الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القمة.. ليست «ثنائية»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عبر العقود الماضية تباين مؤشر «الفتور - الدفء» فى العلاقات المصرية الأمريكية، فالقدر الكبير الذى تتمتع به الشراكة الاستراتيجية بينهما لم يمنع من تأثر هذا المؤشر بالتحولات السياسية- تحديدا التى عاشتها مصر بكل تداعياتها- والتى أثبتت نجاح الرئيس السيسى فى اجتياز حقول الألغام ونزع فتيلها عبر خطوات مدروسة تتسم بالحذر والموضوعية، سواء على صعيد الفوضى الداخلية أو احتواء موجة تحفز انتابت أطراف دولية بعدما أفشلت إرادة المصريين «السيناريو» الذى باركت تنفيذه فى مصر.. وهو ما خلق صيغة جديدة للشراكة بين البلدين. ملف الحرب على الإرهاب بدوره أضاف بُعدًا آخر إلى أبعاد قوة العلاقة بين الرئيس السيسى والرئيس الأمريكى ترامب. 
تصحيح طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية على أسس المصالح المشتركة التى تربط بين دول العالم، أعاد هذه الشراكة إلى مسارها الصحيح. عبر السنوات الماضية أرسخت مصر قواعد العلاقات المتكافئة والندية داخل مراكز صنع القرار الأمريكى، التى أصبح لديها قناعة تلامس اليقين أن مصر تجاوزت مكانة الدور «الضعيف» للدولة التى تلتمس عند واشنطن طلبات مساعدة عاجلة أو أى من أشكال العون الاقتصادى والعسكرى بعدما أصبحت نموذجًا قياديًا يمثل مصالح المنطقة العربية بفضل نقلة كبيرة حققها الحراك الدبلوماسى، وأثمرت عن ازدهار العلاقات المصرية مع مختلف القوى الكبرى فى العالم.
الربط بين الأمن القومى والعربى لم يكن مجرد إشارة إلى سياسة أمنية التزمت بها مصر، بل تحول إلى واقع، نتيجة التوافق بين معظم الدول العربية حول الرؤية الأمنية لتهدئة بؤر الصراع فى المنطقة.. إذ توارت حدة الخلافات فى الرؤى، وإن كان لا يزال ينقصها الكثير من القوة فى تفعيل القرار العربى إلى واقع مؤثر. قمة «السيسي - ترامب» هذه المرة لن تقتصر على الملفات الثنائية للبلدين، المؤكد أنها ستشمل التأكيد على الرؤية العربية المشتركة حول مناطق الصراع، والتهديد المباشر الذى تشكله «صفقات» دولية وإقليمية على الأمن القومى العربي.. كلها ملفات تستدعى لحظة وعى عربى إلى ضرورة دعم قوة مصر التفاوضية، ليس فقط على مستوى القادة العرب، إنما على صعيد الوعى الشعبى بين الجالية العربية فى أمريكا ومدى استعدادها لاستيعاب خطورة توقيت هذه الزيارة لإظهار الدعم المطلوب للرؤية العربية التى يحملها الرئيس السيسى وفق قرارات القمة العربية الثلاثين فى تونس.
من المستبعد رجوع ترامب عن قراراته- أو تغرايداته- السابقة حول الاعتراف بسيادة إسرائيل على القدس ثم الجولان، رغم إدراكه أهمية الدور المصرى فى عدة ملفات داخل المنطقة، أبرزها ملف غزة، أما القرار المصرى الذى سيكون محوريا فى تحديد مدى استجابة الدول العربية لـ«صفقة القرن» مع كونها حتى الآن مجرد تعبير مجهول يحيطه الغموض، إلا أن هذا لم يمنع من إعلان الموقف العربى بوضوح وحزم فى سياق كلمة الرئيس السيسى أمام القمة العربية «لا مخرج من الصراع العربى الإسرائيلى إلا بتحرير الأراضى العربية المحتلة».. الرسالة قطعا لم تكن للعرب بقدر ما كانت موجهة إلى ترامب قبل القمة الثنائية بينهما. الالتزام العربى بهذا الموقف لم يعد مجرد مبدأ أو بند ضمن قرارات القمم، خصوصا مع اقتراب الخطر جدا من كل الدول العربية بلا استثناء.. إذ أى ضمانات يملكها العرب بعدم امتداد تغريدات ترامب إلى مزارع شبعا أو الضفة الغربية مثلا!.
الرئيس السيسي، صاحب التاريخ الممتد فى إدارة مسارات التفاوض، لا يغيب عنه حقيقة عقد هذه القمة فى ظل حالة استقطاب أمريكية غير معهودة عبرت عنها مساعى شرسة للحزب الديمقراطي، مدعومة بكل وسائل الإعلام التى تجاوزت حدة عدائها لترامب، الأطر المهنية إلى كل ما يمس شخص الرئيس الأمريكي، التمسك بأى خيط لتوريط خصمهم فى البيت الأبيض وقطع الطريق أمام حصوله على فترة رئاسية ثانية. فى أجواء هذا الاستقطاب السياسى لن تجد الإدارة الأمريكية أفضل من الاستماع لصوت العقل من الشريك المصرى، بدلا من التمادى فى «مغامرات» تزيد من حدة الحرائق والاضطرابات فى المنطقة، والتى يلعب الرئيس الأمريكى دورًا فى تأجيجها. وجود «صفقة قرن» عند ترامب من عدمه، أو قيام أى من أشكال التطبيع بين دول المنطقة وإسرائيل، لا يمكن فصله عن شرط حل القضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية وليس بفرض أمر واقع على الطرف العربي.. الخطأ الجوهرى الذى شاب رؤية إدارة ترامب عند تحويل التناول الأمريكى للقضية الفلسطينية من صيغة «رعاية» مفاوضات السلام إلى إقرار حلول أمريكية مباشرة، يكمن فى أن هذه الحلول لا يمكن تطبيقها واقعيا - حتى عبر وسائل القوة- عبر تفاهمات مع جانب واحد، إسرائيل، وإغفال التفاوض مع الطرف الآخر، العرب والسلطة الفلسطينية.
الجانب العربى الذى يمثله الرئيس السيسى لم يفقد كل أوراقه التفاوضية بعد. تحديدا أن إدارة ترامب لا تفهم سوى لغة المصالح الاقتصادية والأمنية التى إذا أحسن استثمارها عربيا قد يشعر الناخب الأمريكى أن انحياز ترامب المطلق لإسرائيل قد يكون له ثمن فادح سينعكس بشكل مباشر على المواطن.