الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خمسة عشر عامًا من البراءة المفخخة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أهدرنا وقتًا طويلًا، وطاقة هائلة، ونقاشات مجهدة، وتحليلات عن الإرهاب. ظروفه ودوافعه وتوقعات الأماكن التى يمكن أن يحدث فيها والفئات التى قد يستهدفها بنسبة عالية من الأبرياء من أبناء مصر كل فى مكانه بدءًا من السائرين فى الشوارع ساعين على لقمة عيشهم حتى المرابطين على الحدود من الجيش أو الذاهبين إلى لقاء الرب فى الكنائس والجوامع. مرت علينا أوقات عصيبة، كدنا نفقد فيها الشعور بالأمان لكننا كنا أقوى من الحدث نفسه مهما كانت بشاعته. كنا نستعيد توازننا النفسى بسرعة رغم الحزن والجنازات والدموع والزغاريد التى قد تودع من حلقوا بعيدًا لأننا نؤمن بقوة جيشنا وعزيمة جنودنا الذين يضربون أمثلة للفداء والتحدى ونؤمن أيضًا بالرباط القوى الذى يشد أزر مصر، ويوحد بين أبنائها من المسلمين والمسيحيين. اعتدنا أن نرى الإرهابيين من الرجال الناضجين والشباب اليافعين لكننا لم نعتد الأطفال منهم الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الثمانية عشر عامًا. صحيح أننى شاهدت بعض الفيديوهات لأطفال يتعلمون ذبح الدمى استعدادًا للتطبيق على الضحايا من البشر، شاهدتهم وهم يتدربون على يد الكبار من الدواعش، وقرأت أيضًا بعض المقالات التى تذكر ذلك لكننى كنت أحسب أن هذا يحدث هناك فى المناطق التى يسيطرون عليها وأن الأمر بعيد كل البعد عن حدودنا، ولن يتسلل إلينا أو يحدث على أرضنا مطلقا حتى فاجأنا تفجير الشيخ زويد. أعترف أننى كنت أفكر بشكل ساذج، وأن نظرتى كانت قاصرة رغم علمى أن الإرهاب لا قلب له ولا قوانين تحكمه سوى قوانين الدم. أعرف أن الفهم الخاطىء للنصوص الدينية وتطبيقها فى غير محلها التربة هو تربته الخصبة، وأن التشدد والتعصب هو ما يرويها لتنبت كل هذه الخراب والعويل واليتم والترمل وانتهاك الإنسانية. لكننى لم أتصور أن يغتال الطفولة ويحولها إلى وحش كاسر قمىء وأعمى لدرجة أن يفجر طفل نفسه بالقرب من القوة الأمنية فى السوق فيتسبب فى استشهاد ضابطين وفردى شرطة وثلاثة مواطنين أحدهم طفل أيضا وإصابة ستة وعشرين مواطنًا يتم نقلهم إلى المستشفى. ولذا أؤكد على أن نتآزر جميعًا أفرادًا ومؤسسات على حماية أطفالنا من التفكير المتطرف الذى قد يتسلل إليهم دون أن ندرى أو ننتبه بعد أن أصبحنا نعيش فى قرية كونية يتواصل أفرادها مع بعضهم مهما كانت المسافات بينهم فقط بضغطة على زر. لعلنى لا أكون منصفة إذا قللت من خوف الأمهات على أبنائهن لكنى أطالبهن بمزيد من مراقبة اللعبات الإلكترونية التى يتحاور فيها اللاعبون مع بعضهم، إذ يجب أن نعرف من هناك على الطرف الآخر من العالم وموجود فى بيتى فى نفس الوقت. ولعلنى لا أقلل من جهد وزارة الثقافة فى المواجهة أيضا لكننى أشدد على زيادة جهدها التوعوى المناهض للأفكار المتطرفة فيما تقدمه من فنون تسهم فى رقى الذوق العام وخاصة ما يقدم للأطفال من أعمال مسرحية وسينما أطفال ومعارض للموهوبين منهم فى السن الصغيرة، وخاصة الأعمال التى تدعم المواطنة والانفتاح على الآخر وقبول الاختلاف والاعتزاز بهويتنا. وقبل ذلك وبعده أشدد على التطبيق لأن هناك الكثير من الخطط التى يتم تنفيذها ولا نجد حضورًا كبيرًا من الجماهير المستهدفة ربما لبعد المسافة أو لأمور مالية أخرى تتعلق بميزانية العائلات، لكننا فى مرحلة حرجة وحرب خفية تستحق منا أن نضحى قليلا. ونذهب نحن إليهم فى الأطراف خارج المدن وخاصة فى عطلة الصيف بلياليه الطويلة. ينطبق على وزارة التعليم من حيث الجهد الموجه فى موضوعات التعبير وقطع الإملاء والأغانى الوطنية وموضوعات التربية الفنية. أثمن رعايتها للموهوبين من التلاميذ لكننى أتمنى عودة المسرح المدرسى عودته وبشدة فاللقاءات الحية لها تأثير السحر على الأطفال. ماذا لو نفذنا فكرة بسيطة هى إنشاء مسرح صغير بمدرسة واحدة فى كل قرية أو مدينة صغيرة نقدم عليه بعض العروض التى لا تحتاج إلى ديكورات معقدة ووحدات إضاءة باهظة الثمن، ماذا وماذا لو وفرنا ذلك أيضا وأنشأنا إلى جواره ناديًا للسينما فى نوادى الشباب بالقرى وخاصة التى يقتصر نشاطها على الرياضة فقط. قد يظن البعض أن ما أكتبه محض أحلام لا تمت إلى الواقع بصلة، وقد يبتسم البعض ساخرا منها ولكن طفلا مفخخا فى الخامسة عشر من براءته بما فعله هو الكابوس بعينه الكابوس الذى يوقظنا من نومنا المريح لنتأمل تفاصيله ونتعلم منها دروسا تجعلنا نتفادى تكرارها أو حدوثها من الأساس. ولذا أقدم تلك الأفكار، البسيطة والعقلانية والنافذة وأتمنى أن نتعامل معها بجدية لأن الرهان الحقيقى فى كل المعارك هو الإنسان وتشكيل الإنسان يبدأ لا شك من الطفولة.