الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مدينة أسيوط ومسرح الجنوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدعوة كريمة من الكاتب الصحفى هيثم الهوارى، توجهت إلى مدينة أسيوط لحضور فعاليات مهرجان مسرح الجنوب كعضو لجنة تحكيم فى مسابقة النصوص المسرحية، وللحق فإنها المرة الأولى التى تطأ فيها قدماى أرض محافظة أسيوط، وكنت أظنها مدينة صغيرة تفتقر للتحضر ولكل مظاهر المدنية الحديثة، فإذ بى أمام مدينة متحضرة بمعنى الكلمة حتى يخال إليك فى بعض الأحيان أنك تسير فى شوارع وسط البلد بالقاهرة، فهى تضم عددًا كبيرًا من المتاجر والتوكيلات الشهيرة لملابس ومطاعم وسيارات، وبها عمارات فارهة ومصانع وشركات كبرى، أضف إلى ذلك أن أهلها يتميزون بالاحترام الجم، فالبنات يخرجن إلى كورنيش النيل والمتنزهات وبعضهن بلا حجاب على رءوسهن، ومع ذلك لا تجد شابًا متحرشًا سواء بالقول أو بالفعل، وفيها يعيش المسلم إلى جوار أخيه المسيحى فى سلام وأمان، وقد رأيت قدرًا كبيرًا من الاحترام المتبادل بين أصحاب الديانتين، فالكل ينتمى إلى مصر، والكنائس والأديرة تنتشر فى أرجاء المدينة العامرة وإلى جوارها المآذن، وبينما أجراس الكنائس تقرع يعلو صوت الأذان، فى تناغم سيمفونى جميل، ناهيك عن الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة التى تزخر بها أسيوط.
وحين رأيت كل هذا عادت بى الذاكرة إلى أكتوبر 1981، حين امتدت يد الإرهاب الأسود فاغتالت الرئيس الراحل أنور السادات أثناء حضوره العرض العسكرى الذى كان يقيمه كل عام بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر 73، حيث خطط خالد الإسلامبولى وعبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل وحسين عباس لاغتياله، وبالمناسبة فإن حسين عباس هو من أطلق أول رصاصة استقرت فى عنق الرئيس الراحل وليس الإسلامبولى كما هو شائع، وكان من وراء هؤلاء عبدالسلام فرج صاحب كتاب الفريضة الغائبة مخططًا ومعدًا لتنفيذ عملية الاغتيال، التى أودت بحياة الرئيس السادات إلى جانب سبعة آخرين، وفى اليوم التالى انتهزت الجماعة الإسلامية فى أسيوط فرصة انشغال الدولة بكامل أجهزتها فيما حدث وقررت الهجوم على مديرية أمن أسيوط واحتلالها تمهيدًا للسيطرة على المحافظة بأكملها وإعلانها إمارة إسلامية مستقلة، وكان المخطط لذلك هو كرم زهدى، أما المنفذون فكان من بينهم عاصم عبدالماجد وناجح إبراهيم وعصام دربالة، وبعد معركة شرسة لمدة تزيد على الثلاث ساعات تمكن هؤلاء من احتلال مديرية الأمن بعدما قتلوا عددًا من رجال الشرطة، ومن المدنيين الذين تصادف وجودهم فى محيط الأحداث، وقد استطاع هؤلاء فرض سيطرة شبه كاملة على المدينة التى بات سكانها فى حالة من الذعر التام، فصمتت كل الأصوات ولم يسمع فى المدينة مساء ذلك اليوم إلا صوت نعيق الغربان، وكان المنظر مرعبًا، فرائحة الموت فى كل مكان والجثث ملقاة فى الشوارع، والمدينة خاوية إلا من هؤلاء الذين راحوا يطلقون رصاص الغدر ابتهاجًا بانتصارهم المزعوم، ولكن الدولة المصرية أبت أن يبيتوا ليلتهم دون رد حاسم، وبينما كان الرئيس السادات لم يُدفن بعد، اجتمع مجلس الوزراء برئاسة النائب حسنى مبارك، وتم تكليف القوات المسلحة وعلى رأسها المشير أبوغزالة وزير الدفاع آنذاك واللواء نبوى إسماعيل وزير الداخلية وقتها بالتعامل مع الحادث بكل قوة وحزم، وبالفعل وخلال أقل من نصف ساعة وبمجرد أن رأى هؤلاء الأوغاد الطائرات تحوم فوق رءوسهم والمدرعات تحاصر المكان وآلاف الجنود يزومون بأصوات ترهب القلوب، أعلنوا جميعًا استسلامهم على الفور لتنتهى أكبر أزمة فى تاريخ مدينة أسيوط، وتتم محاكمة هؤلاء الذين أعلنوا فيما بعد ندمهم على ما فعلوا عدا عاصم عبدالماجد الذى يفخر حتى الآن بأنه قتل الضباط والجنود.
أما الحادثة الثانية التى تذكرتها أثناء تواجدى فى أسيوط فترجع إلى عام 1988، حين أرادت فرقة مسرحية من الهواة عرض مسرحيتهم فإذا بمجموعة من أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة تتصدى لهم بالجنازير والمطاوى، وتعترض طريقهم لتمنعهم بالقوة من عرض المسرحية بل وتستطيع قتل اثنين وإصابة بعض أعضاء الفريق المسرحى، وهنا قرر الفنان عادل إمام التوجه إلى أسيوط فى تحدٍ للإرهاب الذى كان منتشرًا وقتها ليعرض مسرحيته «الواد سيد الشغال» لمدة يومين ويخصص دخلها للحركة المسرحية والفنية فى أسيوط، ولا شك أن هذه الرحلة كانت شوكة فى حلق الإرهاب وبداية للانطلاق الفنى فى أسيوط، والتى اكتشفت خلال تواجدى بها أنها تحوى بداخلها كوادر فنية وطاقات إبداعية تحتاج للنظرة الإعلامية، وللدعم من وزارة الثقافة بالتدريب والمشاركة فى ورش عمل مع فنانين مخضرمين لنقل خبراتهم إليهم.
وأعتقد أن المبادرة التى قامت بها الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة النشطة بإنشاء فرع للأكاديمية بأسيوط هى مبادرة طيبة وتستحق الثناء، لأنها ستجعل المدينة مركزًا إشعاعيًا للثقافة فى الصعيد، والفن ياسادة هو حائط الصد ضد كل تعصب وكل إرهاب، فإذا أردنا قلع الإرهاب من جذوره فعلينا بنشر الثقافة والفن فى مختلف الأقاليم، ولذا فمن الضرورى أن توفر الدولة مبالغ إضافية لميزانية وزارة الثقافة لنشر الوعى الفنى والثقافى فى مختلف الأقاليم، وقد وجدت فى أسيوط مسرحًا مناسبًا لاستقبال العروض المسرحية والأوبرالية، فلماذا لا ينقل البيت الفنى للمسرح بعض العروض إلى هناك؟