الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السادات ومعركة السلام «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند وصول الرئيس السادات إلى واشنطن ومنها مباشرة إلى منتجع كامب ديفيد، حيث أمضى الرئيسان الأمريكى والمصرى يومى ٣ و٤ فبراير فى هذا المقر يتشاوران حول الموقف وما يمكن لهما الاتفاق عليه وما يجب القيام به حيث أدرك السادات أن الجانب الإسرائيلى لا يبغى التحرك، وأنه لن يستطيع إحراز تقدم من دون المساعدة الأمريكية لتسهيل تحريك المفاوضات بين مصر وإسرائيل. ولذا انتهت جولة المشاورات السابقة باستعداد الولايات المتحدة للتقدم بمقترحات لتحريك الموقف، ما يتطلب من الجانب المصرى استمرار المفاوضات مع إسرائيل، وتوفير الفرصة للولايات المتحدة للمزيد من الاتصالات مع الجانبين للتعرف على مواقفهما، للتدخل من جانبها والتقريب بينهما.
وحققت الزيارة أهدافها إلى حد كبير، ونجحت فى توطيد العلاقة المصرية الأمريكية، وتوصل الجانبان خلالها إلى تفاهم تفصيلى يتم بمقتضاه قيام الولايات المتحدة بعد مرحلة من المشاورات مع الجانبين بطرح مقترح متكامل ومشروع شامل للتسوية وإطارها الذى ينبغى عندئذ للأطراف التفاوض على أساسه، كان التحرك المصرى الأمريكى المشترك يفترض قيام الأمريكيين بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلى ومواجهته بالموقف وبالحاجة لإظهار المرونة من جانبه.
بالفعل فإن تفاهمات واشنطن فى فبراير ١٩٧٨ حكمت وإلى حد كبير الصياغات والمفاهيم التى جاءت بها الولايات المتحدة فى الشهور التالية وصولًا إلى كامب ديفيد الثانية فى سبتمبر ١٩٧٨ التى شارك فيها حينذاك رئيس الوزراء الإسرائيلى مع كل من كارتر والسادات. فى نهاية فبراير ١٩٧٨ حضر لمصر روى أثرتون مساعد وزير الخارجية الأمريكية تنفيذًا لتفاهمات واشنطن ولتقديم دعوة أمريكية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى للحضور إلى الولايات المتحدة للمزيد من المناقشات بين الجانبين الأمريكى والإسرائيلى، وانتهز السادات زيارة المبعوث الأمريكى وحمّله رسالة مكتوبة إلى رئيس وزراء إسرائيل تضمنت عناصرها أنه يرسل هذه الرسالة مع المبعوث الأمريكى الذى يسعى من خلال جهد مُخلص إلى مساعدة الطرفين المصرى والإسرائيلى على التوصل إلى تسوية شاملة تقوم على خلق الظروف التى تحقق إقامة علاقات جوار طيبة، وأن الرئيس يستشعر القلق من أن جهود السلام حتى الآن تسير فى الاتجاه الخاطئ، فبدلًا من التركيز على جوهر التسوية الشاملة فإن النقاش يدور حول صياغات وكلمات، وأن الرئيس يقترح أن يُتفق على جوهر المسائل وفى مقدمتها مسألة الانسحاب، والقضية الفلسطينية وكيفية تسويتها، وتأمين الأمن لكل الأطراف، وأكد الرئيس استعداده للقبول بفكرة حاجة إسرائيل للأمن، إلا أن ذلك الأمن لا يجب ولا يمكن أن يتم على حساب الأرض أو السيادة، كما أوضحت الرسالة أيضًا أن قوى الرفض فى العالم العربى والاتحاد السوفيتى تسعى بنشاط لتخريب المبادرة، إلا أن مصر والرئيس يتصدى لهم، كما أن قتل «يوسف السباعى» لن يهز الموقف المصرى أو يفرض عليه التراجع. ومع ذلك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى يجب أن يعى - هكذا قالت الرسالة - أنه أعطى هذه القوى كروتًا لمحاربة المبادرة بتصرفاته ومواقفه منها، وقال السادات فى رسالته إنه لم يتحدث عن حرق المستوطنات فى أراضى مصر بل أكد فقط رغبته فى إخلائها وإعادة الأراضى لمصر، وأكد الرئيس فى فقرة أخرى بالرسالة أنه لا يزال يتمسك بأفكاره فى عدم عبور القوات المسلحة المصرية الرئيسية خط الممرات إلى عمق سيناء، وقال فى نهاية الرسالة: «إذا كان رئيس الوزراء جاهزًا للسلام، فإن الرئيس (السادات) جاهز أيضًا له. أما إذا كانت إسرائيل ماضية فى التمسك بالمفاهيم القديمة فإن هذا الموقف سيقود إلى دائرة عقيمة ومفرغة من المواقف والتطورات». وجاء الرد الإسرائيلى فى رسالة من مناحم بيجين حملها أثرتون لمصر لتعكس التشدد والتعنت الإسرائيلى الذى رفض مفهوم الانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة طبقًا لقرار مجلس الأمن، مكررًا ادعاءاته عن الحرب الدفاعية وأن الحرب فُرضت على إسرائيل فى عام ١٩٦٧، وبالتالى فلا تستطيع إسرائيل الآن أن تسلم بالانسحاب من الأراضى التى تتيح لها الدفاع الأمثل، كما تحدث عن الحق فى إعادة تخطيط حدود الدول والمجتمعات فى أعقاب الحروب الدفاعية مع الإشارة إلى التاريخ الأوروبى كمثال يحتذى فى هذا الصدد! فى هذه الأجواء طرح الأمريكيون فكرة عقد جولة جديدة من المفاوضات فى لندن خلال الأسبوع الأخير من يونيو.
كان الأمريكيون يستشعرون ضغوط احتمالات المواجهة الأمريكية الإسرائيلية إذا قدمت الولايات المتحدة طرحًا غير مواتٍ للمصالح الإسرائيلية، من هنا جاءت رغبتهم، فى عقد هذا الاجتماع الثلاثى ليشرح كل طرف منطلقاته وأهدافه، إلا أن إبراهيم كامل كان يعارض عقد ذلك المؤتمر بسبب الموقف الإسرائيلى السلبى من الطرح المصرى للموقف، والذى تضمن موافقة إسرائيل على بحث طبيعة العلاقة المستقبلية مع الفلسطينيين فى نهاية الأعوام الخمسة التى تمثل المرحلة الانتقالية، ما اعتبره كامل مراوغة إسرائيلية لعدم الإفصاح عما سيكون عليه الوضع النهائى للضفة وغزة، إلا أن السادات وافق على عقد اجتماع لندن رغم اعتراض وزير الخارجية، وأوضح السادات لكامل وللأمريكيين أنه لن يوافق إلا على هذا الاجتماع الوحيد ثم تبدأ عملية تنفيذ السيناريو المصرى الأمريكى المتفق عليه، فتقرر عقد الاجتماع فى قلعة ليدز بجنوب لندن يومى ١٨ و١٩ يوليو، وهناك طرح موشى ديان رؤية إسرائيل لكيفية تمكين الفلسطينيين من حكم أنفسهم من خلال انتخابات تتيح تشكيل مجلس فلسطينى للحكم الذاتى والمرحلة الانتقالية التالية لمدة ٥ أعوام تعود بعدها الأطراف للمزيد من مناقشات ومفاوضات عناصر التسوية، وهو ما فنده إبراهيم كامل فى كلمته معبرًا عن رفضه المطلق للطرح الإسرائيلى، بعده أكد الدكتور أسامة الباز على أن مصر تستهدف إشراك الفلسطينيين فى المفاوضات مع إسرائيل، كما أنها تصمم على ضرورة أن يكون مفهوم التسوية واضحًا منذ البداية ومع بدء المرحلة الانتقالية ومدتها أيضًا طبقًا لرؤية مصر ٥ أعوام، لتنتهى بإنشاء دولة فلسطينية يكون لها ارتباط ما متفق عليه مع الأردن، مع التأكيد على حسن علاقات الجوار بين الدولتين. كما نوقشت ترتيبات الأمن المقترحة بين مصر وإسرائيل، وكانت تدور حول الموافقة المصرية على إقامة مناطق منزوعة السلاح على الجانبين المصرى والإسرائيلى وإنشاء محطات إنذار مبكر على جانبى الحدود وتدار من قبَل طرف ثالث، وهى ليست المرة الأولى التى نُفذت فيها الفكرة، حيث نفذها «كيسنجر» بين الجانبين فى فضّ الاشتباك الثانى فى مايو ١٩٧٥ فى سيناء، إضافة إلى إمكانية النظر فى إقامة مناطق محددة التسلح بكمياته وأنواعه، وهى أيضًا فكرة نفذها الجانبان فى فضّ الاشتباك الأول والثانى فى عامى ٧٤ و٧٥ مع اقتراح وضع قوات حفظ سلام دولية على الحدود، وأخيرًا اعتراف مصر بأن مضيق تيران يُعتبر ممرًا دوليًا للجميع حق الملاحة خلاله، وامتدت المناقشات فى اليوم التالى لوضعية القدس، حيث أصر الجانب المصرى على سيطرة الفلسطينيين أو الدول العربية على القدس الشرقية لتبقى المدينة موحدة وتدار من خلال مجلس أعلى طبقًا لمقترحات وتفكير «السادات» فى الموضوع.
اجتماع آخر عُقد فى الإسكندرية بين الرئيس السادات والمبعوث الأمريكى أثرتون فى ٣٠ يوليو عام ١٩٧٨ وحضره وزير الخارجية المصرى، وأحمد ماهر، حيث أبلغ أثرتون السادات برغبة كارتر فى إقناع مصر بالقبول بفكرة عقد اجتماع ثلاثى إضافى لوزراء الدفاع والخارجية، الهدف منه البحث عن تسوية للقضية الفلسطينية تقوم على التوصل إلى اتفاق فى بداية المفاوضات على المبادئ العامة أو الأسس التى تحكم هذه التسوية بحيث يكون مفهومًا ومستقرًا منذ بداية الفترة الانتقالية أن التسوية النهائية ستكون مبنية على القرار ٢٤٢ بما يتضمنه من وجوب انسحاب إسرائيل، وأن هذا المنهج المقترح يختلف عن التفكير الإسرائيلى الذى يسعى لترك هذه المسألة مفتوحة ولا يكون هناك التزام بها مقدمًا، وأضاف أن الولايات المتحدة تنتقى الأفكار التى تبلورها حاليًا من مصادر متعددة: مشروع بيجين للحكم المحلى، والنقاط التسع التى عُرضت على مصر فى أبريل ١٩٧٨، وأخيرًا المقترحات المصرية الخاصة بالانسحاب الإسرائيلى وضمانات الأمن. وهو ما علق عليه إبراهيم كامل بالقول إن الخلاف الرئيسى بين مصر وأمريكا تركّز على النقاط التى تبلور التفكير الأمريكى، وأنه مندهش مما يطرحه الأمريكيون لأنه نسخة من أفكار بيجين، لأن الالتزام الوحيد على إسرائيل هو الالتزام بالتفاوض أثناء الفترة الانتقالية حول بعض النقاط ومنها الانسحاب.يتبع....