الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مائة عام على ثورة شعب (6)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اكتشفت إدارة الاحتلال الإنجليزى أن سياسة قمع الثورة المصرية بالبطش والقوة لن تفضى إلى إخمادها بل على العكس فإنها تؤجج نيرانها وتشعل لهيب الغضب فى نفوس المصريين ضد قوات الاحتلال، وتوحد بين طوائف المجتمع فى وقت تمنت فيه إنجلترا بل عملت على خلق فتنة مجتمعية لشغل الناس بها وإيقاف عجلة الثورة، وبناء على هذا فقد أرسل الجنرال «اللنبى» المندوب السامى البريطانى الجديد برقية عاجلة فى 31 مارس 1919 إلى حكومته فى لندن يطلب فيها اتخاذ حزمة من القرارات التى من شأنها وقف المظاهرات وأعمال العنف فى مصر وإخماد الثورة، وقال فى متن برقيته «على أن المصريين لن يرضوا بأقل من عودة سعد وصحبه من المنفى» وبعد دراسة الأمر وترتيب أوراق مؤتمر الصلح بعقد اتفاقيات سرية بين الدول الكبرى لحماية مصالحها، وافقت الحكومة الإنجليزية على اقتراح «اللنبى» فقررت فى السابع من أبريل 1919 الإفراج عن سعد زغلول وصحبه، ووافقت كذلك على سفر من يشاء من المصريين لحضور مؤتمر الصلح، وطافت مكبرات الصوت شوارع القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى تعلن هذا الخبر وتزفه على مسامع المصريين، وتم طبعه فى منشور لصق على الجدران، ووزع على المتظاهرين والمعتصمين وعلى العمد وشيوخ القرى فتبدلت الأمور وانقلبت الأحوال، وتحولت مظاهرات الاحتجاج والغضب إلى مظاهرات إبتهاج وفرحة، حيث أعتبر الشعب المصرى هذا القرار بمثابة الانتصار لإرادته، وخرجت المواكب فى الشوارع رافعة الأعلام، وتزين الترام بأغصان الأشجار وعلقت المحال التجارية لافتات التهنئة بعودة سعد وتغنى الناس بألحان سيد درويش «قم يا مصرى.. مصر دايما بتناديك» وفى اليوم التالى قام السلطان فؤاد، وكان لم يزل سلطانًا قبل أن يتغير لقبه عقب دستور 23 ليكون ملكًا- قام باستدعاء حسين رشدى باشا والذى كان قد تقدم باستقالته تضامنًا مع سعد زغلول وأبلغه بأن سبب الاستقالة قد زال وعليه أن يشكل الوزارة من جديد، فقبل حسين رشدى ذلك وألف وزارة ضمت يوسف وهبة باشا وزيرًا للمالية، وعدلى يكن وزيرًا للداخلية وعبدالخالق ثروت وزيرًا للحقانية (العدل)، وقد آثرنا أن نذكر أسماء هؤلاء تحديدًا لأن بعض شبابنا يسيرون كل يوم فى شوارع القاهرة التى تحمل تلك الأسماء لكنهم لا يعرفون عنهم شيئًا، ولايعرفون فى أى العصور كانوا يعيشون، المهم أن بريطانيا وافقت على سفر الوفد المصرى إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 11 ابريل 1919 وتم الاتفاق أن تبحر الباخرة التى تقل أعضاء الوفد إلى مالطة أولا كى يستقلها سعد وزملائه الثلاثة ثم يبحرون جميعًا إلى باريس وهذا ما حدث، ولكن خلال ذلك وقعت بعض الاضطرابات فى مصر، حيث تم منع المواطنين من الجلوس على المقاهى إعمالًا لقانون الطوارئ فلما اعترض الناس قام الإنجليز بإطلاق النار بشكل عشوائى أدى إلى قتل العشرات وإصابة المئات، فعادت نار الثورة مرة أخرى للاشتعال مطالبة الإنجليز بالرحيل، أما مؤتمر الصلح فقد جاء بخيبة أمل كبيرة للمصريين، حيث أقر الحماية البريطانية على مصر، وأكد أن المصريين لم يبلغوا الرشد بعد حتى تتركهم بريطانيا لأنفسهم، فلا دستور لديهم ولا مجلس للنواب ولا حياة ديمقراطية حديثة يعرفونها، وإذا تركتهم إنجلترا فإن الفوضى ستقضى على الأخضر واليابس، وطالب ممثلو الدول الكبرى الوفد المصرى بأن يعود إلى مصر وأن يعمل على إقامة حياة ديمقراطية حديثة، ولما اطمانت إنجلترا لنتيجة المؤتمر قررت تكوين محاكم عسكرية فى مصر والقبض على كل من اشترك فى الثورة لمحاكمته، وفى أول قضية نظرها هذا القضاء حكم على واحد وخمسين شخصًا بالإعدام وعدلت العقوبة على ستة عشرة منهم إلى الأشغال الشاقة، ونفذ الحكم على أربعة وثلاثين مواطنًا مصريًا، واستمرت هذه المحكمة الانجليزية فى نظر القضايا فعادت الثورة من جديد وساد الإضراب والاعتصام مختلف الأقاليم، وعجزت بريطانيا عن مواجهة غضب الشعب المصرى مرة أخرى، فقررت بريطانيا إرسال وزير المستعمرات ملنر على رأس لجنة لدراسة الأوضاع التى آلت إليها البلاد، فاستقبل الشعب هذه اللجنة بمزيد من الاحتجاج وسادت الفوضى واقتحم الجنود الإنجليز الأزهر الشريف فزاد سخط الناس وغضبهم وظلت أعمال العنف والقتل والاضطرابات مستمرة حتى ديسمبر1919، وهنا أدرك الإنجليز أن الشعب المصرى لن يهزم أبدًا فلوحوا براية الاستقلال فى بيان للورد ملنر وبإلغاء الحماية لتدخل مصر مرحلة جديدة ابتداء من عام 1920، وتضطر بريطانيا إلى تصريح 28 فبراير الذى ألغى الحماية على مصر، وانشغل الناس بتكوين لجنة لوضع دستور للبلاد وتحويل مصر إلى مملكة دستورية، وهذا ما حدث فى عام 23، لتنتهى بذلك أحداث ثورة 19 والتى أتت بثمار كثيرة على المصريين، لكنها لم تحقق الغاية العظمى لهم وهى الاستقلال.