السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فكر العقاد وفقه علي عبدالعال وثقافة الاستفتاء الشعبي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يكاد يكون عملاق الفكر والأدب أستاذنا عباس محمود العقاد أول من طرح على الرأى العام مغزى وأهمية الاستفتاء على الرأى العام، وقد يكون هذا المصطلح طرح نفسه فى غرف المداولات الفقهية ومجالسهم الاجتهادية وأبحاثهم القانونية.. لكن لا أتصور أنها عرضت على المواطنين مباشرة لكى تشرح ثقافة استخدام هذا الحق فى ثراء الديموقراطية وفى يوم ٢٧ نوفمبر ١٩٥٤م ألقى العملاق الكبير بهذا الحجر فى الماء الراكد لكى يتحرك فى مقال نشرته (أخبار اليوم) بعنوان صناديق وطبيعى لم يكن المواطن المصرى مخاطبا بهذه الرسالة حيث كانت مصر وقتها تعيش فى حالة تحول من نظام لآخر بموجب إعلان دستورى لكن العقاد انتهزها فرصة لكى يطلع أبناء مصر عما يجرى فى ذلك الوقت على الساحة خاصة بلاد (العم سام) حيث كانت تجرى وقتها انتخابات نيابية وجاء فى المقال أن الانتخابات لا تعنينا من جانبها السياسى وإنما ما يعنى جانب جدير فى الوقت الحاضر ويقول العملاق.. لا تجرى الانتخابات الأمريكية إلا وكانت فيها فرصة واسعة لضروب من المحاولات والتجارب تستحق الفرجة وتستحق الدراسة لأنها تعتمد على خبرة يعرفها خبراء الجماهير الذين تمرسوا بأعمال الصحافة والدعاية وتوسلوا بما عندهم من الوسائل لسبر أغوارها واستخراج الدلائل من وجهة تتجه إليها.. كان هذا مدخل العقاد للرأى العام وأتصور أنه لم يكن يتحدث فى هذه النقطة بالذات بصفة مفكر لكن لا يعلم الكثير أنه تناول مثل هذه القضايا بصفة أخرى، وهى أنه وقف تحت القبة ممثلًا للأمة يبصر أبناء الوطن بمقدمتهم وينشر فى نفوسهم ثقافة جديدة سواء كان فى عملية الانتخاب وحراسة الصناديق وضمان الخبرة والنزاهة، وكان يعارض كل ما هو مختلف معه فى هذا المنهج الذى يأمل أن تسير مصر على طريقته نحو مستقبل مشرق.
ولم تكن وقتها فلسفة الاستفتاء واضحة ويبدو أن هذا الفكر تأخر هذه المدة حتى أصبحت ممارسة هذا الحق لتقرير مصير الأمة وقوى السيادة الاجتماعية هو جوهر إرادة الأمة وسيادتها طبقًا لما جاء صلب الدستور.. والاستفتاء هو اللاعب الرئيسى فوق الحلبة السياسية وتشاء الأقدار أن تصدر وصايا العقاد فقد أصبحت الضرورة الأساسية لنجاح آلية الإرادة الشعبية ويخيل إلى أن العملاق العقاد يخاطب بلدياته الأسوانى الفقيه على عبدالعال رئيس مجلس النواب من باب العلم والأرض الجرانيتيه أسوان.. وعلى عبدالعال حينما يباشر هذه المسئولية التاريخية فإن هذه العملية تتم بآلية برلمانية تمامًا دون أن تتقدم لها أى خارج السلطات الدستورية بل لا أبالغ أن رئاسة الجمهورية نفسها لم تقترب إطلاقًا من هذا الملف وتركت الأمور وهذا حقها ومنها لكى تقوم كل سلطة بإدارة شئونها.
وأقول إن أستاذنا العقاد فى وصيته تحدث عن (المراهنة والاستفتاء) والفارق وتحدث عن أسلوب استطلاع الآراء والتى تحولت حاليًا لمراكز بحوث والغريب أن المراهنات بدأت (بالمشاريب) فى القاهرة إلى أن أصبحت مراكز قياس الرأى العام.. وتناول فى مقال نشر (عد الأصوات) وتحدث عن طريقة المزاج فى مواجهة تقلبات حركة التصويت ولاشك أن هذا المقال يثرى الحياة السياسية وأتمنة أن يعاد نشره لكى يعرف الناس مدى الفراسة التى كانت تتمتع به هذه العقول التى كان لديها من القدرة على استشراف المستقبل.
علينا أن ندرك أهمية الاستفتاء فهو ليس مجرد عملية إجرائية لكنها مركز المخ ونريد من خلال استخدام قدراتنا أن نحشد قوانا العقلية وقدراتنا السياسية لكى يعرف العالم أن مصر تتحدث عن ثقافة الاستفتاء فى الأمور المصيرية المصرية بلغة جديدة.
إن مصر تكتب أمجد صفحات تاريخها وتعلن قرارها أعقاب حوارها فى وضح النهار وضوء الشمس وفى النور وفى مناخ صحى نقى تقول كلماتها وتضئ طريقها وتعلن إرادتها، وفى لحظة من لحظات التاريخ تعيد صياغة موارد دستورها وبإرادة شعبها ومن تحت قبة برلمانها بصياغة عقول أبنائها بعيدًا عن أى سلطة حتى لو كانت السلطة الرئاسية.
مصر تعلن للعالم أنها قد طويت للأبد صفحة الظلام والإظلام وتؤكد للعالم بكل ثقة واليقين أنها لن تعيد الفترة السوداء التى عاشتها البلاد وحاولت أن تدخلها إلى غياهب الجب والجاهلية، وتعلن أن هذه الفترة تجاوزها الزمن لن تعود إلى البلاد فكر القبيلة والأهل والعشيرة والولاء للجماعة ومشروع الإظلام والمليونيات الشرعية والشريعة واغتصاب السلطة وطرح ثلاثة دساتير لا تخضع لرقابة القضاء والأسانيد الفاسدة فى الحجج التى لا تصدر عن أى قانونى والمواعيد المتضاربة فلم تكن هناك مواعيد ملزمة أو تنظيمية.
واليوم تقف الأمة كلها تنظر كيف يمارس مجلس النواب مسئولياته حيث تطرح كل التعديلات فى وضح النهار وبمشاركة من الفقهاء الأجلاء.
واليوم تقف الأمة كلها وراء مجلس نيابى وهو يطرح تصورات تضئ أمامنا الطريق لمستقبل أمام الأجيال، ومن حسن الحظ أن على رأس المجلس ضمير دستورى وعالم فى هذا الفرع وهو يدرك بخبرته وعلمه وممارسته معنى فلسفة الدستور وتعديلاتها وهو الدكتور على عبدالعال ومعه رئيس لجنة تشريعية متمرس وهو المستشار بهاء الدين أبوشقة الشخصية الوطنية التى استطاع بفكره التشريعى أن يجعل التشريع لغة حديثة.. لغة تنطق بروح المستقبل والبناء والفكر المتحضر.
وإذا كان عباس العقاد اقترح للرأى العام العربى ثقافة الاستفتاء الشعبى فإنه سعى لتجسيد المعنى فى ضمير الأمة ويجعل من البسطاء قضاة يحكمون ويتحكمون فى مستقبل أمتهم ويشجعهم على ممارسة هذا الحق.. قل نعم.. أو قل لا... المهم أن تقول كلمتك وتبدى رأيك وتعلى إرادتك لأنها إرادة أمة.. وثق قرارك لأنه يجعل من كلمتك إضاءة للبلاد.. شمسك ونهارك.. وتحفظ مقومات أبنائك وأجيالك وترفع راياتك، فالمواطن هو قاضى كلمة الحق فى تحديد مستقبل أمته وبناء دولته.
إن الشعب المصرى يريد الأمة تسير برأس واحد وليس برأسين.. الشعب يريد أن يرى الممارسة الديموقراطية تكتمل وهى تسير فى طريقها على قدمين لا على قدم واحد.