الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش" في مهمة "إحياء الخلافة" من آسيا والبداية سريلانكا.. التنظيم يستعد لإعلان "خليفة الشرق" بديل لـ"البغدادي".. و"العصابات المجاهدة" تؤسس مرحلة جديدة للتغلب على الهزائم الأخيرة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل كانت التفجيرات التى وقعت فى سريلانكا على مدى الأيام الماضية، وأسقطت المئات بين قتيل وجريح، ضربة البداية لإعلان وجود تنظيم داعش فى آسيا بشكل عام، وشرق وجنوب القارة على وجه الخصوص؟



وكانت خسائر التنظيم الفادحة فى منطقة تمركزه الأصلية، بالشرق الأوسط، وتحديدًا فى العراق وسوريا، دافعًا للاتجاه إلى منطقة ساخنة أخرى من العالم، ولعل الجهات الممولة، تستطيع أن تصنع للتنظيم بيئة تمكنه من استعادة كيانه المنفرط، وهو ما يؤكده المراقبون. ويرى المحللون أن آسيا، لا سيما فى الشرق والجنوب، من المناطق التى يمكن بالفعل أن تكون مرتعًا للتنظيم، فى ظل الخلافات العرقية، التى فجرت حروبا دامية استمرت سنوات طويلة، ما صنع عداوات باقية حتى الآن، ويمكن للتنظيم من خلالها أن يحصل على فرصة مواتية لاستجماع قوته. وبات القادة العسكريون فى دول جنوب وشرق آسيا، مثل الفلبين وماليزيا، وإندونيسيا، وأفغانستان، مضطرين للاعتراف بوجود التنظيم على أراضيهم وتمركزه بها، وهو ما ورد فعليًا على لسان وزير الدفاع الماليزى، رياميزارد رياتشودو، حين أكد أن خلايا إرهابية تنتمى إلى «داعش»، تخطط لتأسيس خلافة بالمنطقة. وأكد وزير دفاع ماليزيا، فى تصريحاته التى أدلى بها فى وقت سابق، أن التنظيم يسعى لإقامة فروع له فى دول جنوب وشرق آسيا، لجمع عناصره التى فرت من الهزائم فى سوريا والعراق. فما تفاصيل خريطة الوجود الداعشى فى شرق آسيا؟ وما سيناريوهات التنظيم لـ«إحياء الخلافة»؟ وإلى أى مدى يبقى داعش قادر على تحقيق هذه الأهداف؟

إحياء الخلافة
وأبدى الخبراء والمحللون اهتمامًا خاصًا بالهجمات الإرهابية الخطيرة التى وقعت فى سريلانكا، خاصة بعد أن أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنها، الأمر الذى يشير إلى أن التنظيم بدأ رحلة إيجاد أرض بديلة، يمكنه من خلالها تنفيذ سيناريوهات «إحياء الخلافة»، التى سقطت فى الشرق الأوسط.
ويرى المراقبون أن هجوم سريلانكا يمثل إشارة على أن التنظيم بدأ يعيد ترتيب أوراقه، وعمل على إطلاق صيحة الوجود، عبر الهجوم المدوى الذى خلف خسائر يتحدث عنها العالم حاليًا.
وترجح المعلومات الواردة الرأى القائل، بأن التنظيم ينفذ خطة محددة الخطوات لإعادة تأسيس مرحلة داعشية جديدة بواسطة ما أطلقوا عليه اسم: «العصابات المجاهدة»، التى تستهدف العمل بشكل يسمح لها بالتغلب على فترة الضعف وقلة العدد، التى يعيشها حاليًا.
وبحسب الخبراء، يمثل استخدام أسلوب «العصابات المجاهدة»، سعيًا لتوحيد جهود عناصر التنظيم، وجمعها على هدف واحد، بعد حالة التشرذم الناجمة عن هزائم الشرق الأوسط.
ويشير الخبراء أيضًا إلى أن التنظيم يستعد لإعلان بديل البغدادى تحتم اسم «خليفة الشرق»، فور تعزيز وجود عناصره وقوتهم فى شرق وجنوب آسيا، لا سيما بالفلبين، وماليزيا، وإندونيسيا، وأفغانستان، وبنجلاديش، وبورما، موضحين أن الغاية التى تستهدفها «العصابات المجاهدة»، إثارة حالة من الفوضى والخوف فى قلوب شعوب الدول المقصودة، باستخدام «التسليح الخفيف»، على مدار مدة زمنية طويلة، لإنهاك جيوشها وتسهيل مهمة تفتيتها.
وطبقًا للمعلومات الواردة عن التنظيم وتحركاته فى شرق وجنوب آسيا، فهو يعمل إطلاق حرب عصابات مع الجيوش النظامية المستهدفة، لاستنزافها وإضعافها، وتفتيت بنيتها التنظيمية، وتدمير معنويات جنودها، وتهديد طرق المواصلات والإمداد لهذه الجيوش، وإفقادها السيطرة الفعلية، على الصحارى والأرياف والمدن على الترتيب.
ويرى الخبراء أيضًا أن هجمات سريلانكا، تمثل تطبيقًا للفكر الجديد للتنظيم، حيث تعبر عن رغبة فى إعادة البناء لإحياء الخلافة، تمهيدًا لاستقدام العناصر الفارة من هزائم التنظيم فى الشرق الأوسط.
ويرون أن الأوضاع القائمة فى الشرق الأوسط، التى أدت إلى هلاك التنظيم، غير متوافرة فى شرق وجنوب آسيا، لوجود خلافات عرقية عميقة بين الطوائف المقيمة هناك، وهو ما ينذر باستفحال التنظيم، وعلو شأنه فى تلك المنطقة، خاصة أنه يجيد العمل فى الأجواء المشحونة بالقبلية والعصبية العرقية والدينية.
لماذا شرق آسيا؟
المراقبون الذين أكدوا أكثر من مرة أن هجمات سريلانكا الدامية، استهدفت الإعلان عن وجود التنظيم فى تلك المنطقة، وإحداث أكبر ضجة إعلامية فى هذا الخصوص، أوضحوا أيضا أن التنظيم يطلق صيحة لـ«لم شمل» أتباعه فى العالم، وتوجيههم إلى المنطقة التى أصبح للتنظيم نفوذ بها.
ويؤكد الدكتور رفيق الدياسطى، أستاذ الجغرافيا السياسية بمعهد البحوث والدراسات الآسيوية، أن تمدد التنظيم الإرهابى فى جنوب وشرق آسيا، يعود إلى عدة عوامل، منها كما أشير سابقا ضعف القبضة الأمنية، عن الانتشار فى بعض المناطق بها، فضلًا عن انتشار التشدد بين العرقيات المختلفة، وكذلك أهمية المنطقة من حيث حركة التجارة العالمية، فى ظل وجود النمور الآسيوية، وكذلك القرب من عملاقى الاقتصاد العالمى، الصين واليابان.

خريطة التمركز
ولا يمكن الاكتفاء بالحديث عن وجود تنظيم داعش فى شرق وجنوب آسيا، دون إيضاح تفصيلى لأماكن تمركز التنظيم فى تلك المنطقة، التى تضم عددًا كبيرًا من الدول، أهمها: الصين، اليابان، منغوليا، إندونيسيا، باكستان، أفغانستان، بنجلاديش، الفلبين، بوتان، نيبال، سريلانكا، الهند، المالديف، الكوريتان، تايوان، ماليزيا، بورما، سنغافورة، تايلاند.
الفلبين
وإذا كان هجوم سريلانكا، مجرد إعلان لوجود التنظيم الإرهابى فى تلك المنطقة المهمة من العالم، فإنه يتمركز بالفعل فى جنوب الفلبين، وتحديدًا بجزيرة «مينداناو».
ويمتلك داعش فى الفلبين عدة فروع، أخطرها جماعة «أبوسياف» التى تأسست عام ١٩٩١، وأعلنت انضمامها إلى «داعش» سنة ٢٠١٤، قبل أن يقتل قائدها فى أكتوبر ٢٠١٧، وهى حركة منشقة عن جبهة تحرير «مورو»، التى حاربت ضد الحكومة الفلبينية للحصول على حكم ذاتى فى هذه المنطقة، وتمثل القوام الرئيس للمتمردين فى جنوب الفلبين.


أما جماعة «ماوتي»، بقيادة عمر الخيام، فأعلنها فى ٢٠١٥، شمال جزيرة مينداناو الجنوبية، بالإضافة إلى حركة تحرير «بانجسا مورو»، التى تأسست عام ٢٠٠٨، وبايعت «داعش» فى ٢٠١٤، وهو العام الذى ظهرت فيه جماعة «أنصار الخلافة».

أفغانستان
وفى أفغانستان، تتمركز عناصر تابعة لداعش تسمى نفسها جماعة «ولاية خراسان»، وأعلن وجودها عام ٢٠١٥، وتضم أخطر عناصر التنظيم فى آسيا على الإطلاق، ويبلغ عددهم نحو ١٠ آلاف مقاتل، وهى جماعة متورطة فى تنفيذ ١٩٧ هجومًا إرهابيًا خلال عام ٢٠١٧ وحده، ما أودى بحياة ١٣٠٠ شخص.
وتشير التقديرات إلى أن تنظيم داعش يمتلك تحت راية «ولاية خراسان»، مجموعة كبيرة من العناصر ذات الاحترافية القتالية العالية، والخبرة العسكرية والتنظيمية العالية، كما يمتد نفوذهم لمساحة واسعة جدًا على الحدود بين باكستان، وأفغانستان.
وبحسب تقارير للصحافة العالمية، فإن وجود «داعش» فى جنوب وشرق آسيا يعتمد على عدة عوامل، منها البيئة الصحراوية التى تسمح للتنظيم بالعيش والاختباء، بالإضافة إلى ضعف الوجود الأمنى فى تلك المناطق، بالإضافة إلى الصراعات العرقية المشتعلة، التى تعزز من فرص إيواء عناصر التنظيم، والتعاون معهم بل ضم أتباع إلى التنظيم، من الغاضبين جراء عمليات الانتقام المتبادلة بين العرقيات المتناحرة فى تلك المنطقة.
ويرى الخبراء أن تنظيم «داعش» لا تزال لديه فرصة كبيرة للنجاة، وتجمعه فى جنوب الفلبين، جاء بسبب الدعم المادى، والتمويل الأجنبى الذى يتلقاه بالدرجة التى حولت التنظيم إلى المشكلة الأكبر التى تواجهها المنطقة فعليًا، بحسب ما أوردت التقارير الصحفية والمتابعات الدولية فى هذا الشأن، كما أن تطورات الأوضاع فى شرق آسيا، تشير إلى أن دول أفغانستان والفلبين وإندونيسيا وسريلانكا تحظى بالاهتمام الأكبر للتنظيم، من أجل إحياء فكرة الخلافة المزعومة فى هذه الدول، بعد فشلها فى الشرق الأوسط.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من ٧٠ ألف شخص، يأتمرون بأوامر قادة التنظيم فى الدول المستهدفة من قبل التنظيم.

آسيا الوسطى
يخطئ من يتصور أن الوجود الداعشى فى آسيا يقتصر على شرق وجنوب القارة، إذ إن المنطقة المعروفة بآسيا الوسطى، التى تضم دولًا، منها: كازاخستان، وتركمانستان، وطاجيسكتان، وأوزبكستان، وقرغيزستان، تحتوى على عدد غير قليل من عناصر التنظيم، لا يقل عددهم وفق التقديرات الدولية عن ٦ آلاف شخص.
ويتحدث الخبراء عن انضمام أعداد كبيرة من مواطنى دول آسيا الوسطى، إلى «داعش»، بحثا عن الفرار من البطالة التى يعيشونها فى بلدانهم، إلا أن هذا لا يعنى أنهم أقل شراسة أو خطورة عن غيرهم من عناصر التنظيم.
وتشير التقديرات أيضًا إلى أن نحو ١٦٠٠ فرد من دول آسيا الوسطى انضموا لداعش منذ عام ٢٠١٤.
بورما قصة أخرى
وتعد بورما أو ميانمار واحدة من أكثر الدول المرشحة لتمركز «داعش» ولسنوات طويلة، بل امتلاك نفوذ خطير جدًا فيها، نظرًا لحالة الغضب التى تعم المسلمين، جراء المذابح التى يتعرض لها مسلمو «الروهينجا» على أيدى الأغلبية البوذية التى تقطن هذه الدولة.
وما يتعرض له المسلمون فى بورما، خلق بيئة مواتية للجماعات الإرهابية من أجل التداعى والتجمع هناك، بغرض مناصرة المضطهدين، لكن الأمر لن يتوقف عند ذلك على حسب ما يرى الخبراء، الذى يؤكدون أن الأمور ستتطور سريعا، ليتحول الجميع إلى أعداء مستهدفين لهذه العناصر الإرهابية انطلاقًا من بورما.
وقبل نهاية العام الماضى، أصدرت القيادة العليا لتنظيم «القاعدة» بيانًا دعت فى ما وصفتهم بالمجاهدين فى بنجلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين، للتوجه إلى بورما ومساعدة المسلمين هناك، وهى البداية ذاتها التى جرت فى سوريا والعراق، والتى تبعها ظهور تنظيم «داعش» بشكل قوى.
وتمثل بورما أهمية خاصة لـ«داعش» ليس فقط بسبب قضية «الروهينجا» فقط، وإنما لقربها من الصين، واكتظاظ سواحلها بالسفن العسكرية والتجارية التى تجوب المحيطات، من وإلى الصين، وغيرها من نمور آسيا الشهيرة.
آسيا أرض خصبة للإرهاب
ويرى الدكتور فتحى العفيفى، أستاذ الدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق، أن دول آسيا بشكل عام، تعتبر أرضًا خصبة لانتشار «داعش»، بدليل وقوع هجمات إرهابية خطيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومنها: استهداف موكب للصليب الأحمر فى تركمانستان عام ٢٠١٦، بالإضافة إلى هجمات فى جاكرتا، وكوالالمبور، وجزيرة جاوة، وباكستان، ما أسفر عن سقوط مئات الجرحى والقتلى.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تدفقا لأعداد هائلة من مقاتلى داعش الفارين من سوريا والعراق، إلى الفلبين، وإندونيسيا، وأفغانستان، وسريلانكا، وبورما، من خلال عمليات تهريب ممنهجة بالاتفاق مع سائقى الناقلات والشاحنات التى تتبادل الحركة التجارية بين دول آسيا، ودول بالشرق الأوسط، بالإضافة إلى إيران.
وشدد العفيفى على أن اختفاء عناصر داعش من الشرق الأوسط، لا يعود إلى إقرارهم بالهزيمة التى تلقوها، وإنما يعود إلى اتجاههم إلى مناطق جديدة للصراع، فى ظل استمرار تمويلهم الذى تتولاه دول كاملة.
علاقة داعش بالإخوان ومسئولية قطر
لم يكن تسجيل «داعش» المصور، الذى أذاعه التنظيم لإعلان مسئوليته عن تفجيرات سريلانكا، سوى مستند جديد بوثق علاقة تنظيم «داعش» بجماعة الإخوان، حيث ظهر فى الفيديو مجموعة من الملثمين، وشخص واحد فقط سافر الوجه، وهو الداعية السريلانكى الشهير زاهر هاشم.
أما المثير فى هذا الظهور الغريب لـ«هاشم»، فهو أنه ممن سبق لهم لقاء منظر الإخوان، وشيخهم الأكبر حاليا يوسف القرضاوى، الأمر الذى يؤكد بوضوح العلاقة التى تربط بين داعش والإخوان.
ويقول الدكتور ناجى هدهود، أستاذ تاريخ الشرق الأقصى بمعهد البحوث والدراسات الآسيوية، إن فيديو «داعش» يمثل دليلًا جديدًا على الارتباط العضوى بين الجماعات الإرهابية، بمختلف ميولها، والجماعة الأم، وهى الإخوان، مشيرًا إلى أن إيواء قطر لعناصر الإخوان، بعد هذا الفيديو يعد جريمة يجب أن ينتبه إليها العالم.
وأوضح أن التمويل القطرى للإرهاب فى الشرق الأوسط، يتكرر الآن فى منطقة جديدة من العالم، وهو ما يشير إلى أن تنظيم الحمدين، يمثل خطرًا على أمن العالم، فى ظل إصرار هذا النظام على إيجاد مواطن نفوذ له، عن طريق شراء ولاء الجماعات المتطرفة، والإرهابية، سواء كانت الإخوان أو غيرها.
وحذر «هدهود» من أن التغاضى عن انتشار داعش فى آسيا، يمكن أن يشعل حربًا عالمية، فى ظل سخونة الأوضاع بدول جنوب وشرق آسيا، كما أنه يهدد أيضًا باشتعال حروب أهلية داخل عدد من هذه الدول، التى تضم عرقيات متناحرة منذ عشرات السنين، وتملك عداءات عميقة فيما بينها.