الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسباب تراجع البحوث والدراسات الإعلامية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تزال المسافة بين كثير من بحوثنا فى مجال الدراسات الإعلامية، وبحوث من سبقونا كبيرة بلا شك، وبالتأكيد لا يزال أمامنا شوط علينا أن نقطعه حتى نصل ببحوثنا إلى المستوى المنشود والمأمول. فالعديد من الأبحاث سواء كانت أطروحات جامعية أو أبحاث مقدمة إلى المنتديات والمؤتمرات العلمية، ينقصها العمق وتفتقر إلى المنهجية ويشوبها القصور فى العرض والتناول لما تعالج من مشكلات أو قضايا، وهذا التخلف البحثى مرده ليس إلى الباحثين فقط، وإنما يعود إلى ما يحيط بالعملية البحثية نفسها من معوقات، وإلى الظروف والنظم التى يعمل فى ظلها ومن خلالها القائم بالبحث الجامعى، خاصة ما يتطلبه من حسن التوجيه والرعاية، الأمر الذى يجعل المئات من رسائل الماجستير والدكتوراه التى يتم مناقشتها شهريا وربما أسبوعيا وأحيانا يوميا! بلا فائدة حقيقية بأى حال من الأحوال، ويكون مصيرها أرفف المكتبات تغوص فى بحر من الأتربة!
وربما كان النقص الفادح فى الأدوات الأساسية اللازمة لأى باحث إعلامى هى أبرز مشكلات الدراسات الإعلامية، وما يترتب على هذا النقص من سلبيات من أبرزها اضطرار الباحث إلى بذل جهد مضاعف للوصول إلى بغيته وعدم تحقيق الغاية المطلوبة من البحث كاملة، مع ضعف الاستقراء المنهجى وتهافته، والركون إلى التعميم والارتجال فى إصدار الأحكام، مع الاعتماد على التكهن بدلا من الاستنتاج العلمى والمنطق!
ومن أسباب تراجع البحث العلمى الإعلامى أيضا إغفال بعض الجوانب الحيوية من البحث، ربما لرغبة الباحث فى إنجاز بحثه بسرعة وتأكده من عدم جدواه مستقبلا، ومن أجل ذلك يتجه إلى اختيار موضوعات هامشية أو ذات دلالة عامة لبحثها، حتى يثبت صحة الفروض التى وضعها مسبقا فى بحثه! ناهيك عن عدم التوصل إلى «حصر» لكل ما يمكن أن يفيد البحث من مراجع الأمر الذى يؤدى إلى العجز عن استيفاء كل متطلبات البحث واستكمال ما يحتاج إليه من أسانيد، فمن المعروف أن هذه المراجع هى كتب لا تقرأ قراءة متواصلة، وإنما تستخدم من قبل الباحث كلما احتاج للحصول على جزء محدود من المعروفة، مثل القواميس بأنواعها ودوائر المعارف والأدلة والأطالس وغيرها، ورسائل الدكتوراه والماجستير والدوريات العلمية السابقة والحديثة، وهناك مراجع شاملة ومراجع تختص بحقل من حقول المعرفة كالفلسفة وعلم النفس والموسيقى والتاريخ والإعلام، وما أشد حاجتنا إلى هذه المراجع وغيرها فى المكتبة العربية الإعلامية، وتمثل هذه أبرز المشكلات التى تعانى منها أبحاثنا ودراستنا العلمية الإعلامية برغم مرور ما يقارب الثمانين عامًا على بداية الاهتمام بالدراسات الإعلامية.
ومن المعروف أن البحوث تسعى دوما إلى التعبير عن القيم السائدة وخدمة ودعم النظام الذى تعمل فى ظله، وفى كثير من الدول تستخدم هذه البحوث كأداة للضبط الاجتماعى، ومنذ عقود طويلة دأبت دوائر منظمة اليونسكو الدولية على ترديد مقولة «إن السياسات الإعلامية والقرارات الإعلامية الهامة تعتمد بصورة أساسية على المعلومات التى يمكن توفيرها من خلال البحوث».
كما استمرت الشكوى من نقص المعلومات حتى عندما شرع اليونسكو فى إنشاء لجنة تدعى «لجنة ماكبريد» والتى اكتشفت أنهم لا يعانون من نقص المعلومات فقط، وإنما المعلومات المتوافرة لديهم تتصف بعدم الشمول وعدم التوازن بسبب أنها تتضمن مناطق من العالم أكثر من غيرها، وتركز على جوانب معينة من العملية الاتصالية أكثر من سواها، بالإضافة إلى طرح تحليلات وتفسيرات ذات توجه أيديولوجى محدد مما أدى إلى توقفهم لدى تعميمات ثقافية إعلامية لم تصلح لتفسير وتحليل مختلف الظواهر الإعلامية السائدة حاليا ومستقبلا.. وغيرها من الأمور التى تحتاج إلى رؤية نقدية ذات فعالية لإعلامنا المصرى ودراساتنا وأبحاثنا التى شابها المجاملات أكثر من كونها ذات فعالية تخدمة أغراض البحث العلمى الذى يشهد يوما بعد يوم تدنى وانحدار غير مسبوق وفقا للمقولة الشهيرة «بأننى أسمع ضجيجا ولا أرى طحينا»! وهو ما يشير إلى ضرورة التكاتف من أجل إصلاح منظومة الأبحاث العلمية والدراسات الإعلامية بحيث تكون أكثر فعالية بدلا من المؤتمرات التى يصاحبها الضجيج والأصوات الزاعقة والعالية والدعوات لشخصيات عامة وفنية دون عائد حقيقى لصالح البحث العلمى الإعلامى فى بلادنا الحبيبة مصر.