الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الثورات الشعبية في زمن السياسة الافتراضية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فذلكة
«غالبًا ما تنفلت الظواهر الخارقة للكلمات العادية» كما يقول» إدجار موران.
ظهرت حركة السترات الصفراء فى فرنسا فى أكتوبر ٢٠١٨، وانتشرت عدواها بسرعة فى فرنسا أولا ثم فى دول كثيرة أخرى. لا شك أن انتشار التواصل عبر الشبكات الاجتماعية وما صاحبها من الدعوات للاحتجاج قد لعب دورا كبيرا فى تغذية هذه الحركة الاجتماعية العفوية فى أصلها على ما يبدو.
«الرجل المعاصر يعانى من ميراث للتأزم فى الحكم» ميشال فوكو.
كيف يتم التحكم فينا ونحن سادة قرار الحكم؟
ما معنى أن أصوت لحاكم؟
ما حدود التمثيل فى البرامج السياسية فى العالم الليبيرالى الذى كان ماركس قد حدد مثالبه باكرا؟
إلى أى درجة يحق «للفرد»، هذا الكيان الملموس الصانع «للثروة»، التدخل شئون «الدولة» هذا الكائن المعنوى المسير للثروة بآليات لا يفهمها إلا مقربون من الدولة يسمون «الخبراء»؟
تنويعات
كان السؤال الأول أيام انطلاق الحراك الجزائرى هو: من يقف خلف كل هذا؟
من هم مسيرو الحراك؟
وانطلقت الآراء فى كل اتجاه، مع تفضيل معين للقراءة الأمنية التى تجعل المخابرات هى التى تعمل على تسيير الحراك، الشيء الذى جعل كثيرا من الفاعلين يتأخرون عن الخرجة الشعبية الأولى، وحتى عن الثانية.
الواقع هو أننا صرنا نعيش على إيقاع العالم الافتراضي. فقد تقتت واقعنا الفعلي. والناس كانوا فى الحراك يصورون أفلاما حية «live» يتقاسمها الناس بشكل حى ومباشر، وكان ذلك أهم ما كان يحدث، فالفعل الذى نقوم به إنما يكتسب قيمته من المشاركة فى إطار واسع مع المبحرين المتصلين بشكل حى مباشر بعضهم مع بعض، وإلا فإن هنالك شيئا ناقصا؛ وبتعبير غريب آخر؛ فإن الواقع فى غياب البعد الافتراضى يصبح واقعا ضعيفا هشا مائعا، ولا تكسبه صلابته إلا الفضاءات الأثيرية للإنترنت.
كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ وما مستقبل الحياة السياسية مثلا، بما أنها موضوعنا الملح منذ مدة؟
الواقع هو أنه منذ بداية عام ٢٠٠٠، كانت الإنترنت تدرك حقيقة أنها تتقدم بسرعة فى الجزء المتقدم من الكرة الأرضية، وكان العالم الغربى فى ذلك الوقت قد شرع فى استخدام تسميات جديدة للمرحلة التاريخية التى كان يمر بها. نذكر جميعا أن النقاشات الواسعة حول جدوى الإنترنت، آنذاك، قد ظلت تشكك فى قدرة الإنترنت على إعادة تنظيم الحملات الانتخابية مثلا، وشككت - بشكل أوسع - فى قدرة الإنترنت على تفعيل الفكرة الديمقراطية.
على الرغم من أن هذه المزاعم المتفائلة قد تآكلت إلى حد كبير عن طريق البحث التجريبى فى شبكة ويب الجيل الأول Web ١.٠، ثم مع الجيل الثانى Web ٢.٠ الذى أثبت نجاعة كبيرة فى الهدف الأسمى الذى هو اختزال كل قطاعات الحياة، بدءا من خدمات الاستعلامات والعمل المصرفى ومجال الملاحة الجوية والطيران، وبخاصة الجانب الاقتصادي، وانتهاء بجميع مجالات الحياة.
لقد فتحت الأدوات الرقمية المتعلقة بالخدمات العامة للبيع والشراء آفاقا جديدة فى تطوير الديمقراطية الإلكترونية، وإعادة تنظيم الحملات الانتخابية مثلا كواحد من الأدوار السوسيولوجية، وحتى الفلسفية، لهذا الاختراع الذى كثيرا ما بدا للناس كأنه علبة سحرية أتت بأسرع مما كما نتوقع، وأنها أتتنا دون أن نعرف بالتحديد ماذا نفعل بها.
ولكن، على الرغم من هذه النجاعة المعترف بها من قبل الجميع لدور وسائل التواصل الاجتماعي، فإن اتجاه السياسيين ولوبيات المال والأعمال والشركات متعددة الجنسيات التى تبقى - سواء من قريب أو بعيد، سواء قل الأمر أم عظم - مسيطرة على عمل هذه الوسائل وعلى وضع قوانين لتأطيرها، قد سار فى اتجاه معكوس لأحلام المصممين والمعلقين على هذه الوسائل... وهذا جانب غير بهيج علينا أن نتزود بالحذر منه، وهو جانب جاء بالموازاة مع توسع الأمر لكى يشمل الناس أجمعين، فالإنترنت وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعى بأطيافها العديدة، وبخاصة الفيسبوك، فضاء قد صار شعبيا مجانيا يشكل الكرة الأرضية كلها منذ أعوام ٢٠٠٨/٢٠٠٩.
حرى بنا فهم طريقة عمل العالم الذى نعيش فيه، وبعملية ربط صغيرة للتواريخ، سنلاحظ أنه فى ٦ فبراير ٢٠١١، كتب متظاهرو ٢٥ يناير المصريون، على أرض ميدان التحرير بالقاهرة الكلمات التالية: «نحن رجال فيسبوك». فى رأى جميع الخبراء المشتغلين على هذا الموضوع، استفاد المتمردون فى العالم العربى فى ربيع عام ٢٠١١، من دخولنا الجماعى فى عصر الشبكات الاجتماعية. سمح لهم الأخير بتنظيم المظاهرات والتحايل على وسائل الإعلام لنشر الصور والشهادات وغيرها من الأدلة على انتهاكات الشرطة.
فى وقت لاحق، فى ضوء النتائج التراجيدية لبعض الحراكات وبعض الثورات المشهودة فى العديد من البلدان، بما فى ذلك مصر وليبيا وسوريا، عاد الحرس القديم إلى الظهور، مدعين أنه كان من السذاجة أن نعتقد أن العالم الافتراضى يمكن أن يكون لموقع Facebook تأثير طويل المدى على «الحياة الحقيقية».
خلاصة القول
تلاحظ عالمة الاجتماع الأمريكية ذات الأصل التركى «زينب توفيكسي»، أن هنالك حدودًا ضيقة بين التمرد عبر الإنترنت وحركة الشارع. فى كتابها «تويتر والقنابل المسيلة للدموع» «Twitter and Tear Gas»، الصادر بجامعة «ييل» عكس ذلك تماما، فهى تعتبر التغيرات العميقة التى أحدثتها التقنيات الجديدة فى طبيعة الحركات ذاتها مهمة ونهائية وغير قابلة للرجوع إلى الوراء. فقد عملت على تنظيم صفوف أصناف المتظاهرين، وخلق الرؤية الثورية وتأثيرها على المدى الطويل. وترى هى أن ما علينا الوقوف عليه وعنده هو نشأة سلطة فعلية، تقول المؤلفة إنها فاعلة وفعالة وفعلية رغم الحصيلة التى تبدو سلبية عموما للثورات العربية. وهى سلطة علينا أن نحسب لها كل حساب فى التاريخ العالمى القريب.
فى ضوء كل هذا نفهم درجة التنظيم المحكم للحراك الجزائري، ونتوقع أن الحراك لم ينته بعد، وربما يكون الأهم أمانا ولم يأت بعد.
ننتظر بشغف وترقب.