيه»، فجهود الرئيس السيسى أسفرت عن منح المجلس العسكرى الجديد مهلة مدتها ثلاثة أشهر، لتسليم السلطة بعدما كانت أسبوعين فقط.
■ ما هى أكبر مشكلة تواجه السودان الآن بعد رحيل البشير؟
- أكبر إشكالية تواجه السودان حاليًّا هى تسليم السلطة؛ لأن هناك عشرات الأحزاب السياسية فى البلاد، ولا توجد طريقة للتحاور مع كل هؤلاء، فضلًا عن عدم إمكانية تمرير السلطة لأحد هذه الأحزاب، حتى مع تطبيق نظام المحاصصة فيما بينهم، سيكون هناك تشتيت للجهود وعدم اتفاق فيما بينهم.
وأعتقد أن الطريقة الأفضل لحل هذا الأمر، هى تشكيل حكومة تكنوقراط تدير شئون البلاد، يكون معيار الاختيار فيها هو الكفاءة وليس الانتماء الحزبي.
السودان لم يَجنِ سوى الفساد والمحسوبية عندما كان يُحكم من حزب البشير، وينتظر الكثيرون من الشعب السوادنى تقديمه للمحاكمة. وعزل الجيش السودانى البشير بعد أن أمضى ثلاثة عقود فى كرسى الحكم، بعدما استمر السودانيون فى الشارع لشهور، قبل أن تعلن الإطاحة بالبشير فى ١١ أبريل الماضي.


«عوض الله حسن».. حرباء «الإخوان» تأخذ لونًا آخر
على نحو غير متوقع تخلى «عوض الله حسن سيد أحمد» المراقب العام لجماعة الإخوان فى السودان، عن حكومة الرئيس السابق «عمر البشير»، وكل المعاونين له من رموز النظام المخلوع، تزامنًا مع إعلان رئيس المجلس العسكرى الانتقالى «عوض بن عوف»، عزل «البشير» وبدء موجة انتقالية لمدة سنتين.
يُمثل موقف «عوض الله» خطورة على الشعب السوداني؛ لأنه يعتبر إشارة لنية «الإخوان» فى اقتناص مقعد الحكم فى الفترة المقبلة، بعد أن وضعت «البشير» شوكة فى حلق السودان لمدة ٣٠ عامًا، وبعد سقوطه أصدرت الجماعة بيانًا متبرئة منه، فى محاولة منها؛ للقفز على الحراك الشعبي، ومحاولة استغلاله لما يصبُّ فى مصلحة الجماعة.
ومنذ بداية الثورة السودانية كان «عوض» يحاول استغلالها بشتى الطرق؛ حيث كان موجودًا فى التظاهرات بشكلٍ يومي، كما وجه انتقادات عدة لنظام الرئيس السابق، ملقيًّا باللوم على الحكومة لما آلت إليه الأوضاع فى البلاد، مشيرًا إلى أن هذا يعد نتيجة منطقية، على حد وصفه.
وبعدها طالب «عوض» الرئيس بالتنحى عن حكم البلاد، قائلًا: «إذا كان البشير مازال يكنُّ لنا ولشعبه أى تقدير أو توقير أو خاطر؛ فليحزم أمره ويسلم القيادة لمجلس من حكماء.. يؤسس حكومة انتقالية ذات مهام محددة منها: تكوين مفوضية للانتخابات، وإقرار دستور انتقالي.
وأعلنت الجماعة رفضها لبيان «عوض بن عوف» عقب تنحى البشير، وقد تضمن البيان: «عزل البشير واعتقاله، وإعلان حالة الطوارئ»، واصفة البيان بـ«سياسات النظام الفاشلة».
وكان لمراقب إخوان السودان مواقف متطرفة، منها ما بدر منه خلال الإفطار السنوي، الذى نُظم فى مايو ٢٠١٨، إذ حرَّض «عوض الله» السودانيين على العنف بشكل واضح، قائلًا: «إن الدولة تحتاج لشباب يقدمون دماءهم إذا تطلب الأمر.. ذلك لعزة الإسلام والمسلمين»، مطالبًا بـ: «رفع راية الجهاد، ومؤكدًا أن: «الجهاد فى سبيل الدين هو أسمى المعاني، حسب وصفه».
ويُذكر أن «عوض الله» من مواليد مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالى السودان عام ١٩٧١، تخرج فى جامعة الخرطوم كلية الطب والجراحة عام ١٩٩٦، ونال ماجستير طب الأطفال من الجامعة ذاتها عام ٢٠٠١، كما نال زمالة طب كلى الأطفال من مدينة الملك فهد بالمملكة العربية السعودية عام ٢٠١٤.
ويُعتبر «عوض الله» إخوانيًّا من الطراز الأول، وسياسيًّا له جولات فى منابر العمل السياسى بجامعة الخرطوم، كما يُعد من الجيل الشاب الذى سعى للقيادة فى الجماعة، وله أنشطة عدة منها تأسيسه لمنظمة قباء الخيرية التى تستغلها الإخوان كستار لأعمالها المشبوهة.
وعلى الرغم من صغر سنه انتخب مراقبًا عامًّا للإخوان عام ٢٠١٦، بعد إعفاء «على جاويش» من قيادة الجماعة؛ بسبب حله لمؤسسات الجماعة، وتجاوز الشورى؛ ما يدل على مدى قرب «عوض» من القيادات الإخوانية.

عبدالفتاح البرهان.. عسكرى مخضرم اختاره ثوار السودان
يعد عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكرى الجديد فى السودان، جنديًّا مخضرمًا لا يُعرف عنه الكثير خارج الجيش، فمنذ توليه المنصب ويرغب الجميع معرفة المزيد عن الرجل ذى الخبرة العسكرية التى تزيد على ثلاثين عامًا.
ويُفضل «البرهان» العمل فى صمت، والبعد عن الأضواء لطبيعة شخصيته العسكرية، وكان لا يعرفه الكثير خارج أوساط الجيش السودانى قبل توليه المنصب الجديد.
ويرجح مراقبون اختيار البرهان لرئاسة المجلس العسكري؛ الذى أطاح بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لكونه بعيدًا عن النظام الحاكم السابق، على عكس سلفه عوض بن عوف، الذى تنازل عن رئاسة المجلس بعد أقل من ٢٤ ساعة، لاعتراض المتظاهرين على شخصه؛ لعلاقته القوية بعمر البشير.
ينحدر «البرهان» من عائلة سياسية وعسكرية، فوالدته من أسرة آل الشريف الحفيان، وجدته لوالده من أسرة آل الشيخ عبود، الذى كان منها الرئيس السودانى السابق إبراهيم عبود، وحكم الأخير السودان فى فترة الستينيات، وأطيح به فى أكتوبر ١٩٦٤.
وفى حوار مع شبكة «سى إن إن» الأمريكية، قال البرهان، إن «القوات المسلحة السودانية تعمل مع المواطنين ولصالحهم، ولن يُسمح باستخدام القوة ضد المتظاهرين الذين يطالبون بنقل السلطة إلى حكومة مدنية»، وفيما يتعلق بالرئيس السودانى السابق عمر البشير قال البرهان، إنه سيواجه المحاكمات حتمًا متى رُفعت عليه دعاوى قضائية.
وكان البرهان أول من انضم إلى المتظاهرين، وهو الذى أعطى تعليمات صريحة للقيادة العامة بفتح أبواب المقر للثوار، بعد واقعة إطلاق النار على المتظاهرين فى السابع من أبريل الجاري.
وُلد عبدالفتاح البرهان عبدالرحمن فى قرية قندتو بولاية نهر النيل الواقعة شمال السودان عام ١٩٦٠، ودرس بالكلية الحربية السودانية، وتخرج فيها بالدفعة الـ٣١، واستكمل دراسته لاحقًا فى مصر والأردن، وهو متزوج من «فاطمة» قريبته من جهة الأم، وهى إحدى سليلات عائلة الشيخ على الحفيان، ورُزِقَ منها بخمسة أبناء، ولدين وثلاث بنات، وهم على التوالي: منذر، ومحمد، ورؤى، ووئام، وأصغرهن ليم، وشغل عددًا من الوظائف العسكرية، فضلًا عن عمله لفترة كملحق السودان العسكرى فى الصين.
وعمل برهان بعد تخرجه برتبة الملازم فى قوات حرس الحدود، ثم تنقل فى عدد من الوحدات العسكرية، كما عمل طويلًا فى منطقة أعالى النيل بجنوب السودان، لكن معظم خدمته كانت فى القيادة الغربية للقوات البرية بمدينة زالنجى بدارفور، وشغل منصب رئيس الاستخبارات لحرس الحدود فى مدينة زالنجى أوائل التسعينيات، قبل أن يتم ترقيته ليصبح قائد قوات حرس الحدود.
وتدرج البرهان فى الرتب العسكرية حتى ترقى لرتبة الفريق، وتم تعيينه رئيسًا لأركان القوات البرية، قبل أن تتم ترقيته لفريق أول، وتعيينه مفتشًا عامًّا للجيش السوداني، وهى الوظيفة التى ظلَّ يشغلها حتى إعلانه رئيسًا للمجلس العسكرى فى البلاد.
الحرب الأهلية.. مخطط «قوى الشر» لاستعادة النفوذ فى السودان.. «السيطرة أو الحرق».. شعار ثنائى الإرهاب فى أفريقيا من جزيرة سواكن لـ ميناء بورسودان.. آمال الدوحة وأنقرة تتبدد فى الخرطوم
جاءت الثورة السودانية والتغيرات المتعاقبة فى المشهد، وإقصاء حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم وعمر البشير عن السلطة، لتمثل ضربة قاصمة للمحور القطرى التركى الذى ظل لسنوات طويلة يرسخ نفوذه من خلال علاقاته بالحزب الحاكم ورأس السلطة للهيمنة على السودان، والانطلاق من خلالها لتهديد دول الجوار والأمن القومى العربي.
الأموال القطرية التركية التى تم إنفاقها على مدار هذه السنوات، دفعت النظامين المتحالفين إلى محاولة تغيير الدفة إلى صالح مشروعهما، خاصة وأنهما يدركان جيدًا أن خسارة هذه المعركة تعنى الانزواء التام لهما فى المنطقة، وخاصة فى ظل سعيهما إلى أفريقيا من خلال دعم جماعات وميليشيات تدين لهما بالولاء لتنفيذ أجندتهما.

تحولات المشهد
على مدار السنوات الماضية أنفقت قطر وتركيا مليارات الدولات لتعزيز العلاقات مع السودان والسيطرة على القرار السودانى والتحكم فى المشهد، وهو الأمر لذى استجاب له النظام الحاكم بقيادة عمر البشير، وبدأت الدولتان من خلال هذه العلاقات تهديد الامن القومى لمصر تحديدًا، إلا أنه بعد سقوط النظام تغيرت المعادلة بشكل لافت، وفقدت الدولتان نفوذهما المصنوع على مدار سنوات وبأموال طائلة، وهو ما يدفع هذا التحالف إلى محاولة إرباك المشهد بشتى السبل.
بدأت هذه المحاولات بزيارة وفد قطرى برئاسة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثانى للسودان لمحاولة إنقاذ مايمكن إنقاذه، إلا أن الوفد تلقى صفعة لم تتوقعها الدوحة، وذلك بعد طرد الوفد فور وصوله للخرطوم وعودته مرة أخرى، ما يعنى أنه تدخلات قطر فى الشئون الداخلية للسودان مرفوضة، وأصبح هناك اتجاه إلى إنهاء هذا الدور وتفكيك هذا المحور.
التطورات لم تقف عند هذا الحد حيث أكد بيان للمجلس العسكرى السودانى الأخير رفضه القاطع التدخل فى شئونه الداخلية، وكذلك رفضه القاطع التدخل فى شئون الدول العربية ورفضه لممارسات الدوحة المثيرة للفتن فى المنطقة، إضافة إلى إقالة وكيل وزارة الخارجية السودانية بدر الدين عبدالله محمد أحمد المحسوب على تنظيم الإخوان، كما أكد المتحدث الرسمى باسم المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان الفريق ركن شمس الدين الكباشى إن إقالة وكيل وزارة الخارجية جاء بسبب إعداد بيان صحفى حول زيارة وفد قطرى إلى السودان دون علم المجلس.
وبحسب مراقبين، فإن هناك حالة وعى شعبية وسياسية تجاه المخطط التركى القطرى الذى يحاول إعادة انتاج نظام البشير، خاصة فى ظل المساعى والتحركات القطرية الأخيرة للملمة شتات الكيانات الموالية لها وتنظيم اجتماعات مكثفة لأحزاب سودانية ذات خلفيات إخوانية بغرض دمجها فى كيان واحد لمواجهة انتفاضة الشعب، وهو الأمر الذى دقع المجلس العسكرى السودانى إلى اتخاذ مواقف حاسمة ضد قطر.
هذه التغيرات تشير إلى تحولات حادة فى المشهد السودانى لم تقتصر على قطر ولكنها تأتى بالتزامن مع اتجاه إلى تقويض الدور التركى الذى كان يستعد للسيطرة على جزيرة سواكن السودانية، التى منحها نظام البشير لتركيا فى عام ٢٠١٧، حيث كانت أنقرة تنوى تحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية للضغط على مصر فى المقام الأول، وقد تكون الصفة الاكبر للدور التركي، حال صحة ما تردد بشأن اتجاه المجلس العسكرى الانتقالى إلى رفض إقامة قاعدة تركية، وإنهاء العمل بالاتفاقية الموقعة بين الجانبين.
السيطرة أو الحرق
العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، قال فى تصريح خاص لـ«البوابة»، إن تركيا وقطر تعملان على إفشال المجلس العسكرى الحاكم المؤقت فى السودان، فقطر تعمل لصالح أجندتها بنشر الفوضى، وتركيا تعمل على استثمار الفوضى لتوسيع النفوذ واستعادة الإمبراطورية العثمانية، على أنقاض الوطن العربي.
رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، أكد أيضًا أن قطر تعمل دائمًا كحصان طروادة لصالح تركيا، فتركيا وقطر رغم التباين الشديد فى الحجم والإمكانيات، إلا أن كلاهما طموحه أكبر من إمكانياته، وتلك إحدى خصائص المنحرفين، وكلاهما يعانى من الوحدة الناتجة عن سياساته فى أقليمه الجغرافى، ولا شك أن سقوط نظام عمر البشير، مثل خسارة كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين والدول الحاضنة لها.
وشدد «راغب» على أن السودان ليس مجرد دولة لكنه بوابة لدول شرق ووسط أفريقيا، كما أن وجود دولة مركزية معتدلة، يصب فى صالح معسكر الاعتدال العربي، ويمثل حائط صد أمام الأطماع التركية القطرية، والعكس صحيح، لذك فإن فشل المجلس العسكرى الحاكم المؤقت فى السودان فى رعاية وتنفيذ خارطة طريق لاستعادة الديمقراطية وإنشاء دولة وطنية مدنية حديثة، هو لصالح الدول الإقليمية المارقة وفى مقدمتها تركيا وقطر.
الخبير الاستراتيجى أوضح أيضًا أن الأحداث الأخيرة كشفت عن بعض مكاسبهم من البشير، من جزيرة سواكن لتركيا، وميناء بورسودان لقطر، وما خفى كان أعظم، لذلك فإن تركيا وقطر تسعيان إما لإعادة السيطرة على السودان أو حرقه، من خلال دعاوى الحكم من خلال مجلس مدنى يشكل فى ميادين الاعتصام مع الضغط المستمر على المجلس العسكرى الحاكم المؤقت، حتى يسقط بانقلاب عسكرى مضاد، موال لمعسكر الشر، وربما يحاول إعادة عمر البشير مرة أخرى أو إشعال الحرب الإرهابية على الطريقة الليبية أو الصومالية أو اليمنية.

سواكن.. حلم تركيا يتبخر على يد المجلس الانتقالى العسكرى.. «البشير» باع الجزيرة لـ«أردوغان» لتحقيق حلم التمدد العثمانى أفريقيًّا

كتب- أحمد عادل وآية عز
تنظر تركيا للقارة الأفريقية، على أنها تشكل أهمية استراتيجية كبيرة للغاية لأنقرة، ومن ثم سعى أردوغان لوضع موطئ قدم له فى الخرطوم، عبر اتفاقية جزيرة سواكن، التى تمت بينه وبين الرئيس السودانى السابق عمر البشير فى ديسمبر عام ٢٠١٧.
وتشكل جزيرة سواكن، أهمية تاريخية واستراتيجية لتركيا فى ظل تمدد الدولة العثمانية داخل القارة السمراء، إذ تعد مركزًا إقليميًّا على البحر الأحمر، ويضم ميناؤها مقر الحاكم العثمانى لمنطقة جنوب البحر الأحمر خلال عامى ١٨٢١- ١٨٨٥، كما أنها تضم منطقة أثرية تاريخية وكانت سابقًا ميناء السودان الرئيسي.
وتبعد جزيرة سواكن عن العاصمة السودانية الخرطوم ٥٦٠ كيلومترًا ومساحتها ٢٠ كيلومترًا مربعًا وترتفع عن سطح البحر ٦٦ مترًا، وتتمتع بأهمية استراتيجية فهى أقرب موانئ السودان لميناء جدة السعودي، حيث كان يستخدمها الحجاج الأفارقة قديمًا فى الوصول إلى مكة.
ويقطن جزيرة سواكن، ما يقرب من ٥٠ ألف نسمة، وذلك حسب إحصائية صادرة من دولة السودان فى الفترة بين عامى ١٩٠٩ – ١٩٢٢ هاجر معظم السكان إلى مدينة بورتسودان الواقعة على بعد ٤٠ ميلًا على الشمال منها، وقد أثرت عوامل الطبيعة فى معظم مبانى الجزيرة وتعرض معمارها للتلف، بسبب الاعتماد على الحجر الجيرى فى تشييده، ويسكن ما تبقى من سكان الجزيرة فى الوقت الحالى فى أكواخ.
وعلى خلفية اتفاقية جزيرة سواكن، تستثمر تركيا فى مطار الخرطوم الدولي، واستأجرت الحكومة التركية أراضى سودانية بلغت مساحتها ٧٨٠ ألفًا و٥٠٠ هكتار لمدة ٩٩ عامًا، كما منحت الخرطوم عقدًا قيمته ١٠٠ مليون دولار للتنقيب عن النفط لشركات تركية.
وخلال الأيام القليلة الماضية وبعد رحيل نظام البشير، أنهى المجلس العسكرى الانتقالى السوداني، العمل بالاتفاقية التى وقعها عمر البشير مع تركيا قبل عامين التى تقضى بتسليم إدارة جزيرة سواكن فى البحر الأحمر إلى أنقرة للاستثمار فيها وإنشاء قاعدة عسكرية.
وكانت قد نصت الاتفاقية التى وقعت خلال زيارة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السودان، فى ديسمبر ٢٠١٧، على تسليم الجزيرة الاستراتيجية لتركيا حتى تقوم بإعادة تأهيلها، وفق المعلن.
وأكد هذه الأنباء عدد من الصحف السودانية أبرزها صحيفة «السودان اليوم»، إذ قالت إن هناك مجموعة شخصيات سياسية مقربة من السلطة الحالية، تؤكد أن المجلس الانتقالى منح مهلة لأنقرة حتى نهاية مايو لإخلاء سواكن، وأنه سيتدخل عسكريًا فى حال عدم تنفيذ تركيا للأمر.
وعلى الجانب الآخر، ومن بين المشروعات التركية فى جزيرة سواكن هو تنفيذ وكالة التعاون والتنسيق التركية «تيكا»، مشروعًا لترميم الآثار العثمانية، وهو ما يعكس النظرة التركية للقارة الأفريقية، فالعقلية الأردوغانية تحاول بناء علاقاتها مع الدول الأفريقية عبر استحضار التاريخ وإرث الدولة العثمانية، ومن ثم الحضور فى القارة السمراء.
ولكن يبدو واضحًا للعيان، أن المجلس العسكرى السودانى لن يفرط بسهولة فى الجزيرة لتركيا، خاصة أن حكومات الدول العربية تُساند السودان من خطر التوغل التركى فى منطقة البحر الأحمر، إذ حذر وزير الخارجية المصرى سامح شكرى من دور أنقرة فى القارة الأفريقية، مشددًا على ضرورة مواجهة أى تدخلات خارجية، خاصة مع انكشاف دور البعض فى دعم التنظيمات الإرهابية.
ورغم تأكيد التقارير الإعلامية السودانية بعدم وجود أى نشاط لأنقرة على الجزيرة منذ توقيع الاتفاقية، تدعى وزارة الخارجية التركية، بأنه لا توجد إمكانية لإلغاء المجلس العسكرى الانتقالى فى السودان، للاتفاق الذى أبرمه الرئيس السابق عمر البشير معها، حول جزيرة سواكن.
وأكدت تقارير إعلامية سودانية، قبل بضعة أيام، أن الجيش السودانى منح مُهلة لتركيا لإخلاء جزيرة سواكن نهاية مايو المُقبل.
ونقل موقع «السودان اليوم» عن مصادر وصفها بالمُطلعة أن الجيش السودانى رفض أى محاولات أو ترتيبات من شأنها إقامة قاعدة عسكرية فى هذه المنطقة.
وقال الباحث السودانى عباس محمد صالح: إنه ليس هناك أى تأكيد رسمى حتى الآن بصدور قرار حول نشاط تركيا فى السودان، خاصة عملها فى جزيرة «سواكن» وما يتم تداوله مجرد شائعات.
وأكد عباس فى تصريح خاص لـ«البوابة»، أن المسألة بخصوص جزيرة «سواكن» لها وجهان: الظاهر أن تركيا تقوم بإعادة إعمار المواقع الأثرية والتاريخية التى تحولت إلى أطلال بسبب الإهمال، وكذلك ترميم هذه المواقع ليس أولوية للسودان، خاصة فى ظل الظروف الحالية.
وأضاف الباحث السوداني، أن الوجه الثانى طبقًا لتقارير مزعومة بأن الوجود التركى فى الجزيرة وعلى سواحل البحر الأحمر سيتطور إلى وجود عسكرى على غرار قاعدة أنقرة العسكرية فى الصومال.
الباحث المتخصص فى الشأن الأفريقي، محمد عز الدين، قال: إن مصير جزيرة سواكن التى أعطاها الرئيس المخلوع عمر البشير للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحكومته، محتوم؛ لأن المجلس الانتقالى السودانى الجديد لمن يترك الجزيرة للأتراك بسبب دعمها للإرهاب وجماعة الإخوان.
وأكد عز الدين فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن المجلس الانتقالى الجديد توجهه السياسى معاكس لاتجاه البشير الذى كان يتعامل ويتعاون مع الإخوان، لذلك المجلس العسكرى لن يترك الحليف القوى المتمثل فى الإمارات العربية والسعودية من أجل الحليف الضعيف وهما «تركيا وقطر».
وأشار الباحث المتخصص فى الشئون الأفريقية، إلى أن تركيا لديها مطامع فى منطقة القرن الأفريقى ويصعب عليها ترك سواكن؛ لكنها دولة غير مرغوب فيها سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا.
وتابع: «لذلك أتوقع أنه فى القريب العاجل أن تترك تركيا سواكن، لأن أردوغان لا يرغب فى تشويه صورته أكثر من ذلك».
ويرى مراقبون أن دعوات السودانيين لإنهاء العمل بهذه الاتفاقية يأتى انطلاقًا من حرصهم على علاقات الصداقة، وحسن الجوار بين بلدهم والدول العربية والأفريقية التى ترفض التدخل والتوغل التركى فى القارة، بل وتحذر منه أيضًا.