الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السادات ومعركة السلام «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمناسبة حلول الذكرى الأربعين لمعاهدة السلام بين مصر وجدت أنه من الضرورى أن نتذكر بعض الأحداث التى دارت قبيل إبرام تلك المعاهدة والظروف التى أحاطت بها سواء داخل أو خارج مصر لنعرف كيف كان الرئيس السادات ذا رؤية سابقة لعصره ومعه مجموعة من المفاوضين المهرة وهو ما تأكد هذه الأيام بعد تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب بشأن الجولان السورية المحتلة. فعندما نعود بعقارب الزمن أكثر من أربعين عاما نجد أن المتابعين لأحداث الشرق الأوسط أدركوا أن مسألة النزاع العربى الإسرائيلى دخلت مرحلة جديدة مع زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون للقاهرة فى أبريل ١٩٧٤، فقد كانت توحى بطىّ صفحة وبدء صفحة جديدة، وهو ما ظهر فيما بعد فى زيارة الرئيس السادات للقدس عام ١٩٧٧، حينما صافح أعداء الأمس بعضهم أمام الكاميرات، وتغير المشهد الدولى وحبس العالم أنفاسه أمام تلك الزيارة.
جاءت الزيارة ومعها استقالة إسماعيل فهمى وزير الخارجية وتنحية محمود رياض الذى تشكك فيما يمكن أن تأتى به من ثمار، وإسناد وزارة الدولة للشئون الخارجية للدكتور بطرس غالى. وأبدى الرئيس السادات إصرارًا على استكمال عملية التفاوض، واستعادة الأرض بعد جمود استمر لنحو ٤ سنوات دون تغيير فى الوضع. وهو ما يعبر عنه وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط بقوله: «أصر الرئيس السادات على الإمساك بكل خيوط العملية السياسية والتفاوضية وعدم إعطاء الفرصة لإسرائيل للهروب من ضغوطها. خاصة أن المجتمع الدولى فى غالبية توجهاته عبّر عن دعمه القوى للمبادرة المصرية ودوافعها. حيث قرر السادات وقتها الاستعانة بكل الدبلوماسيين القادرين على التعامل مع العقليتين الأمريكية والإسرائيلية قانونيًا وسياسيًا، والمؤيدين فى نفس الوقت لفكرة التفاوض مع إسرائيل لاستعادة الأرض، ولذا طلب من الدكتور عصمت عبدالمجيد، مندوب مصر الدائم فى نيويورك وقتها، الحضور إلى القاهرة فورًا لرئاسة وفد مصر وكذلك مؤتمر السلام التحضيرى بالقاهرة. وهو المؤتمر الذى عُرف فيما بعد بمؤتمر ميناهاوس إشارة إلى الفندق الذى عُقد به يوم ١٥ ديسمبر ١٩٧٧. بدأ الإعداد للمؤتمر من الجميع بكل دقة حتى لا تغيب التفاصيل، ودُعى له كل من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والأردن، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وسوريا، ولبنان، والاتحاد السوفيتى، ورُفعت أعلام هذه الأطراف، لكن لم يحضر سوى الأطراف الثلاثة الأولى فقط وغابت كل الأطراف العربية والسوفيت، لقد رفض العرب خطوة عادوا لها بعد ذلك بسنوات طويلة كانوا فقدوا فيها كثيرًا من أوراق الضغط. يقول أبوالغيط عن اللقاء الأول مع الوفد الإسرائيلى: «طلب إلياهو بن إليسار، رئيس الوفد الإسرائيلى، فور وصوله الالتقاء برئيس الوفد المصرى، ووافق الدكتور عصمت عبدالمجيد. وعُقد اللقاء فى جناح رئيس الوفد المصرى، وجلس الإسرائيلى مشدودًا، ثم فتح حقيبة مستنداته التى كانت معه وأخرج ملفًا كبيرًا منها وقال إنه يسعده أن يقدم هذا المشروع لاتفاقية سلام مقترحة من قبَل إسرائيل إلى مصر، نظر إليه الدكتور عصمت عبدالمجيد ببرود شديد وقال له إن عليه إعادة الملف إلى حقيبته وإغلاقها وإنه غير مخوّل باستلام أى وثائق من الجانب الإسرائيلى لأن هدف هذا المؤتمر التحضيرى فى ميناهاوس هو الإعداد للشق التنظيمى والإجرائى للعودة إلى اجتماع السلام امتدادًا لمؤتمر جنيف وليس مناقشة مضمون أو محتوى السلام المصرى الإسرائيلى أو أى معاهدة إسرائيلية مصرية للسلام». كان المقترح الإسرائيلى للسلام، الذى رفض الدكتور عصمت عبدالمجيد تسلمه، يحمل الكثير من الأفكار السلبية التى اعتاد الإسرائيليون التعامل بها مع العرب، حيث تضمّن توقيع معاهدة سلام تسعى لتطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وعدم التهديد بالدخول فى الحرب مستقبلًا وأن تعترف كل دولة بحق الأخرى ودول المنطقة فى السيادة والاستقلال داخل حدود آمنة ومعترف بها، وإعلان الجانبين إنهاء حالة الحرب، والاتفاق على الحدود بين مصر وإسرائيل وفق بروتوكول وخريطة تلحقان بالمعاهدة. وكشفت هذه الفقرة أن إسرائيل كانت، وحتى بعد مبادرة السادات وضربة أكتوبر ١٩٧٣، تتصور أنها يمكنها تغيير خط الحدود المصرية أو الحصول على أراض من مصر تحت ضغط الغزو، إلا أن مصر أكدت فى بيانها فى الجلسة الوحيدة للمؤتمر يوم ١٥ ديسمبر على الانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة طبقًا للقرار ٢٤٢ وتأمين حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير وحق جميع الدول فى المنطقة فى العيش فى أمن وسلام، ورد الجانب الإسرائيلى بطرح كل عناصر معاهدة السلام المقترحة من جانبه، وانتهى الاجتماع دون نتائج، وعُقد بعدها بأيام مؤتمر بالإسماعيلية بين السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، سبقه اختيار السادات للسفير محمد إبراهيم كامل وزيرًا للخارجية. ويأتى مؤتمر الإسماعيلية يوم ٢٥ ديسمبر مؤكدًا على إصرار الإسرائيليين على التعامل باستخفاف مع الجانب المصرى، ما تبين حينما عرضوا نفس المبادرة السابقة لهم مع تعديل بسيط فيها، مفاده انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وكانت أول إشارة لاعتراف إسرائيل بهذه الحدود الدولية منذ عام ١٩٦٧، ويتم هذا الانسحاب على مرحلتين: أولاهما الانسحاب إلى خط العريش- رأس محمد شرق العريش وإلى الغرب من رأس محمد، والثانية هى الانسحاب إلى خط الحدود الدولية المشار إليها مع إتمام هذا الانسحاب الأخير فى خلال فترة من ٣ إلى ٥ سنوات من يوم توقيع المعاهدة، وهو ما يمكن أن نفسره بأن إسرائيل كانت تناور دائمًا لتحقيق هدف آخر، ألا وهو البقاء فى الأرض والمراوغة حول عدم ضرورة الانسحاب منها، إذ نصّ المقترح على بقاء القواعد الجوية الإسرائيلية الموجودة على أرض مصر فى سيناء بين خط العريش- رأس محمد والحدود الدولية المصرية مع فلسطين تحت الانتداب (إسرائيل)، وهى القواعد الجوية التى ضُربت ضربات مبرحة من قبَل مصر فى عام ١٩٧٣- القاعدة الجوية «أتزيون»، وكذلك «إيتام وأوفيرا»، وكذلك الإبقاء على محطات الرصد الإلكترونى فى جبل حلال وجبل حريم مع تأمين وجود قوات متحركة بحرية وبرية داخل الأراضى والمياه المصرية الإقليمية، ويصل بعد ذلك المشروع الإسرائيلى لمعاهدة السلام مع مصر إلى قمة التبجح؛ حيث ذكر أنه وبعد الانسحاب وتنفيذه حتى الخطوط الدولية، هكذا، فإن الوجود الاستيطانى الإسرائيلى فى هذه المنطقة، وهو مدنى الطابع، سيبقى على أرض مصر فى ظل وجود الأمم المتحدة التى ستقيم وجودها فى منطقة منزوعة السلاح بين الخطين المشار إليهما بعاليه (أى بين رأس محمد- العريش والحدود الدولية)، كما ستحتفظ هذه المستوطنات المدنية بقوة دفاعية على أرض مصر لحماية نفسها وسيخضع هذا الوجود للقانون الإسرائيلى، والمحاكم الإسرائيلية، ويستمر المقترح الإسرائيلى فى هذا الاستخفاف فيشير لحق المدنيين الإسرائيليين والعرب المقيمين فى سيناء بحرية الحركة فى المنطقة الخاضعة للأمم المتحدة وقواتها التى لا يمكن إخراجها من سيناء إلا بموافقة الجانبين المصرى، والإسرائيلى ومع صدور قرار إجماعى من مجلس الأمن باتخاذ هذه الخطوة. بالطبع رُفضت تلك الاقتراحات الإسرائيلية، وهنا نلفت النظر إلى أن ما رفضه الفلسطينيون فى العام ١٩٧٧ هو ما عادوا لأقل منه فيما بعد ذلك، ما يستحق التوقف منا لفهم مبررات الرئيس السادات فى الإصرار على توقيع المعاهدة مع إسرائيل وفكّ جمود الموقف الذى دام ٤ سنوات بعد حرب ٧٣، وكما يُفهم من كتاب «شاهد على الحرب والسلام»، كان السادات يستشعر تراجع الموقف العربى فى مساندة الاقتصاد المصرى بعد الحرب، بل إنه غضب من أسلوب المعاملة الذى تعرض له بعض مبعوثيه فى دول عربية عند طلب الدعم للاقتصاد المصرى ومشروعاته الطموحة، فى الوقت الذى أكدت له مظاهرات ١٨ و١٩ يناير حالة الاستنفار فى المجتمع المصرى والحاجة للإسراع فى برامج التنمية الاقتصادية لحماية الجبهة الداخلية، إضافة إلى سبب آخر يتعلق بالعدو ذاته ألا وهو وصول حزب الليكود إلى الحكم فى إسرائيل، يتبع....