الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثقافة الببغاوات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا فى مقالات سابقة عن الشائعات وتأثيراتها، فقد توغلت فى مجتمعنا حاليًا بشكل مخيف بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وتضخم دور «السوشيال ميديا» التى أصبح لها تأثير بالغ الخطورة، وهو ما يلعب عليه جماعة الإخوان عبر الاستعانة بـ«فيسبوك» و«تويتر»، وفى أحيان كثيرة يلجأون لأسماء وهمية فى نشر الأخبار الكاذبة والشائعات ضد القطاعات المختلفة بالبلد من أجل تنفيذ مخططهم بنشر الفوضى وتفكيك وحدة الشعب، من أجل تدمير وطننا، وتخريبه فكريًا ونفسيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
وقد تفاجأت الأسبوع الماضى، بسيل من الرسائل على الخاص بـ«فيس بوك» بعث بها أصدقاء، سأنشر جزءًا منها مفاده الآتى: «هذه الرسالة هى إعلام جميع مستخدمينا، أن خوادمنا كانت مزدحمة للغاية فى الآونة الأخيرة، لذلك نحن نطلب منك مساعدتك لحل هذه المشكلة.. نطلب من المستخدمين النشطين إعادة توجيه هذه الرسالة إلى كل الأشخاص الموجودين فى قائمة جهات الاتصال الخاصة بك من أجل تأكيد مستخدمى الـFacebook النشطين، وإذا لم تقم بإرسال هذه الرسالة إلى جميع جهات الاتصال الخاصة بك على فيسبوك، سيبقى حسابك غير نشط مع نتيجة فقدان جميع your cont نقل هذه الرسالة.. سيتم تحديث هاتفك الذكى خلال الـ٢٤ ساعة المقبلة، وسيكون له تصميم جديد ولون جديد للدردشة».
وبمجرد أن قرأت الرسالة الهلامية الفيسبوكية، التى لاقت تصديقًا من عدد كبير من مستخدمى فيسبوك فى مصر، كانت دهشتى الشديدة لأمرين:
أولًا: الركاكة الشديدة فى صياغة الرسالة، وسألت نفسى، إذا كان الكابتن «مارك زوكربيرج» المالك لـ«فيسبوك» يريد أن يبعث برسالة تحذيرية لمستخدمى منصته، فلا بد أن تكون معلنة، وليست سرية عبر «الخاص»، وأن تكون الصياغة جيدة، ومتماسكة، كونها تعبر عن كيان، المفترض كبير!
ثانيًا: الرسالة رسخت وبكل لغات العالم، أننا نفتقد فضيلة إعمال العقل على منصة «فيسبوك»، ونخضع وبإرادتنا لغسيل مخ شرس، والوقوع أسرى الشائعات والأكاذيب، ثم وهو الأخطر، المشاركة بفاعلية فى الترويج لها، والتعامل معها باعتبارها حقائق مسلمًا بها، وهو الأمر الذى تستثمره بشكل جيد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والحركات الفوضوية، لمصلحتها فى تأجيج الأوضاع فى مصر.
رسالة «خوادمنا» التى انتشرت انتشار النار فى الهشيم، للأسف وقع فى شِراك الترويج لها، شخصيات مثقفة، وقامات كبرى، ما شكل صدمة عنيفة، خاصة أن الرسالة «الخزعبلية الهلامية» أعقبت بوست تعيين المهندس محمد وجيه عبدالعزيز وزيرًا للنقل، وتعاطى معها شخصيات عامة بارزة، وأبواق إعلامية كبرى، باعتباره خبرًا حقيقيًا، رغم أن الرجل توفاه الله منذ ١٠ سنوات، وأن ابنه لجأ لهذه الحيلة ليكشف كوارث مواقع السوشيال ميديا فى الترويج للأكاذيب والشائعات، دون تحقق وتأكد.
الشاهد هنا أن الجالسين خلف الكيبورد، يتصفحون، مواقع التواصل الاجتماعى، «تويتر، فيسبوك»، ويبحثون عن شائعة أو فيديو أو صورة فوتوشوب، للترويج لها، والتعاطى معها على أنها حقائق، دون تدقيق، فى تقمص شديد لدور الببغاوات.
نعم، سمات الببغاوات إنها تردد ما تسمعه فقط، دون تفكير أو تدبير، بينما هناك عدو متربص كل مهامه فى الحياة، الجلوس خلف الكيبورد، واللهث وراء المتناقضات، والشائعات التى تصب فى نفس اتجاهاتهم، وميولهم، فالكارهون للقوات المسلحة المصرية، يروجون الأكاذيب والشائعات المسيئة لها، دون وازع من ضمير وطنى، أو الإحساس بالمسئولية تجاه أمن بلادهم القومى.
بالفعل هناك عوامل كثيرة أثرت فى توغل تلك الشائعات، على رأسها غياب الوعى الإعلامى وضعف المناهج الدراسية وأيضًا ضعف رسالة رجال الدين وفشل المؤسسات السياسية فى تنمية الولاء والانتماء لدى الشباب، فالإعلام تقع عليه المسئولية الأكبر فى هذا الملف الشائك، ومن هنا يجب على القنوات الفضائية والصحف ألا تجرى خلف الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، وأيضًا التعليم يجب أن يلعب دورًا مهمًا بتوعية التلاميذ عبر مناهج رسمية بخطورة الشائعات، وطبعًا المؤسسات الدينية لا بد أن تعمل على كيفية ترسيخ فكرة وجود القدوة التى يتعلم منها الشباب صحيح الدين والأخلاق الحميدة وحب الوطن، كما أن المؤسسات الحكومية عليها دور كبير يأتى من أهمية التصدى أولًا بأول لسلاح الشائعات الذى يأتى لنا من الخارج بهدف خلق جو من التشكيك فى القيادة السياسية، وتحويل القضية إلى حالة غضب فى الشارع.
لا شك أن ترويج الأكاذيب والشائعات والخرافات، على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك وتويتر وإنستجرام»، تستهدف العقل الجمعى المصرى، وإصابته بتشويش خطير، ومراقبة كل خطأ مهما كان حجمه، ومهما كان مجاله، لتحويله إلى أزمة خطيرة، مع وضع بهارات الإحباط والتشكيك والتسخيف، والعمل على تدمير جينات الانتماء للوطن، ليصير المواطن أسيرًا للإحباط، ومن ثم يصبح رقمًا مهمًا فى معادلة الهدم وإثارة الفوضى.
فحملات صناعة الأزمات، متلاحقة ومكثفة، وضاغطة بشكل مرتب ومغلفة بدهاء وخبث شديدين، ومقدمة فى شكل جرعة الخوف على مصلحة المواطن، ومستقبل أبنائه، وتوعيته من السقوط فى مستنقع الكذب والخداع الذى تمارسه الحكومة، وتصدير أن الدولة تهتم بالأغنياء فقط، وتزيد من أعباء البسطاء والغلابة.
والخيبة الثقيلة، أننا نتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى باعتبارها بيتنا وعائلتنا، وأملاك خاصة، وليست عامة، ودون إدراك حقيقى أن هناك لجانًا لأجهزة استخباراتية معادية، بجانب لجان الجماعات والتنظيمات الإرهابية، يقطنون هذا الكيان الفضائى، يحاولون استدراج الجالسين خلف الكيبورد، ويدسون لهم السم فى عسل الكلام، دون أن يدروا كونهم يتمتعون بقدرات فائقة ومبهرة على الإقناع.
«خوادمنا».. مصطلح كشف جهلنا، وأننا نحفظ ولا نفهم أو نتحقق، ولذلك أدعوكم ونفسى إلى إعلاء شأن فضيلة إعمال العقل، والتحقق من المعلومة، وعدم تصديقها أو المساهمة فى ترويجها.
وعلينا أن نعلم أن الانتماء الحقيقى لا يأتى بالخطب ولا بالشعارات الجوفاء، وإنما هو سلوك فعلى، لكى ندفع الشباب للانتماء لا بد أن تكون لديهم قدوة على مستوى الثقة والوطنية والتماسك والحب، لأن التصدى لشائعات الجماعات الإرهابية والجهات الخارجية لن يأتى إلا عن طريق خلق شباب واعٍ منتمٍ لوطنه يهتم بالمستقبل الذى يهدف إلى التنمية والبناء.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها