الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأزهر ضمير الأمة المصرية.. الشيخ الطيب رفض المشاركة في الجمعية التأسيسية لدستور الجماعة.. واعتبر معارضة مرسي جائزة شرعا

شيخ الأزهر والرئيس
شيخ الأزهر والرئيس المعزول والأزهر الشريف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعاد البيان الصادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في ٢٦ فبراير ٢٠١٩، بشأن الرد على بيان القصاص الصادر عن جماعة الإخوان الإرهابية إحياء فكرة دور المؤسسات الدينية في مواجهة الحركات السياسية، التي تتكئ على تفسيراتها الخاصة للنصوص الدينية إلى الواجهة؛ حيث وسم البيان جماعة الإخوان بالإرهابية، في أعقاب البيان الذى نشرته الجماعة على موقعها الإلكتروني بشأن القصاص للتسعة الذين تم إعدامهم في قضية اغتيال المستشار هشام بركات.


وتحاول أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها إضفاء مبدأ التقديس على زعمائها، وهو ما يظهر عند مراجعة أدبيات الجماعة فى وصف مؤسسها «حسن البنا» الذى يحتكر لقب «الإمام»؛ إذ لم تُطلِق الجماعة هذا اللقب على أيٍ من قادتها فيما بعد، وأطلقت لفظة «فضيلة» لمن يتولى منصب المرشد العام. من الناحية الأخرى، ترى عدد من التحليلات السوسيولوجية أن إلصاق الفضيلة بالمرشد العام يتصل بمزاحمة الجماعة لموقع شيخ الأزهر باعتباره أعلى مرجعية دينية للإسلام السنى فى العالم؛ إذ ينفرد كذلك بلقب «فضيلة الإمام». 
وقد جاءت فكرة القداسة لدى التنظيم بشكلٍ مقصود، لضمان إرساء قاعدة الهيراركية داخل صفوف الجماعة، والتى تعتمد بشكلٍ كبير على إعلام قيم الولاء والبراء والطاعة للقيادات العليا. ورغم أن ترسيخ مبدأ التقديس أسهم بشكلٍ كبير فى تحقيق التماسك الداخلى لدى التنظيم، ولكنه فى الوقت نفسه عزز من فكرة الاستكانة وتراجع الاجتهاد، والاتجاه نحو التجمد الفكري؛ إذ لم يشهد فكر الجماعة تغييرًا جذريًا مقارنة بالحركات الإسلامية الأخرى فى الوطن العربى كالمغرب وتونس. ويُعد تراجع الاجتهاد وغياب التجديد من أكبر المشاكل التى تواجه الحركة خلال الثلاثة عقود الأخيرة. 
وعلى العكس من ذلك، يتسم الفكر الأزهرى بالتجديد والمراجعة الدورية للأحكام والتفسيرات لقولبتها وفق الظروف والأحداث التى تستجد على مجتمع المسلمين. ويُعد الاجتهاد أبرز ما يميز الأزهر عن التنظيمات الإسلامية الأخرى التى تغرق كثيرًا فى كتب التراث، والاجتهادات والآراء الفقهية للجيل الأول من الأئمة والفقهاء.

محطات توتر 
ينظر تنظيم الإخوان للأزهر على أنه منافس لهم؛ إذ يحسبونه على السلطة السياسية، وهو ما جاء صراحة على لسان القيادى الإخوانى «حمدى حسن»، الذى وصف الأزهر بأنه مختطف فى عهد الشيخ «أحمد الطيب»، والمحاولات التى قام بها التنظيم بعد ٢٥ يناير لتحجيم دور الأزهر مثل محاولات عزله بعد حادثة التسمم فى المدن الطلابية لجامعة الأزهر، وكذلك محاولتهم تطبيق قانون العزل السياسى عليه.
ونرصد محطات التوتر فى العلاقة بين الأزهر وجماعة الإخوان وصولًا إلى بيان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الذى اعتبر – ولأول مرة- الحركة تنظيمًا إرهابيًا، وربط بشكلٍ جلى بين دعوة الإخوان لمقاومة الدولة وسلطاتها، وأفكار تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذى يتبنى فكرة هدم الدولة القومية.
١- معارضة تحصين منصب شيخ الأزهر فى ٢٠١٢: 
سارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة قُبيل انعقاد مجلس الشعب ٢٠١٢ بإصدار مرسوم بقانون رقم ١٣ لسنة ٢٠١٢ بتعديل قانون الأزهر رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١، وبموجب هذا المرسوم، بات منصب شيخ الأزهر محصنًا باعتباره منتخبًا من هيئة كبار العلماء وليس معينًا من مبارك، وهو ما أفشل خطط جماعة الإخوان لعزل الشيخ «الطيب» الذى طالما اعتبروه جزءًا من نظام مبارك. وقد أثار التعديل وقتها حفيظة حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان كونه تم قبل انعقاد مجلس الشعب الذى يمتلكون أكثريته بثلاثة أيام. 
٢- محاولات عزل الطيب 
شعر شيخ الأزهر منذ فوز حزب الحرية والعدالة وحلفائه بأكثرية مجلسى الشعب والشورى، وهيمنتهم على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بمحاولة جماعة الإخوان الهيمنة على الأزهر بغرض تطويعه لمصلحتهم، وكذلك النيل منه شخصيًا باعتباره يقف حجر عثرة أمام خططهم للهيمنة على المؤسسة، وهو ما ظهر فى محاولتهم تطبيق قانون العزل السياسى عليه باعتباره كان عضوًا فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى قبل ثورة يناير ٢٠١١. إضافة إلى ذلك، عمد الإعلام المحسوب على جماعة الإخوان وقتها إلى التضخيم من مشكلات تسمم الغذاء بالمدن الطلابية لجامعة الأزهر، ووصلت الحملة وقتها حد مطالبة العناصر المحسوبة على التيار الإسلامى وقتها شيخ الأزهر بالاستقالة من موقعه.
يُضاف إلى ذلك، تعمد القائمون على البروتوكول بمؤسسة الرئاسة التقليل من شأن شيخ الأزهر فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، والتى شهدت حلف الرئيس المعزول «محمد مرسي» لليمين القانونية. وفوجئ الشيخ «الطيب» بعد حضوره للقاعة بأن المقعد المخصص له لا يليق بمقام المشيخة، ولا بوضع الإمام الأكبر وهو بدرجة رئيس وزراء مما اضطره للانسحاب من الحفل.
٣- رفض قانون الصكوك الإسلامية
وقف الأزهر بحسم فى وجه قانون الصكوك الإسلامية الذى عملت عليه وزارة المالية بحكومة المهندس «هشام قنديل». وكانت معركة الصكوك من أبرز القضايا التى شهدت خلافًا بين الأزهر والإخوان ؛ إذ حاولت الجماعة تجاوز الأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد وقتها بإصدار صكوك إسلامية مقابل الأصول المملوكة للدولة، وهو ما اعتبره الأزهر وقتها مخالفًا للشريعة الإسلامية. ووصل الأمر فى معركة الصكوك إلى تدخل «مرسي» وقتها، مؤكدًا أن اقتصاد السوق لا يتعارض مع الصكوك الإسلامية.
٤- الانسحاب من الجمعية التأسيسية الأولى
أثار انسحاب الأزهر من الجمعية التأسيسية الأولى غضب الجماعة على الأزهر. وانسحب الأزهر من تأسيسية الدستور مع الكنيسة المصرية، ولأسباب تتعلق بمحاولات تهميشه لصالح أعضاء حزب الحرية والعدالة الذين عمدوا إلى قاعدة المغالبة لا المشاركة والتوافق. واعتبر الأزهر وقتها أن مشاركته فى الجمعية التأسيسية لا تعكس أجندة سياسية للمؤسسة بل تهدف إلى تحقيق السلام وتغليب المصلحة العليا للبلاد، والشعب المصرى بمختلف طوائفه وأيديولوجياته.
٥- مشاركة شيخ الأزهر فى بيان ٣ يوليو
اعتبرت جماعة الإخوان مشاركة الشيخ «الطيب» فى مشهد ٣ يوليو ٢٠١٣ طعنة لها؛ حيث اتهمته بالمشاركة فى مشهد عزل «مرسي»، وهو ما نفاه الأزهر وقتها معتبرًا أن مشاركته جاءت حقنًا للدماء، وتغليبًا للمصلحة العليا للبلاد بتجنيبها الوقوع فى خطر الحرب الأهلية. واصطدمت الجماعة بموقف الأزهر من مظاهرات ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الذى طالما حاولت تطويعه لمصلحتها خلال العامين التاليين للثورة؛ إذ أصدر الأزهر بيانًا قُبيل انطلاق مظاهرات ٣٠ يونيو للرد على دعوات تكفير المعارضين، وتحريم مشاركتهم ضد نظام الحكم وقتها، واعتبر بيان الأزهر أن معارضة الحاكم جائزة شرعًا طالما ارتبطت بالسلمية والبعد عن العنف.

التصعيد ضد الجماعة
شكَّل بيان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف صدمة لجماعة الإخوان باعتباره أول وثيقة صادرة عن إحدى هيئات الأزهر الشريف توسم الجماعة بالإرهاب، وهو ما ردت عليه الجماعة بإنكارها البيان الذى نشرته على موقعها الرسمى بعنوان «رسالة الإخوان: عزاء مؤجل، وقصاص مستحق».
واعتبر الأزهر بيان الجماعة عن القصاص والعزاء رسالة مبطنة للشباب لمواجهة سلطات الدولة الرسمية. واعتبر بيان مرصد الأزهر أن الجماعة تسير على خطى تنظيم داعش، والتنظيمات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة والتى تعمل على نشر الفوضى، وتهديد الأمن والأمان فى مصر. وتعرض بيان مرصد الأزهر إلى من يقف وراء الجماعة بالمال والسلاح، ويُعد هذا البيان مختلفا فى جوهره وملامحه؛ إذ تحدث بشكلٍ مباشر عن خيانة الجماعة للوطن. 
ودائمًا ما اعتبر الإخوان أن الأزهر وشيوخه يشكل عثرة أمام رواج فكر الجماعة لذا عمدوا بعد ٢٠١١ إلى محاولة سحب البساط من الأزهر وتحجيم دوره من خلال محاولات النيل من الإمام الأكبر نفسه. فى السياق ذاته، اعتبر الشيخ «محمد مختار جمعة» وزير الأوقاف أن بيان مرصد الأزهر عن جماعة الإخوان تاريخي؛ حيث كشف بين الزيف والضلال، وفرَّق بين الشهادة فى سبيل الله وترويع الآمنين.
ختامًا؛ يُمثل الأزهر الشريف ضمير الأمة المصرية، وذاكرتها التاريخية؛ إذ شارك فى محاولة الاحتلال الفرنسى لمصر فى ثورتى القاهرة الأولى والثانية، وانطلقت من على منبره مقاومة الاحتلال البريطاني، وما تلا ذلك من حروب فى تاريخ مصر المعاصر. وقد أكدت أحداث ٢٠١١ الدور الوطنى الذى لعبه الأزهر لدعم الوحدة الوطنية، وتأكيد مفهوم المواطنة والدولة المدنية.