السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

محمود الجندي.. "الفنان المتصوف".. رحلة من "الشك" إلى مرحلة اليقين

محمود الجندي
محمود الجندي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كم من وجوه فارقتنا وتركت أثرها رغم فاجعة الموت، هذا هو أقل ما يوصف لرحيل الفنان الكبير محمود الجندي، الذى وافته المنية، الخميس الماضي، عن عمر ٧٤ عاما، بعد تعرضه لأزمة مرضية لقى بعدها ربه.
ترك «الجندي» خلفه إرثا فنيًا لا يقدر بثمن على مدار سنوات وسنوات، قدم خلالها الكثير من الأعمال الفنية، امتزج من خلال تلك الأعمال مع كل شخصية قدمها، حتى أصبحت رائعة «حديث الصباح والمساء» وتقديمه لشخصية «معاوية» داخل العمل، وهو واحد من أعظم الأدوار، التى قدمت خلال الأعوام الماضية، والتى امتزجت فيها روح الجندى وروح الشخصية معًا، فى كيان واحد، ليترك للجميع واحدا من أعظم أدواره، التى لا تختلف عن حقيقته كثيرًا، والتى تشابهت فى ارتداء الثوب الأبيض، الذى اعتاد الجندى بعد قيامه بعمل مناسك عمرة، بارتدائه طوال الوقت مع ربطة الرأس البيضاء أيضا.
الحديث عن صوفية الفنان الراحل، ليس أمرًا بعيدًا عنه وعن تصريحاته، ولعل أبرزها الحديث عن نشأته التى ترعرع بها، فقد ذكر الجندى فى أحد لقاءاته التليفزيونية، أنه نشأ فى أسرة متدينة فى مدينة أبوالمطامير فى محافظة البحيرة، حيث كان يجب إرسال الأطفال إلى «الكُتاب» لحفظ القرآن الكريم، وكان لديه صديق مسيحي، يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد، وكانوا يعلمونه بالموسيقى والأغاني، فكان يسأل نفسه: ليه احنا مش بنتعلم فى الكتاب كده»، فقال لوالده إنه لا يريد الذهاب إلى «الكُتاب»، بل يريد الذهاب لمدارس «الأحد»، لأنه كان هناك فرق كبير بينهما، فالشيخ يعلم بالعصى، ولكن القس يعلم بالموسيقى، فتحدث والده مع قس الكنيسة، ووافق وقال لوالد «الجندي»، إنه بعد فترة سيشعر بغربة وسيطلب عدم استكمال دراسته فى الكنيسة، موضحًا أنه لم يعد يذهب لها بعد ذهابه للمدرسة.
ليؤكد أن رحلة إيمانه منذ البداية لم تكن بديهية أو قائمة على الاتباع دون الفهم، وهو مذهب معروف لمحبى الصوفية والتابعين لها، وهو الإيمان وحب الله، فالحب لديهم أكبر من الاتباع، فهم يحبون الله ويعيشون فى مناجاته وفى ربوع ملكوته.
ولم يقف الجندى فى بحثه على ذلك، فقد قال إنه كان يصلى أيام الامتحانات، لكى يوفقه الله فى دراسته، دون الانتظام فى الصلاة، ليدخل بعدها فى مرحلة الشك واليقين وهى مرحلة مر بها العديد من الرموز العظيمة فى الإسلام.
الجندى الذى اعتاد الصلاة فى مسجد الخليل إبراهيم بمنطقة الهرم، لم يكتف عند ذلك الأمر، بل إنه أحضر الشيخ الحبيب على الجفري، لإلقاء دروس دينية فى منزله، بحضور العديد من الفنانين، منهم الراحل علاء ولى الدين والفنان محمد هنيدى والفنان علاء مرسى وآخرين.
وكان لـ«الجفري» موقف عظيم فى تغير وجهة الجندى فى حياته المهنية، فبعد فترة من الفترات وبعد أن تعرض لحريق منزله ووفاة زوجته، وكانت تلك رسالة من الله، كما اعترف فى أحد اللقاءات التى أكد فيها أن كل حادث فى حياة الإنسان رسالة، ولكن يجب أن يتعلم قراءتها بصورة صحيحة، فلا شيء يحدث صدفة، الكون يمشى منظم بثوابت، وهو مؤمن بذلك، ويرتاح لتلك النوعية من التفكير، وأنه بعد تلك الحادثة لم يكن يعلم كيف يعود إلى الله، فقد ترك الالتزام فترة طويلة، منذ أن ترك أبوالمطامير، فتحدث مع شقيقه الأصغر، والذى وصفه بأنه «الأعلم» منه، حيث يقرأ كثيرًا عنه، فأخبره أنه سيصطحبه فى رحلة صغيرة، وكانت رحلة عمرة، وصفها «الجندي» بأنه كان يشعر أنه طفل تائه من أهله ووجدهم، حيث وجد نفسه وسط المعتمرين، فشعر معهم، ومع شعائر العمرة، من طواف وسعى وغيرها، وجد ضالته، ونفسه، وعاد للطريق المستقيم.
حيث طلب منه الجفرى أن يظل فى التمثيل وأن يقدم هدفًا اجتماعيًا وأخلاقيا من خلال الأعمال التى يقدمها وأن يواظب على الصلاة فى أماكن التصوير، حتى يذكر أصدقائه وزملاءه بها كنوع من التذكير، وهو بالفعل ما أعاده إلى التمثيل مرة أخرى بعد اتخاذه قرار الاعتزال.
تلك الحالة لم تجعل الجندى صوفيًا، بل عاشقًا للصوفية متوسطًا ومعتدلًا بها، معترفًا بأنه محب للرسول الكريم وآل بيته الكرام، ليظل فى تلك الحالة حتى رحل عن دنيانا، وهو الفنان المحب للفن، والذى ترك لعشاقه حالة فنية خاصة يستمتعون بها حتى نلقاه.