الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إعادة الفن إلى حياتنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبسط تعريف للفن قرأته على ويكيبيديا وآثرت نقله هنا كتصدير «لمقالى اليوم» هو قدرة استنطاق الذات بحيث تتيح للإنسان التعبير عن نفسه أو محيطه بشكل بصرى أو صوتى أو حركي، ومن الممكن أن يستخدمه الإنسان لترجمة الأحاسيس والصراعات التى تنتابه فى ذاته الجوهرية، وليس بالضرورة تعبيرًا عن حاجته لمتطلبات فى حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفنّ ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام. ولعل اختيارى اليوم لهذا الموضوع ناتج عن أحداث نعيشها ومشاهد عاصرناها منذ سنوات، لم تكن واضحة فى البداية لكن ما لبثت أن اتضحت وبدا تأثيرها واستفحلت نتائجها بما أدى لانحدار الذوق العام فى كل المجالات فصارت العشوائية هى السائدة وتوارى كل هو جميل أو استمر على استحياء. اختزلت اللوحات والصور بالمنازل فى لوحات السيرما واختفت التماثيل الصغيرة والتابلوهات الماردينى والكنافاه والحرير بالإطارات البيضاوية والبراويز التى تتزن بسيمترية تريح العين وتخطفها من اللون الداكن للمكاتب الحكومية وضوضاء الشوارع وصخب المشاوير. قلة قليلة فقط هم من حافظوا على بهجة الألوان وتابلوهات المناظر الطبيعية التى تنقل إلينا براح الحقول وأوراق الغابة الحمراء والصفراء التى تتكسر تحت سنابك أحصنة تركض أو تتهادى لأن فوقها أميرة ترتدى فستانًا مزركشًا بزهور تبرز بوضوح نسيج الشيفون. تضاءلت الموسيقى مع الوقت زاحمتها أشكال أخرى لم نترب عليها. صار الأمر صعبًا، مربكًا ومزعجًا وسط ضجيج موسيقى المهرجانات هذا إن لم يحاسبنى الموسيقيون على التعبير السابق تضاءلت على مستوى الشارع معرفتنا بأسماء الفنانين وذابت الخصوصية التى تميز بين ملحن وآخر فاغترب اللحن عن الأذن، ولم يعد باستطاعتنا أن نخمن اسم الملحن. صارت المهرجانات هى السائدة فى لقاءات الشباب والأفراح والتكاتك. وتسللت إلى حفلات الطبقة الراقية فى أعياد الميلاد والأفراح وحتى حفلات تخرج الطلاب من الجامعة وآخرها مافيا لمحمد رمضان فى إحدى الكليات وكتبت بعض الجرائد عن تلك الواقعة. وهنا أود أن نفرق بين الأغانى الشعبية التى لا تقارن بالمهرجانات الحالية المزعجة. انفلتت السينما إلى حد ما من الفوضى الكاملة نظرا لوجود بعض الأفلام الجيدة التى تحترم عقل المشاهد العادى غير المتخصص، وهنا لا أتحدث عن أفلام المهرجانات بالطبع. فصارت تتوازى مع غير الجيدة التى تعتمد على المغريات لفئة بعينها من الجمهور لضمان الإيرادات. لكنها بشكل عام لا تقارن بأفلام الأبيض والأسود التى كانت تحارب فساد الذوق وتعالج القضايا الاجتماعية كتعليم البنات ومعالجة قضايا الثأر ومكارم الأخلاق، وهو ما نحتاجه بشكل ملح وسط كل ما نمر به وما مر بالوطن من عواصف وسط انحدار لغة الشارع واختلاق لغة جديدة بين الباب تعدت حدود الفرانكو فى الكتابة على الكمبيوتر إلى استنساخ ألفاظ كنا نعتبرها من الفظائع وصارت من ديمومة التداول عادية حتى على نطاق الأسرة، وبين أفرادها، وفى أرقى المستويات الاجتماعية لست ضد مواكبة العصر أو توالد اللغة واستنساخ أو نحت ألفاظ بعينها لكنى ضد تعديها حدود الأدب وأخلاقيات المجتمع وضد الذريعة التى يرد بها الشباب على انتقاداتنا التى تقول إننا نتحدث بها فقط على سيبل التفكه والتهريج. هكذا تفرغ اللغة من محتواها الأخلاقى وتنكسر معها الحواجز الأخلاقية لأن اللغة تحمل طاقتها التى تخرج من القلب وتدخل إلى القلب أو تخرج من القلب وتمس زوايا الروح فتجبر كسر المشاعر وتمحو الحزن وتفجر طاقة الفرح فكيف بالله علينا ألا ننتبه إلى كل المفردات الهجينة أو المحملة بإشارات وإيحاءات غير مستحبة. جميعنا نتفق على انحدار اللغة، وجميعنا انتقد أبناءه أو شباب عائلته ليس بسبب اللغة فحسب وإنما انحدار اللغة وأسلوب الحوار. هكذا سارت الأمور وصار واجبًا علينا تبنى خطة لاستعادة الروح المصرية والجمال الذى فقدناه والرقة التى تلفظ أنفاسها فى مكاتب العمل والمدارس والمستشفيات والشارع وفى السوق صارت اللغة العنيفة والاستغناء والتهكم سمة تجلب الشجار وتشيع الشقاق هل أقول ثقافة بعض المسلسلات بسيناريوهات ضحلة وشخصيات مشوهة صارت مثلا أعلى للشباب؟ هل أقول المهرجانات؟ هل أقول الاستقطابات على فيس بوك والألعاب الإلكترونية العنيفة؟ ربما كان كل ذلك وأكثر. ربما كنت لا أملك حلاً فرديًا لأنه أكبر منى بالتأكيد. ربما يحتاج الأمر إلى إعادة الفن الحقيقى إلى حياتنا بخطة ممنهجة ترأب الصدع الذى حدث لكى نعيد الجمال الذى يليق بنا وبمجتمعنا وبمصرنا الحبيبة.