الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تغطية الصحفيين للأحداث الصادمة واضطراب ما بعد الصدمة «4»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجرت د. رحاب محمد أنور مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا دراسة مهمة للتعرف على العلاقة بين تغطية المحررين والمصورين الصحفيين للأحداث الصادمة واضطراب ما بعد الصدمة لديهم. 
كشفت الدراسة عن اتجاهات المبحوثين نحو القيام بتغطية مزيد من الأحداث الصادمة، حيث تصدر شعور صحفيى الأخبار ببعض الضيق النفسى بعد تغطية أحداث صحفية صادمة، وهو ما يعكس وعى الصحفيين بطبيعة مهنتهم وقناعتهم بمحاولة التكيف معها لأنه لا جدوى من غير ذلك، وتلاها وبفارق كبير باقى العبارات التى اختلف حولها المبحوثون، ففى حين حصلت عبارة «أشعر بالاستعداد لمقابلة أفراد عائلة شخص توفى مؤخرًا نتيجة حادث مأسوي»، نجد عبارة « أنا لا أحب فكرة إجراء مقابلات مع ضحايا الصدمات أو أقاربهم» تليها مباشرةً، ويليها «ليس لدى استعداد لتغطية أى أحداث تتعلق بموت عنيف لأشخاص، ثم «لا أمانع فى إجراء مقابلات مع ضحايا هذه الأحداث»، وجاء فى المرتبة الأخيرة «لا أمانع فى تغطية مثل هذه الأحداث الصادمة مرة أخرى». 
وفيما يتعلق بتوزيع المبحوثين من حيث اتجاهاتهم نحو القيام بتغطية مزيد من هذه الأحداث، اتضح من الدراسة أن قُرابة نصف المبحوثين (44،6%) اتجاههم محايد نحو استعدادهم لتغطية مزيد من هذه الأحداث، ربما من منطلق أنه عملهم وسوف يؤدونه سواء رغبوا فى ذلك أو لم يرغبوا، فى حين أن (28،5%) منهم اتجاههم سلبى ولا يرغبون فى تغطية مزيد من مثل هذه الأحداث، وهو أمر طبيعى فما يتعرضون له من مواقف وما يشاهدونه من مشاهد إضافة لتأثيرات ذلك النفسية عليهم مؤكد تجعلهم لا يريدون القيام بتغطية مثل هذه الأحداث مرة أخرى، إلا أن ربع العينة (26،9%) منهم لديهم اتجاه إيجابى نحو تغطية مزيد من هذه الأحداث، وربما هذا يأتى أيضًا لقناعتهم بأنه عملهم وأن هذه تبعاته ولا مفر من القيام به مهما كانت التبعات التى يتعرضون لها. 
وتبين من الدراسة أيضًا أن أكثر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة ظهورًا بين المبحوثين هى الأعراض الخاصة بالاستثارة المفرطة والمتعلقة بشعور المبحوث أنه أكثر عصبية وتوتر بعد تغطيته لهذه الأحداث، وأنه يجد صعوبة فى الدخول فى النوم أو الاستمرار فيه، وشعوره بأنه فى حالة تأهب قصوى أو مراقبة معظم الوقت، وفزعه بسرعة عند حدوث أى شيء فجأة، وهى نتيجة منطقية فربما تكون هذه الأعراض أبسط آثار التعرض لمثل هذه الأحداث، وتلاها ظهور أعراض التعديلات السلبية فى الإدراك والمزاج والمتمثلة فى وجود مشاعر سلبية قوية كالخوف والغضب لدى المبحوث، وعدم شعوره بالسعادة بل شعوره دومًا أنه حزين، وبأنه ليس لديه القدرة على حب الأشخاص المقربين، وبأنه لن يعيش طويلًا، إضافة لشعوره بالانفصال عن أصدقائه والآخرين، وفقدانه الاهتمام بالأشياء التى اعتاد على التمتع بها.
وجاء فى المرتبة الثالثة أعراض تكرار الحدث كأن تطارده ذكريات متكررة مزعجة أو أفكار أو صور مرتبطة بأحداث صادمة قام بتغطيتها من قبل، أو أن تطارده أحلام متكررة ووكوابيس مقلقة مرتبطة بأحداث صادمة قام بتغطيتها، أو أن ينتابه فجأة شعور كما لو أن الحدث الصادم الذى قام بتغطيته يحدث مرة أخرى، أو أن يشعر بآلام جسدية كــ(زيادة فى معدل ضربات القلب، أو صعوبة فى التنفس، أو تصبب للعرق) عند التفكير فى أى من الأحداث الصادمة التى قامت بتغطيتها أو حتى تذكرها.
واتضح أيضًا أن قُرابة نصف العينة يعانون من معدل متوسط لاضطراب ما بعد الصدمة (43،1 %) منهم، مقابل (30 %) فقط يعانون من معدلات منخفضة لاضطراب ما بعد الصدمة، فى حين يعانى ربع العينة تقريبًا (26،9 %) من معدلات مرتفعة لاضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يعكس التأثير الكبير لتغطية الأحداث الصادمة على نفسية الصحفيين سواء كانوا محررين أو مصورين صحفيين. 
وحول أساليب مواجهة المبحوثين للضغوط النفسية التى قد يتعرضون لها بعد تغطيتهم للأحداث الصادمة، تشير نتائج الجدول السابق إلى تصدر محاولتهم التكيف مع ما يشعرون به الترتيب الأول حيث وافق جدًا على هذه العبارة (67،7%) من المبحوثين، ووافق عليها (17،7%) منهم، ووافق إلى حد ما (10%) منهم، وهو ما يعنى أن ما يزيد عن (85%) من المبحوثين يتفقون على هذا وهو ما يعزز فكرة إيمان الصحفيين بأن ما يتعرضون له من آثار نفسية إنما هو جزء من تبعات مهنتهم وبالتالى فليس أمامهم- كمرحلة أولى- سوى محاولة التكيف مع ما يشعرون به بعد تغطيتهم للأحداث الصادمة.
وجاء فى المرتبة الثانية عبارة أشعر دومًا أن حظى سيئ عندما أواجه مثل هذه الضغوط حيث وافق على هذه العبارة (91،5%) من العينة ما بين موافق جدًا وموافق وموافق إلى حد ما، وجاء فى المرتبة الثالثة عبارة «أتجه إلى الله عندما أواجه مثل هذه المشاكل والضغوط» ووافق على هذه العبارة أيضا ما يقارب (90%) من المبحوثين، وتلاها عبارة «أستسلم لهذه الآثار النفسية ولا أحاول تقليل حدة ما أشعر به»، ثم جاءت فى المرتبة الخامسة عبارة «أنغلق على نفسى عندما أواجه مثل هذه الضغوط»، تلاها وبفارق بسيط عبارة «أُفرّغ ما أشعر به من ضغوط نفسية فى الآخرين»، ثم عبارة «أحاول أن أفكر فى بعض الأشياء التى تشعرنى بالسعادة وتسمح لى بالاسترخاء»، وتلاها عبارة «أحاول أن أفعل بعض الأشياء التى تشعرنى بالسعادة»، وتلاها «أتخذ موقفًا هادئًا ومتفائلًا للتفكير فى كيفية التعامل مع ما أشعر به»، تلتها عبارتان حصلتا على نفس المتوسط «أقول لنفسى الصبر» و»أحاول إعادة ترتيب عقلى أو ضبطه لأشعر نفسى أننى أكثر سعادة»، ثم جاءت عبارة «أفعل أشياء عادية مثل مشاهدة التليفزيون أو قراءة القصص المسلية أو الاستماع إلى الموسيقى أو النوم أو الأكل فى محاولة لنسيان ما أشعر به مؤقتًا»، وتلاها عبارتا «اعتبر ما أشعر به نوع من التحدى لذاتي» و»أنا معتاد على ترك ما أشعر به جانبًا وعدم التعامل معه فى وقته»، ثم « ألجأ للتحدث مع زملائى أو أصدقائى عما أشعر به بعد تغطيتى لهذه الأحداث الصادمة، وجاء فى المرتبة الأخيرة وبفارق ملحوظ عبارة «أتجه إلى الأكل واستمتع به للتخفيف من حدة ما أشعر به». 
وتعكس هذه النتائج فكرة قناعة الصحفيين بأن ما يتعرضون له من آثار نفسية إنما هو جزء من تبعات مهنتهم، وبالتالى فغالبيتهم لا يحاولون جديًا التخفيف من حدة ما يشعرون به من ضغوط حيث جاءت فى المراتب الأولى عبارات أنهم يحاولون التكيف مع ما يشعرون به بعد تغطيتهم للأحداث الصادمة.