الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا طرابلس؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من السابق لأوانه توقع النتائج السياسية التى ستسفر عنها العمليات العسكرية للجيش الوطنى الليبى التى بدأها قبل نحو أسبوع لتحرير مدينة طرابلس من الإرهابيين، فمن ناحية يواجه الجيش الليبى جماعات وميليشيات تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة مما يجعل معركة تحرير العاصمة باهظة التكاليف، ومن ناحية أخرى تقف غالبية الأطراف الدولية مترقبة للنتائج العسكرية النهائية حتى تحدد أسلوب وطريقة تعاملها مع الطرف المنتصر.
لقد ذهب المشير خليفة حفتر بقرار التحرك نحو طرابلس المباغت للجميع إلى أبعد نقطة فى الصراع الدائر على الأراضى الليبية والذى تديره أطراف إقليمية ودولية، وليس أمام القائد العام للقوات المسلحة الليبية سوى خيار واحد يتمثل فى تحقيق إنجاز عسكرى حاسم من شأنه إبعاد جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم القاعدة حليفها الرئيسى فى ليبيا وغيره من الجماعات والميليشيات الإرهابية عن المعادلة السياسية، فمن أجل هذا الهدف كانت طرابلس وجهة الجيش الوطنى الليبى قبيل انعقاد الملتقى الوطنى الجامع فى منتصف الشهر الجارى بمدينة غدامس جنوب ليبيا (وفى الأغلب قد لا ينعقد فى ظل التطورات الجديدة)، ما يعنى أن الجيش الليبى مصر على دخول العاصمة طرابلس أو على الأقل فرض واقع سياسى جديد يجبر حكومة فايز السراج على التنصل من الجماعات والعصابات المسلحة والعمل بعيدا عن تحالف جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة.
فى المقابل لن تستطيع روسيا دعم المشير حفتر عسكريًا فى هذه اللحظة على الأقل رغم منعها صدور بيان رسمى من مجلس الأمن يطالب حفتر بالتراجع عن طرابلس ويهدد بتوقيع عقوبات قاسية على الجيش الوطنى الليبي، وفقًا للصيغة التى اقترحتها بريطانيا خلال اجتماعات المجلس الذى لم يصدر عنه سوى بيان صحفى لا يتمتع بقوة البيان الرئاسي.
روسيا طلبت تعديل المقترح البريطانى بمطالبة جميع الأطراف بوقف التصعيد العسكري، غير أن الولايات المتحدة رفضت الطلب الروسى مما عطل صدور البيان، ومع ذلك لا يمكن المراهنة كثيرا على تخبط مواقف الأطراف الدولية فلربما تقودهم لغة المصالح المتبادلة إلى صياغة اتفاق يمارسون من خلاله ضغوطا سياسية على المشير خليفة حفتر لا تدفعه إلى التراجع عن طرابلس لكنها لا تسمح له بالوصول إلى قلب العاصمة وتتيح له فقط مساحة لحصار الميليشيات والجماعات المسلحة، وتذهب به إلى طاولة المفاوضات للجلوس مع فايز السراج من أجل التوصل لتفاهمات جديدة رسمت بعض ملامحها لغة المصالح بين الأطراف الدولية.
يحتاج المشير حفتر إلى حسم معركة طرابلس فى أسرع وقت حتى يتفادى توصل الأطراف الدولية لاتفاق يحول دون سيطرته على قلب العاصمة، وبحسب مراقبين ليبيين قد يدفعه عامل الوقت إلى محاولة إرباك ميليشيات طرابلس بتحريك وحدات عسكرية صوب سرت ومن ثم مصراتة حتى يضطر بعض قادة تلك الجماعات من أبناء المدينتين إلى مغادرة طرابلس لمواجهة الجيش الوطنى الليبى فى سرت ومصراتة، مما سيسرع بحسم معركة طرابلس عسكريًا وفى الوقت المناسب.
على صعيد متصل، اتهم منتقدو تحرك الجيش الليبى نحو طرابلس المشير خليفة حفتر بإشعال نيران الحرب الأهلية رغم أنهم من قاموا بتصدير السلاح والعناصر الإرهابية إلى داخل الأراضى الليبية عبر موانئها، وبعضهم التزم الصمت رغم مرور تلك الأسلحة والعناصر تحت أعينهم، فعلى مدار السنوات الماضية وحتى الشهرين الأخيرين دفعت تركيا بسفنها المحملة بالأسلحة والعتاد الثقيل إضافة للعناصر الإرهابية إلى شواطئ ليبيا بدعم وتمويل قطرى، وهناك عشرات البيانات الصادرة عن الجيش الوطنى الليبى حول ضبط سفن تركية محملة بالأسلحة والذخائر.
طرابلس التى تعج بالجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية كانت محطة للأموال القطرية التى تم ضخها تحت ستار بعض الجمعيات الدينية والأهلية وقد تم كل ذلك تحت سمع وبصر عناصر الجيش الأمريكى المتواجدة فى طرابلس والتى قدرها المتحدث الرسمى باسم الجيش الليبى اللواء أحمد المسمارى بنحو 300 عنصر ويرجح مراقبون أن أعدادها لا تزيد عن 150 جنديًا، وفى ظل الصمت الذى يشى بالرضى والموافقة من قبل إيطاليا التى تمتلك بحسب مصادر ليبية قاعدة عسكرية فى مدينة مصراتة يتم التستر عليها بادعاء أنها مستشفى ميداني.
الأسلحة التركية والأموال القطرية دليل إدانة دامغ لتواطؤ رئيس المجلس الرئاسى فايز السراج الذى عزف عن مواجهة الميليشيات والجماعات الإرهابية داخل مدينة طرابلس، وكان يعطى قادتها رواتب شهرية دون أن يواجه أى ضغوط دولية من أجل إنفاذ تعهداته بنزع أسلحة تلك العصابات.
فايز السراج الذى استغاث بميليشيات مصراتة الإرهابية لتعاونه على مواجهة الجيش الوطنى الليبي، لم يعد صالحا للجلوس على مائدة المفاوضات إلى جانب باقى الفصائل والقوى السياسية الوطنية، فأهل طرابلس قبل غيرها من المدن الليبية يعلمون أنه واجهة للتحالف بين جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم القاعدة المدعوم تركيًا وقطريًا، علاوة على معاناتهم طيلة السنوات الماضية جراء سياساته الفاشلة التى عملت على تقسيم العاصمة إلى مناطق واقعة تحت سيطرة ونفوذ الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية.
وصول قوات الجيش الوطنى الليبى إلى قلب العاصمة طرابلس فى الوقت المناسب سيعمل على استئصال جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم القاعدة والعصابات التى تدور فى إطارهما من المعادلة السياسية الليبية وهو أمر ضروري، خاصةً وأن الصراع فى ليبيا لم يأخذ بعد قبلي حاد بسبب طبيعة الشعب الليبى المتسامحة والبسيطة، على عكس ما يروجه قادة الجماعات الإرهابية وأبواقها فى الإعلام القطرى والتركي، فقد عملت هذه الجماعات طوال الوقت على تغذية الصراع القبلى دون جدوى.
طرابلس ستكون بمثابة مفتاح الجيش الوطنى الليبى لدخول مدينة مصراتة حيث تتمركز الميليشيات والجماعات الإرهابية، وبحسب مراقبين سيسارع رجال الأعمال وقادة الجماعات الإرهابية إلى الهرب لتركيا التى يحتاج اقتصادها المأزوم أموالهم، فيما سيحرص سكانها على حماية مدينتهم من الخراب والدمار فهى تعتبر العاصمة الاقتصادية الأولى فى ليبيا لما تضمه من مصانع وشركات كبرى، وسيعملون على إيجاد صيغة للمصالحة مع باقى المدن الليبية التى عانت كثيرًا من الإرهابيين المنتمين لبعض قبائلها، وفى المقابل يرى غالبية الليبيين أن أهل مصراته مجبرون على التعايش مع الجماعات والميليشيات الإرهابية تحت وطأة تهديد السلاح وأنهم سيهرولون إلى إتمام المصالحة الوطنية والانخراط فى العملية السياسية التى سيتفق عليها الليبيون.
ali.elfateh2017@gmail.com