الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

بعد ظهور البابا مقبلا أرجل زعماء جنوب السودان.. الفاتيكان: صورة قوية يمكن فهمها في جو المغفرة المتبادلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البابا فرنسيس يوجه دعوة لقادة الجنوب: ابقوا أيديكم متحدة.. والسلام ممكن
فى 1975 م بولس السادس قام بنفس التصرف فى ذكرى إلغاء الحرمان بين كنيستى روما والقسطنطينية
فى فيديو قصير مدته دقيقتان، أثار البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الإعجاب والاحترام لدى الملايين حول العالم، الفيديو أظهر تصرفا ليس بجديد على بابا الفاتيكان الذى دائمًا ما يغرد خارج السرب، ويبذل قصارى جهده من أجل أن يحل السلام بدول العالم، وبخاصة فى تلك الدول التى تعانى حروبًا أهلية وانقسامات داخلية.
ففى صباح الخميس الماضي، فاجأنا البابا فرنسيس بلفتة جديدة تضاف لسجله الإنساني، وقد ظهر فيه بابا الفاتيكان وهو يقبل أقدام كلا من رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، ونواب الرئيس من بينهم رياك مشار، زعيم المتمردين، وريبيكا نياندينق دى مابيور، وأعضاء من الوفد المصاحب، على هامش زيارتهم الخاصة بالفاتيكان الأسبوع الماضي، لحضور خلوة روحية غير مسبوقة بالفاتيكان. 
وقد اندلعت أحداث عنف بجنوب السودان بين الرئيس سلفاكير ميراديت، مدعوم بقبائل «الدنكا»، ونائبه رياك مشار، تتبعه قبيلة «النوير» فى 2013، انتهت باتفاق تهدئة فى 2015، إلا أن مواجهات متفرقة بين الطرفين من حين لآخر حالت دون استقرار الدولة الجديدة. وتسببت مواجهات مسلحة بين أنصار الطرفين فى إعلان سلفاكير إقالة نائبه «مشار»، وغادر الثانى على إثر ذلك العاصمة جوبا لقيادة فصائل للمعارضة فى سعيها للإطاحة بالحكومة، واحتدم الصراع بظهور جماعات تمرد جديدة بخلاف القبائل المؤيدة للجانبين، وتسبب القتال فى نزوح أكثر من مليون شخص إلى دول الجوار، فى أزمة وصفت بأنها الأكبر للاجئين فى أفريقيا. 
من جانبها، أوضحت الكنيسة الكاثوليكية، أن ما قام به البابا فرنسيس علامة يطلب بها فرنسيس السلام من أجل جمهورية جنوب السودان، فهو بهذا التصرف يلغى كافة أنواع البروتوكول كونه تعبيرا عن رغبة السلام، الذى يعد أهم من أى اعتبارات أخرى. 
وجاءت ردود الأفعال المؤيدة لتصرف بابا الفاتيكان باعتبارها لفتة مؤثرة وهامة، كسر بها البابا فرنسيس، البروتوكول، عندما ركع مقبلًا أقدام زعماء جنوب السودان المتحاربين، حاثًا إياهم على عدم العودة إلى الحرب الأهلية والدعوة للسلام. 
ابقوا أيديكم متحدة 
وقال البابا فرنسيس فى لقائه: «إلى الثلاثة منكم الذين وقعوا اتفاقية السلام، أطلب منكم، كأخ، الاستمرار فى السلام، إننى أسأل هذا من القلب، دعونا نمضى قدمًا، ستكون هنالك العديد من المشاكل، لكن لا تخافوا، تقدموا لحل المشكلات». 
وأضاف: «لقد بدأتم مسيرة، قد تنتهى على نحو جيد. وعلى الرغم من الصراعات التى ستنشأ، إلا أنها يجب أن تبقى داخل المكتب. لكن فى العلن، وأمام الناس، ابقوا أيديكم متحدّة، وبهذه الطريقة، من مواطنين بسطاء ستصبحون آباء أمّة». 
وأكد البابا لضيوفه: «لن أتعب أبدًا من التكرار بأن السلام ممكن، فالسلام هو هبة عظيمة من الله، لكنه أيضًا واجب أسمى من جانب أولئك المسئولين عن الناس». 
وتابع: إن جميعنا مدعوون لأن نكون صانعى سلام، لبناء السلام من خلال الحوار والتفاوض والمصالحة»، مشددًا على أن الناس مرهقون بالصراعات، وبأنه «مع الحرب يضيع كل شيء». 
لفتة البابا
من جانبه كتب أندريا تورنيلي، مدير تحرير دائرة الاتصالات الفاتيكانية، مؤيدًا عن تصرف البابا، قائلًا: إن لفتة البابا فرنسيس المفاجئة والمؤثرة، فى ختام الخلوة الروحية التى استمرت لمدة يومين من أجل السلام فى جنوب السودان، والتى استضافها البابا فى مقر إقامته، تحمل طعمًا إنجيليًا. لقد حدثت قبل أسبوع واحد من ذات الإيماءة التى ستتكرر فى مختلف كنائس العالم، عشية العشاء الأخير، حيث قام يسوع، قبيل آلامه، وغسل أقدام التلاميذ، مظهرًا لهم طريق الخدمة. 
ففى بيت القديسة مرتا، وبعد أن طلب، «كأخ»، من قادة جنوب السودان أن «يستمروا فى السلام»، أراد البابا فرنسيس، أن ينحنى أمامهم، وبألم واضح، من أجل تقبيل أقدامهم. فهمّ قداسته بالركوع أمام رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير ميارديت، ونواب الرئيس، من بينهم رياك مشار وريبيكا نياندينق دى مابيور. 
إنها صورة قويّة لا يمكن فهمها إلا فى جو المغفرة المتبادلة التى تميزّت بها الخلوة الروحية على مدار يومين. لم تكن الخلوة قمة سياسية أو دبلوماسية، بل كانت خبرة للصلاة وللتأمل المشترك بين القادة، الذين بالرغم من توقيعهم لاتفاق سلام، إلا أنهم يكافحون لضمان احترامه. 
بالنسبة للمؤمنين، يتم طلب السلام بحضور الله. ويتم استدعاؤه من خلال الصلاة فى خضم التضحيات التى قدّمها العديد من الضحايا الأبرياء بسبب الكراهية والحرب. يجب أن يكون أمر ما قد حدث خلال تلك الساعات فى بيت القديسة مرتا، أولًا وقبل كل شيء، بين قادة جنوب السودان الذين قبلوا دعوة أسقف روما، والذى يحمل لقب «خادم خدّام الله». وراكعًا يعتريه الجهد لتقبيل أقدامهم، انحنى البابا فرنسيس خلال اجتماع الصلاة هذا. 
حدث قبل 44 عاما 
بحسب مدير تحرير دائرة الاتصالات الفاتيكانية، فإن إيماءات مماثلة لتصرف البابا فرنسيس، والتى ليست بجديدة فى تاريخ البابوية الحديث، ففى 14 ديسمبر 1975، احتفل البابا بولس السادس، فى كنيسة سيستين، بمناسبة مرور عشر سنوات على إلغاء الحرمان المتبادل بين كنيستى روما والقسطنطينية. وفى ختام القداس، نزل من عند المذبح، وهو ما يزال مرتديًا حلّة القداس، وركع أمام أقدام متروبوليت خلقدونية ميليتون، ممثل البطريرك ديميتريوس. لقد كانت لفتة تذكّر، ليس فقط بغسل يسوع لأقدام تلاميذه، ولكن أيضًا بأحداث مجمع فلورنسا، عندما رفض البطاركة الأرثوذكس تقبيل أقدام البابا يوجين الرابع.
فى العلاقات ما بين الأخوة والأخوات المسيحيين، كما هو الحال لأولئك الذين يسمحون بلمس قلوبهم، كما والذين يقبلون إيماءات المصالحة والسلام، لم يخف البابوات، خدم خدّام الله، من التجرّد بذواتهم، والسير على نهج سيدهم.