الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النخبة ونموذج سيد قطب الانتهازي (12)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قام الضباط الأحرار بحل الأحزاب بقرار 173 لسنة 1952 بعد أن تأكدوا أن هذه الأحزاب تقودها تلك النخبة السياسية والإقطاعية والمالية التى لا يحكم فكرها ولا يحدد قرارها سوى مصلحتهم الذاتية التى جعلت هذه النخبة لا تملك أى رؤية سياسية أو حزبية حقيقية تنحاز للجماهير موضوعيًا وعمليًا بعيدًا عن الشعارات السياسية الفارغة من أى مضمون، خاصةً عند انتخابات البرلمان التى كان يسيطر عليها نظرية الرشوة الانتخابية المادية والعينية، هذا ولم يكن هناك فى الأساس حق الترشح والانتخاب لكل الشعب ولكن لطبقات ولفئات بذاتها.
كانت هذه النخبة قد جُبلت على هذا السلوك منذ قدم التاريخ المصرى الذى يقدس مقولة «عاش الملك مات الملك»، وذلك نتيجة للسلوك السلطوى المصرى القديم الذى كان يقوم فيه الحاكم بعد مجيئه بمحو كل آثار الحاكم السابق عليه، وكأن مصر وساستها وزعماءها لم يبدأوا إلا مع ذلك الحاكم، وقد ظهر ذلك جليًا طوال الفترة ما بين 1924 حتى 1952 عندما كان يصل أى حزب إلى الحكم عن طريق الأغلبية أو حتى عن طريق التغيير الوزارى لحزب الأغلبية عن طريق الملك وتشكيل الحكومة من أحزاب الأقلية، يقوم فورًا الحزب الحاكم بالتنكيل وقهر اتباع الأحزاب المنافسة ونقل كل المتابعين للمنافسين إلى أقاصى الصعيد خاصةً مديرية قنا، ولا شك فإن هذه السلوكيات الانتهازية التى لا علاقة لها لا بديمقراطية ولا ليبرالية نتيجة طبيعية لظهور هذه النخبة التى تحلقت حول الوفد الذى شُكل لمفاوضة الإنجليز للحصول على الاستقلال، وما كان من خلافات شخصية بين كل الزعماء على الزعامة والمصلحة الشخصية.
على ذلك اقتنع الضباط الأحرار بعدم صلاحية هذه النخبة السياسية والحزبية لأن تُمسك الحكم وتقود البلاد بعد اسقاط الملك، فكان حل الأحزاب ضرورة تبعتها ضرورة بقاء الإخوان حتى لا تخسر الثورة الشارع المصرى بكامله، ولكن لم تكن النخبة الحزبية غير الأخرى الإخوانية ولا أكثر نفعية ولا أعمق انتهازية منها، فحاول الإخوان السيطرة على الثورة اعتمادًا على أعضائها المشاركين فيها كفصيل مع باقى الفصائل التى تشكل منها تنظيم الضباط، إضافة لعلاقة البعض المباشرة وغير المباشرة بهذه الجماعة، وأن لم يكونوا فى التنظيم، حتى أنهم حاولوا استمالة محمد نجيب إلى صفهم فى مواجهة باقى الضباط، هنا كانت فكرة تكوين تنظيم حزبى يتسق ويتناسب مع الثورة حتى يتم خلق نخبة جديدة تتفق وتتوافق مع فكر الثورة الذى بدأ يتبلور ويتضح خاصةً بعد قانون الإصلاح الزراعى والقوانين الأخرى الجماهيرية، إضافة إلى التفاف الشارع حول الثورة، فكانت هيئة التحرير التى كانت تهدف إلى تجميع الشعب والنخب حول الثورة بشعار بسيط يتوافق مع المعطيات السياسية والثورية الجديدة، فكان شعار «الاتحاد والنظام والعمل» فأصبحت هيئة التحرير التنظيم السياسى الشعبى الوحيد، وحرص عبدالناصر فى خطاباته على تأكيد أن الهيئة ليست حزبًا سياسيًا يعود بالمغانم على الأعضاء أو يستهدف شهوة الحكم والسلطة، إنما هى أداة لتنظيم قوة الشعب، وقد لعبت هيئة التحرير دورًا مهمًا فى حشد الجماهير وربطت بين قيادة الثورة وبين الجماهير. هنا لا شك أن عمليًا قد توارت النخبة الحزبية والسياسية القديمة خاصةً الزعامات الكبيرة التى لم تعد تتوافق مع الجديدة أو تلك الزعامات التى تم توجيه التهم إليها على أنها أساءت للحياة الحزبية والسياسية، فكانت بوادر تشكيل نخبة جديدة من قطاعات وطبقات وفئات جديدة كانت فى السلم الاجتماعى والطبقى أدنى من تلك النخبة السابقة على الثورة، إلا أن هذا لم يمنع بعض النخب التابعة لما قبل الثورة والتى تجيد التعامل مع كل الأنظمة وكل العصور من المشاركة، هنا وللأسف دائما ما نفتقر إلى تلك النخبة التى تؤمن بأن دورها دور وطنى وفى صالح الوطن والجماهير، وأن دورها البذل والعطاء إلى آخر مدى، لكن واه من لكن هذه، فدائمًا نرى تلك النخب التى تؤيد وتوافق وتدعم من أجل مكسب ذاتى لا من أجل مبدأ وطنى وهدف قومي، فانضمت بعض النخب للثورة، ولنا فى سيد قطب نموذج لهذه النخبة فيما بعد الثورة، فقد كان سيد قطب أديبا معروفًا وكانت له مؤلفات لفتت الأنظار مثل كتاب «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» ذلك الكتاب الذى ترك أثرًا واضحًا فى فكر كثير من الضباط الأحرار مما خلق بين قطب وبعضهم علاقة ما، هنا التحم سيد قطب بالثورة ورجالها فأيدها وناصرها بل أطلق على الحركة المباركة، حسب قول محمد نجيب، إنها ثورة بالفعل وكان من أشد الكُتاب حماسة وتأييدًا.
طالب قطب أن تأخذ الثورة الإطار الدكتاتوري، فحين ظهر شعار عودة الضباط إلى ثكناتهم قال قطب «يا سيدى بدلًا من أن تسيروا فى هذا الطريق حتى نهايته، بدلًا من أن تضربوا الحديد وهو ساخن، بدلًا من تقتحموا أوكار اللصوص، آثرتم أن تنسحبوا إلى ثكناتكم وأن تتركوا الميدان لرجال السياسة الذين امتطى الملك الراحل ظهورهم واتخذهم أدوات لإذلال الشعب وإهانته»، وحين أرسل عبدالناصر إلى الإخوان طالبًا منهم حل تنظيمهم الخاص والانضمام إلى هيئة التحرير، فرفض الإخوان الحل والانضمام إلى هيئة التحرير، ولما كان قطب متوقعًا أن يكون له دور فى الثورة ونصيب فى الكعكة، وقيل تحديدًا أنه كان يأمل فى منصب وزير المعارف ولم يحدث ذلك، ولم يكن قطب فى هذا الوقت عضوا فى تنظيم الإخوان لكنه كان على علاقة بالإخوان والثورة معًا، وحين تأكد أنه لن ينال طموحه الشخصي، فاضل بين الإخوان والثورة فاختار الإخوان وصار واحدً منهم 1953 فى مواجهة الثورة، وأصبح قطب المنظر الأول للإرهاب وحتى الآن، هذا نموذج للنخبة التى لا تعرف وطن ولكن تعرف مصلحتها، وسنواصل فى المقال القادم بإذن الله.