الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الحرس الثوري الإيراني.. 40 عامًا من الإرهاب.. ميليشيات مسلحة أسسها الخميني بعيدًا عن الجيش الرسمي للدولة.. نفذ عمليات إرهابية واغتيالات بزعم حماية الجمهورية الإسلامية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكد تمر أيام قليلة على سيطرة رجال الملالي على الحكم في إيران، عقب طرد الشاه محمد رضا بهلوي، فى مارس عام ١٩٧٩، ضمن ما عرف بالثورة الإسلامية، حتى سارع زعيمهم الأكبر آية الله الخميني إلى تأسيس قوة عسكرية مسلحة، موازية للجيش الرسمى للدولة الإيرانية، بزعم حاجة الثورة إلى قوات تحميها.
وتحت هذه المظلة الضالة، أحكم الخميني سيطرته على القوات الجديدة، التي أطلق عليها، "الحرس الثوري"، اختصارا لمسمى مبتكر هو: "قوات حراسة الثورة الإسلامية". وتم تهميش الجيش الوطنى الإيراني، ومنح كل الاهتمام من مرشد الثورة المزعومة، ورجال حكمه من بعده لهذه القوات، حتى أن بعض التقديرات تشير إلى أنها تمثل حاليا قوة أكثر عتادا ورجالا من الجيش الإيرانى النظامي!

الأربعينية السوداء
مع بداية ظهور الحرس الثورى إلى النور، لم يجد الخمينى العدد الكافى من الشباب والرجال، الذين يقبلون الانضواء تحت قيادته فى هذه القوات، خاصة أنه كان بحاجة إلى أعداد ضخمة لمواجهة الجيش النظامي، الذى لم تظهر نواياه الحقيقية، تجاه الأوضاع فى إيران سريعا، وإنما بقى الجيش على الحياد تجاه طرد الشاه، وأيضا تجاه تنصيب الخميني. ويتمتع الحرس الثورى بأهمية كبرى لدى مرشد الملالي، منذ عهد الخمينى الذى قال يوما ما: «لو لم يكن حرس الثورة، ما كانت الدولة، إنى أوقر الحرس وأحبهم وعينى عليهم، فلقد حافظوا على البلاد وما زالوا، إنهم مرآة تجسد معاناة هذا الشعب وعزيمته فى ساحة المعركة وتاريخ الثورة».
وبمرور الوقت بدأت معالم قوة الحرس الثورى تتضح، ومعها بدأت أيضا مهام هذه القوات تتبلور، حتى أصبحنا أمام عصابات إرهابية حقيقية، يقودها عسكريون مكانهم الطبيعى داخل الجيوش النظامية!
وعلى مدى فترة حياة هذا التنظيم المسلح، التى يمكن وصفها بـ«الأربعينية السوداء»، ارتكب الحرس الثورى الإيراني، آلاف الجرائم المتنوعة، من اغتيالات سياسية ممنهجة للمعارضين، إلى قمع الشعب الإيراني، وأبناء القوميات غير الفارسية مثل: الأحوازيين العرب، وكذلك البلوش والأكراد، والآذريين الأتراك، بالإضافة إلى عمليات إرهابية قذرة، وممارسة أنشطة تجارية ممنوعة، أهمها ترويج أنواع مختلفة من المواد المخدرة! وتنقسم قوات الحرس الثوري، التابعة بشكل مباشر لمرشد الملالي، إلى عدة أجنحة، منها: الباسيج وهى قوات التعبئة الشعبية، وتضم متطوعين من الجنسين، بالإضافة إلى بعض رجال الدين وأتباعهم. وتضم قوات الباسيج فيلق القدس، الذى يعد قلب الحرس الثوري، والمهيمن الحقيقى على أعماله، الذى يتولى قادته تنفيذ العمليات القذرة المشار إليها، بجميع أنواعها. وتشير المصادر الموثوقة إلى أن فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني، العسكرى المدلل لدى المرشد، ارتكب أكثر من ٤٠ جريمة خلال السنوات الماضية، منها محاولة اغتيال سفير السعودية بالولايات المتحدة، وكذلك محاولة اغتيال عدد من المعارضين المقيمين فى أوروبا، وعلى رأسهم حبيب جبر رئيس حركة النضال العربى لتحرير الأحواز، الذى حاول فيلق القدس اغتياله فى الدنمارك، وتمت إضافة مخابرات الحرس الثورى للائحة الإرهاب الأوروبية، بعد انكشاف أبعاد هذه المؤامرة والتحقق من وقوعها، خلال فبراير الماضي.


حارس دكتاتورية المرشد
يعتبر الحرس الثورى حارس ديكتاتورية المرشد، ويضم نحو ٣٥٠ ألف جندي، وتشير التقديرات الدولية إلى أن هذا العدد ينقسم إلى قوات برية وبحرية وجوية، ويمتلك ترسانة من الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة أيضا.
ويتميز قادة وجنود الحرس الثورى بالإيمان الشديد بـ«ولاية الفقيه»، وبضرورة حماية ثورتهم الإسلامية المزعومة، لذا لا تقف مهامهم عند حد الدفاع عن إيران، وإنما تمتد إلى حماية النظام، وتصفية معارضيه، والعمل على تصدير الثورة بالنموذج الإيرانى للخارج.
القائد السفاح
يقود رجل القوات المسلحة الإيرانية الأول قاسم سليماني، عناصر فيلق القدس، منذ عام ١٩٩٧، حتى أن جميع الدوائر الدولية، تحمله المسئولية الكاملة، عن جرائم الحرس الثورى فى العالم، بل إن البعض يلقبه بالقائد السفاح. وبات من المعروف دوليا ذلك الدور القذر الذى يلعبه سليمانى ورجاله فى العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، دعما للإرهاب، وتصديرا للفتن، والتوترات الطائفية والعرقية. وخلال السنوات الماضية، نفذ فيلق القدس بقيادة سليماني، عمليات اغتيال ضد معارضى نظام الملالى فى الداخل والخارج، كما نفذ اعتداءات ضد الدول العربية، وخاصة السعودية، بالإضافة إلى إشرافه على تأسيس خلايا إرهابية فى جميع أنحاء العالم، كما مول ودعم منظمات، وميليشيات مسلحة، كما فى لبنان (حزب الله)، واليمن (جماعة الحوثي) لتنفيذ أنشطة إرهابية فى دول ومناطق تسعى إيران لبسط نفوذها داخلها. ويتورط الحرس الثورى الإيراني، فى عدد كبير من جرائم التجسس، على دول الشرق الأوسط، وعدد من دول العالم. ولا يتبع الحرس أى من مؤسسات الدولة، وليس لرئيس الجمهورية أى ولاية عليه، ويتم تعيين قياداته بقرار من المرشد منفردا، ويعمل الحرس الثورى أيضا على تأكيد سيطرة المرشد على مؤسسات الدولة.
وفى عام ٢٠١١، وضعت وزارة الخزانة الأمريكية قاسم سليمانى على قائمة الشخصيات الخاضعة للعقوبات، على خلفية مؤامرته لاغتيال السفير السعودى بواشنطن، كما انكشفت أيضا مشاركة عناصر من فيلق القدس مع حزب الله فى اغتيال الجنرال اللبناني، اللواء وسام الحسن.


دولة داخل الدولة
ومع تكريس وترسيخ وجود الحرس الثورى داخل الدولة، أصبح يمتلك أنشطة فى جميع المجالات، سواء الاقتصادية، أو العسكرية، أو الدبلوماسية أو الاجتماعية، حتى أصبح دولة داخل الدولة يتمتع بقدرات مالية ضخمة. وتمكن الحرس الثورى من تحقيق ثروة اقتصادية هائلة، من السيطرة على الصناعات الثقيلة، كما يخضع القطاع الاقتصادى لسلطة قادة خدموا سابقا فى قوات الحرس الثوري.
وكان النشاط الاقتصادى للحرس الثورى فى البداية محدودا فى بعض مشروعات إعادة الإعمار بعد الحرب مع العراق، لكنه أصبح من خلال مؤسسة «المستضعفين» الخيرية، المتحكم الرئيس فى حركة الاقتصاد داخل البلاد.
ماذا بعد التصنيف إرهابيا؟
يمثل قرار الولايات المتحدة الأمريكية، بتصنيف الحرس الثورى الإيراني، كمنظمة إرهابية، نقطة تحول فى مستقبل هذا الجهاز العسكرى الخطير، فى ظل سيطرته على جانب كبير من أركان الدولة، بالإضافة إلى تأثيره الإقليمي، لا سيما فى ظل وجود أذرعه النشطة مثل: الحشد الشعبى فى العراق، وحزب الله فى لبنان، والحوثى فى اليمن، بالإضافة إلى تمركز عناصر تابعة له فى سوريا.
ويؤكد الخبراء والمراقبون أن قرار الإدارة الأمريكية، الصادر الإثنين الماضى، بتصنيف الحرس الثورى الإيرانى كمنظمة إرهابية، يمثل نقطة تحول خطيرة فى مستقبل النظام الإيراني، لا سيما فى ضوء تشديد العقوبات الدولية ضد الملالي، وكذلك الحالة الاقتصادية المتردية، التى وصل إليها النظام المالى فى إيران، بفعل هذه العقوبات.
ويرى محمد محسن أبوالنور، الخبير فى شئون إيران، أن وضع الحرس الثورى على قائمة الإرهاب الأمريكية، يقلص من قدرات هذا الجهاز العسكرى المهم لبقاء النظام الإيراني، لافتا إلى أن النظام الإيرانى قد لا يكون قادرا على تنفيذ عمليات إرهابية عنيفة، ردا على هذا القرار، لكنه فى الوقت ذاته ليس من المتوقع أن يقف صامتا. وأوضح أن هناك سيناريوهات عدة يمكن أن يلجأ إليها النظام الإيراني، لتفادى التأثيرات الممكنة للقرار الأمريكي، منها ما يتعلق بالتحايل على القرار، مثل: إعلان تفكيك الحرس الثورى صوريا، واستبدال الاسم فقط، مع الإبقاء على الهيكل التنظيمى له.
ولفت إلى أن النظام الإيرانى يعلم تماما أن قرار الإدارة الأمريكية، سيقوض الكثير من قدرة النظام على نشر الفتن، ودعم الإرهاب إقليميا، وكذلك سيحد من قدرته على التدخل فى شئون دول المنطقة، وإدارة ملفاته المفتوحة فى العراق، وسوريا واليمن. وقال أبوالنور: «فقدان النظام الإيرانى القدرة على المناورة، لن تدفعه للاستسلام، وإنما ستجعله يحاول التحايل بأساليب جديدة، منها تغيير قائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، المتهم بتدبير معظم الجرائم التى ارتكبها هذا الجهاز العسكرى الخطير».
ودعا أبوالنور دول العالم إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة، وتدرج الحرس الثورى الإيرانى على قوائم الإرهاب، حتى يتم تضييق الخناق عليه، وردعه تماما، وتقويض قدراته التى يستغلها فى ضرب استقرار دول المنطقة. بدوره، قال علاء السعيد، خبير فى الشأن الإيراني، إن نظام حكم الملالى يعتمد بشكل أساسى على الحرس الثوري، حتى بات هذا الجناح العسكري، بقادته ورجاله، هو الحاكم الفعلى للدولة، وقوتها الضاربة.


قلب الطاولة
وأشار إلى أن هذا الفكر هو السر وراء وصول أفراد الحرس الثورى المتقاعدين إلى مناصب رفيعة، فى مختلف مؤسسات النظام، لافتا إلى أن وضع الحرس الثورى على قائمة الإرهاب الأمريكية، يهدد بتقويض جميع أركان ومؤسسات الدولة فى إيران، وليس الحرس الثورى فقط. ولفت إلى أن القرار الأمريكى بتصنيف الحرس الثورى الإيراني، على أنه منظمة إرهابية، يستهدف ردع نفوذه فى المنطقة، وهدم قدرته على دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية، التى تهدد السلام والأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم. وشدد على أن تصنيف الحرس الثورى ضمن قائمة المنظمات الإرهابية سيكون له آثاره وتداعياته الهامة والمؤثرة على أصعدة إيران نفسها وبلدان المنطقة وبمثابة قلب للطاولة على رأس الحرس.
وشدد السعيد على أن تصنيف الحرس الثورى ضمن قائمة الإرهاب، سيقوض هيمنته على الاقتصاد الداخلى للدولة، وسيسرع من معدلات انهيار الاقتصاد المتراجع أصلا.
الخاسر الأكبر
وحول الجهات الأكثر تضررا من قرار تصنيف الحرس الثورى كمنظمة إرهابية، اتفق أبوالنور والسعيد على أن حزب الله، وجماعة الحوثي، وقوات الحشد الشعبى الخاسر الأكبر من وراء القرار الأمريكي، فى ظل أنها الأكثر حصولا على دعم الحرس الثورى بجميع أشكاله.
وقال «أبوالنور»، إن جميع أنشطة حزب الله وحتى الاقتصادية منها تعتمد على شبكات نفوذ الحرس الثوري، وتقويض هذه الشبكات يعنى بالضرورة انهيار قدرات حزب الله، العسكرية والاقتصادية.
وأشار إلى قوات الحشد الشعبي، التى تعد ذراع الحرس الثورى فى العراق، ستمر بمرحلة كارثية، تقضى على بقائها، لأن إدراج الحرس الثورى ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، من شأنه أن يجعل من قاسم سليمانى نفسه هدفا للمجتمع الدولي، وفى ظل أنه من يتولى ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية فى العراق، فهذا يعنى أن الأمور تتجه نحو انهيار الحشد الشعبي، والنفوذ الإيرانى فى العراق بأكمله.
بدوره، أشار علاء السعيد إلى أن نشاط جماعة الحوثى سيشهد خلال الفترة المقبلة تراجعا، وانكماشا، يجبر هذه الجماعة الانقلابية على تقديم تنازلات ما كانت ستقدمها دون تراجع نفوذ وقدرات الحرس الثورى بفعل القرار الأمريكي.
ولفت إلى أن من بين الخاسرين أيضا قطر، التى راهنت على التحالف مع طهران، من أجل تعويض مقاطعة الرباعى العربى لها.