الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

عضو "المصري للشئون الخارجية": مصر تستطيع التصدي بنجاح لكل القضايا

اللواء محمد ابراهيم
اللواء محمد ابراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكد اللواء محمد إبراهيم عضو المجلس المصري للشئون الخارجية أن مصر تمتلك من الإمكانيات الكثير الذي يمكنها من التصدي بنجاح لكافة القضايا المهمة التي يمكن أن تتعرض لها، وذلك في إطار معادلة بسيطة وهي الإرادة القوية مع الإدارة الواعية، وهي معادلة ليست صعبة أو مستحيلة ما دام الهدف الوطني محدداً والتحرك يتم بشفافية ومصداقية وبرؤية وخطة واضحة.
واستشهد اللواء محمد إبراهيم، في هذا الصدد، باسترداد مصر لجزء غال وعزيز من ترابها الوطني، هو طابا، والتي يعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي بالطرق القانونية، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس عام 1989، أحد الإنجازات التي حققتها مصر ببراعة وتفان وخبرة قانونية وسياسية فريدة وصبر ومثابرة وإصرار.
جاء ذلك في مقال تحليلي نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بمناسبة الذكرى الثلاثين لاسترداد طابا التي تحتفل مصر بها في 19 مارس من كل عام، وأوضح خلاله اللواء محمد إبراهيم أبعاد تلك القضية والحنكة التي تفردت مصر بها حتى انتصرت في هذه المعركة القانونية والسياسية وانتزعت هذا الجزء العزيز من ترابها الوطني في 19 مارس عام 1989، مؤكدا أهمية الدروس المستفادة من هذا النصر وهذا الإنجاز.
وقال اللواء محمد إبراهيم، الذي كان عضوًا باللجنة المصرية القومية العليا التي اضطلعت بمهمة ومسئولية استرداد طابا، "تحتفل مصر في التاسع عشر من مارس الحالي بالذكرى الثلاثين لاسترداد طابا بعد معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية شديدة الشراسة، وهو إنجاز لا يقف عند مجرد تحرير أو استعادة قطعة أرض، مهما كانت قيمتها الإستراتيجية، ولكنه كان بالتأكيد ملحمة وطنية متكاملة ستظل شاهدة على نجاح الدولة المصرية في كيفية استثمار إمكانياتها من أجل أن تكتب لنفسها إنجازاً تتحدث عنه كل الأجيال بكل فخر واعتزاز أسوة بما أنجزته مصر في حرب أكتوبر 1973 العظيمة والخالدة".
واستعرض عضو المجلس المصري للشئون الخارجية أهم ملامح وتطورات قضية طابا والتي تمثلت في:
ـ قررت إسرائيل إتمام انسحابها النهائي من سيناء في 25 أبريل 1982 طبقاً لما كان متفقا عليه، لكنها أعلنت أنها سوف تستثنى منطقة طابا الواقعة على رأس خليج العقبة من الإنسحاب بدعوى أن علامة الحدود التي توضح موقع طابا (المعروفة باسم العلامة 91) غير واضحة المعالم وغير موجودة داخل الأراضي المصرية.
ـ حرصت مصر على ألا تؤدي هذه المشكلة إلى عدم إتمام الانسحاب النهائي الإسرائيلي من سيناء، فوافقت على انسحاب إسرائيل عدا طابا ما دامت هناك آلية حل مستقبلى منصوص عليها في المعاهدة.
ـ شكلت القيادة السياسية المصرية في مايو1985 لجنة على أعلى مستوى عُرفت باسم اللجنة القومية العليا لطابا، وأُوكل إليها مهمة رئيسية واحدة وهي إعادة طابا للسيادة المصرية. 
ـ وقعت مصر وإسرائيل مشارطة التحكيم، بعد عدم نجاح وسيلتي المفاوضة والتوفيق، في سبتمبر 1986، واستطاعت مصر بجدارة حصر مهمة هيئة التحكيم الدولية في نقطة واحدة، وهي تقرير موضع علامات الحدود الدولية المختلف عليها، وليس البحث في إعادة ترسيم خط الحدود كله كما كانت ترغب إسرائيل. 
ـ قررت هيئة التحكيم في أعقاب المرافعات والوثائق التي قدمها الجانبان المصري والإسرائيلي أحقية مصر في طابا ، وذلك في سبتمبر 1988، وبالتالي انسحبت إسرائيل منها وتم رفع العلم المصري عليها في 19 مارس 1989.
وأضاف "لا يمكن لنا أن نتحدث عن هذه الملحمة ونحصرها في الإطار التاريخي أو القانوني فقط ، لكن الأهم أن نظهر كيف مثلت هذه الملحمة نموذجاً لنجاح وتميز الدولة المصرية في أن تحقق بقدرات أبنائها وتفانيهم ما ترغب فيه من معجزات وإنجازات".
وانتقل اللواء محمد إبراهيم، في مقاله، إلى الدروس المستفادة من هذا الانتصار، فقال "ليس من الإنصاف أن نمر مروراً سريعاً على ذكرى هذه الملحمة دون أن نقف عند الدروس المستفادة، وعوامل النجاح لنتعلم منها ونتدارسها لتكون لنا نبراساً وطريقاً لتخطى أصعب العقبات التي يمكن أن تواجهها الدولة المصرية في أي وقت، خاصة أن كاتب هذا المقال نال شرف أن يكون أحد أعضاء اللجنة القومية العليا لطابا، وعاصر لمدة خمس سنوات من المفاوضات شديدة الصعوبة والتعقيد مع الجانب الإسرائيلي حتى تم استرداد طابا".
وأضاف " أستطيع في رأيي أن أوجز عوامل النجاح التي تحققت، بل وما زالت تصلح أن تكون نموذجاً للنجاح في القضايا الكبرى التي يمكن أن نتعرض لها، في أربعة عشر عاملاً رئيسياً على النحو التالي:
العامل الأول: تأكيد مصر التزامها بكافة الاتفاقات التي وقعتها مع دول العالم ومن بينها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وهو مبدأ ثابت في سياستنا الخارجية يؤكد حرص مصر على أن تكون عنصراً فعالاً وملتزماً في المجتمع الدولي.
العامل الثاني: التحرك لحل مشكلة طابا بالشكل القانوني من خلال ما نصت عليه المادة السابعة من المعاهدة بأن أية خلافات بين الدولتين ناشئة عن المعاهدة يتم حلها من خلال المفاوضة أولاً، وإذا فشلت يتم التوجه إلى التوفيق، وإذا فشلت يحال الخلاف إلى التحكيم.
العامل الثالث: النجاح الكبير في بلورة هذه المشكلة لتكون بمثابة مشروع قومي أو قضية قومية يلتف حولها كل الشعب المصري وليست مجرد قضية فرعية أو ثانوية.
العامل الرابع: تحديد الهدف من المفاوضات بشكل واضح منذ البداية، وهو عدم التفريط في أي سنتيمتر من الأرض المصرية مهما كان الثمن ، وقد كان هذا هو المبدأ المقدس الذي تحرك على أساسه طاقم التفاوض المصري في مئات الجلسات التي عُقدت مع الطرف الآخر على مدار خمس سنوات.
العامل الخامس: تحرر الدولة من كافة الضغوط التي يمكن أن تعوق تحقيق الهدف المحدد، سواء عامل الوقت الذي لم يكن سيفاً مسلطاً على المفاوض المصري، أو عدم ترك الفرصة لإسرائيل لتعطيل المفاوضات أو نسفها مهما كانت الأسباب، بل نجحت مصر في الضغط على إسرائيل من خلال رفض عودة السفير المصري إلى تل أبيب (بعد سحبه عام 1982) إلا إذا وافقت الأخيرة على تحويل المشكلة إلى التحكيم ، وهو ما تحقق بالفعل.
العامل السادس: اختيار طاقم التفاوض المصري بصورة متأنية، حيث ضم الوفد كل الخبرات المهنية المحترفة في كافة التخصصات ومن جميع المؤسسات المصرية المعنية ، السياسية والقانونية والدبلوماسية والمهنية والعسكرية والأمنية دون استثناء ، بالإضافة إلى وجود قيادة قانونية متميزة للوفد تحظى باحترام دولي كبير ، وهو الدكتور نبيل العربي.
العامل السابع : التنسيق الكامل بين كافة المؤسسات والهيئات المعنية بمتابعة هذه القضية المهمة وإزالة كافة القيود الإدارية أمامها وأية قيود أخرى حتى أصبح هذا التنسيق فعالاً ومؤثراً وغير مسبوق، وأصبح الوفد المفاوض منظومة عمل واحدة متناسقة وكأنه ينتمي لمؤسسة واحدة. 
العامل الثامن : التأييد الكبير والثقة المطلقة التي أولاها الشعب المصري لقيادته السياسية تجاه هذه القضية، وقناعته بقدرتها على حلها، وهو ما عكس بالتالي ثقة كل من القيادة والرأي العام في طاقم التفاوض الذي اكتسب قوته من هذه الثقة.
العامل التاسع : تفاني طاقم التفاوض المصري في العمل وبذل الجهد المضني المتواصل، وحرص الدولة على أن تكون المعالجة الإعلامية للقضية هادئة ومختصرة ومرشدة ودون تفاصيل، وألا يترك الأمر للإعلام دون ضوابط حتى لا يؤثر على سير المفاوضات.
العامل العاشر: التنسيق المتواصل والمراجعة المستمرة بين القيادة السياسية وقيادة طاقم التفاوض من أجل الوقوف على أية مستجدات، وتلقى التوجيهات الضرورية، مع الاتجاه لتغيير تكتيك العمل وأسلوب التفاوض كلما كان الأمر ضرورياً.
العامل الحادي عشر: قدرة المفاوض المصري على تفهم تحركات وأهداف وتكتيكات وطبيعة شخصيات طاقم التفاوض الإسرائيلي الذي انتهج أساليب عديدة مزعجة، من بينها ما يمكن أن أسميه الضغط النفسي والذي هدف إلى إرهاق الجانب المصري بتفصيلات لا حصر لها بعيداً عن جوهر المشكلة، أملاً في دفعه للتسليم مبكراً، ومن ثم الموافقة على الحجج الإسرائيلية، وهو ما لم يحدث، بل انتهج الجانب المصري بنجاح ما يمكن أن اسميه سياسة النفس الطويل الهادئ والثقة المطلقة في قدرته على إنجاز مهمته بنجاح في النهاية.
العامل الثانى عشر: وطنية ومسئولية الأحزاب السياسية التي يمكن تسميتها بالأحزاب المعارضة واندماجها في المنظومة الوطنية للدولة من أجل تحقيق أهدافها القومية، ولعل وجود الدكتور وحيد رأفت، القيادى الوفدي الكبير، كأحد أهم الخبراء القانونيين في وفد التفاوض المصري آنذاك خير دليل على هذا الأمر .
العامل الثالث عشر: تحرك الدولة المكثف على المستوى الخارجي، ممثلاً في القيادة السياسية والمؤسسات المعنية بالقضية وتحديداً مع بعض دول العالم المعنية بالأمر، وكذا التواصل مع بعض الشخصيات الأجنبية من أجل الحصول على كافة الأدلة والوثائق والبراهين الموجودة لدى هذه الدول والشخصيات التي تؤكد تاريخياً أحقية مصر في طابا.
العامل الرابع عشر: نجاح الجانب المصري ووفده التفاوضي في احتواء الطرف الأمريكي الوسيط الذي كان متواجداً خلال المفاوضات وإبعاده بجدارة عن التحيز للجانب الإسرائيلي من خلال ما أبداه الوفد المصري خلال كل المباحثات من قناعة، وجدية، وموضوعية، وتمسك بالأدلة القانونية، وتصميم على التمسك بالهدف.
واختتم اللواء محمد إبراهيم المقال بقوله "وفي ضوء ما سبق ، لابد لي أن أشير في النهاية إلى أن العوامل والدروس السابقة تؤكد أن مصر تمتلك من الإمكانيات الكثير الذي يمكنها من التصدي بنجاح لكل القضايا المهمة التي يمكن أن تتعرض لها، وذلك في إطار معادلة بسيطة وهي الإرادة القوية مع الإدارة الواعية، وهي معادلة ليست صعبة أو مستحيلة ما دام الهدف الوطني محدداً والتحرك يتم بشفافية ومصداقية وبرؤية وخطة واضحة".