الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

يونس القاضي.. بداية ظهور المسرح السياسي في مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتبر مسرح يونس القاضي، هو بداية ظهور المسرح السياسي في مصر، حيث لم يعتمد القاضي على مخاطبة المثقفين فقط من خلال كتاباته وإنما وصل إلى الجمهور العادي من ولاد البلد، وساهم احترافه في كتابة فن الزجل إلى هذا، حيث ظهر خلاله الرموز السياسية والروح الثورية، عن طريق التورية واستخدام الرموز للحصول على تصريح وعرض العمل من الرقيب البريطاني، وذلك من خلال الأغاني العامية ذات المدلول الفكاهي أو العاطفي، واستخدام كلمات مطاطية وتحمل مدلولًا أو مفهومًا ذات مغزي، وحرفية استخدام تلك الكلمات بداخل السياق الدرامي، ولها أكثر من دلالة.
وكان المسرح وما زال أحد المجالات الذي انتشر فيها استعمال الرمزية، خاصة في أوروبا منذ منتصف القرن التاسع عشر، فقد كان الكتاب والسياسيون يستخدمون المسرح حينما يعجزون عن توصيل المذاهب السياسية، بشكل غير مباشر، خاصة أن المسرح يجذب عددا كبيرا من كافة المستويات الاجتماعية والأعمار المختلفة، وبالتالي استخدم المسرح لغرس بعض المبادئ والأفكار نظرًا لجذبه أكبر عدد ممكن، فالمسرح هو المرآة التي تعكس مفاهيم وفكر المجتمع على مر العصور.
وهو الشيء الذي وجد أو ظهر جليًا في مسرح يونس القاضي، حيث نجده قد وضع نصوصًا للعامة والفلاحين، والعمال، ولمس مشكلات مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بكل جرأة، وألف نصوصًا في سياق درامي قائمة على هدف وطني على الرغم من تكوينها الكوميدي والعاطفي أو الاجتماعي إلا أن معظمها كانت تحمل في طياتها هدفا سياسيا، والتي كانت نتيجتها خروج المظاهرات عقب انتهاء العروض المسرحية.
وهناك العديد من النصوص المسرحية التي قدمها يونس القاضي وكان أهمها مسرحية «كلها يومين» والتي تسببت في اعتقاله لمدة ٤١ يومًا إثر خروج المتظاهرين، بعد انتهاء العرض من شارع عماد الدين لباقي ميادين القاهرة، وهي المسرحية التي كانت تتنبأ بخروج الإنجليز في أقرب وقت، ليصبح يونس القاضي بعدها أحد أهم رواد المسرح السياسي.
وتُعد مسرحية «حسن أبوعلي سرق المعزة» من المسرحيات التي تم استلهامها من مقولة الزعيم سعد زغلول «أحرار في بلادنا، كرماء لضيوفنا» والتي قدمها مسرح كازينو دي باري بشارع عمادالدين، وكان أبطال هذا العمل هم شلبي فودة، وصالحة أصيل، وعلي الكسار.
وقد قام علي الكسار بدور عثمان عبدالباسط الذي كان من المفترض أن يقوم به الممثل عثمان أمين، والذي رفض صباغة وجهه بالفل المحروق، وقام الدور بدلًا منه على الكسار، الذي اشتهر بهذا الدور وأجاده، وهو الاسم الذي صار ملازما لعلي الكسار في جميع أعماله السينمائية فيما بعد، وقد استوحيت المسرحية كلها من كلمات الزعيم سعد زغلول والتي ألقاها في إحدى خطبه.
أما ثاني مسرحية سياسية فهي مسرحية «كلام في سرك» لفرقة منيرة المهدية والتي عرضت في ١٣ نوفمبر عام ١٩١٩، بدار التمثيل العربي، وكانت من تلحين كامل الخلعي، وديكور مسيو لوريه رسام الأوبرا، ومن تمثيل منيرة المهدية، وأحمد فهيم، وعبدالمجيد شكري، وأحمد حافظ، منسى فهمي، ووردة ميلان، وجميلة سالم، وزكية إبراهيم، وكان عدد الألحان بالرواية ١٩٥ لحنًا على الأوركسترا، وتقوم فيها منيرة المهدية بدور كومندة المصنع، وحققت المسرحية نجاحًا مبهرًا، ولم يعد هناك من يستطيع منافسة منيرة المهدية وفرقتها في مجال المسرح الغنائي.
ويحكي يونس القاضي أنه في عام ١٩١٩ أرسل له محمود جبر زوج السيدة منيرة المهدية، لكتابة أغان لإحدى الروايات التي يؤلفها وأنه مستعجل جدًا، وليس أمامه وقت إلا ثلاثة أشهر، وأنه أبلغه لو كانت لديه رواية جاهزة، عليه أن يحضرها ويأتي له في الصباح، حيث يقول القاضي: «في ذلك الوقت كنت ساكن في حي الظاهر ورجعت البيت ماشي وعند جامع الرويعي وأنا في السكة جاءتني فكرة كتابة رواية سياسية هدفها الاستقلال الاقتصادي وفي الساعة ٧ صباحًا جلست في الكلوب المصري، وكنت أملك «٦ قروش» فطرت فول بالسمن بـ ١.٥ «تلاتة تعريفة» وشربت علبة سجاير عشرين سيجارة مانكونيان بـ خمسة تعريفة، وشربت فنجانين قهوة بـ أربعة تعريفة، ولم يتبق معي مال وحتى الساعة ١١ إلا الربع، وجاءني رسول من عند محمود جبر، ذهبنا إلى دار التمثيل العربي في الأزبكية، وهناك قابلت محمود جبر والفرقة، وذكرت لهم ملخص المسرحية، وبعدها ذهبت مع محمود جبر إلى الشيخ عبدالرحيم بدوي في مطبعة «الرغائب» بشارع محمد علي لطبع إعلانات الرواية، ووقتها سألني عن اسم المسرحية فقلت له «كلام في سرك ملقتلهاش اسم» فصاح الشيخ عبد الرحيم بدوي «كلام في سرك» اسم جميل جدًا وجديد وأخذ يضحك وأصبحت المسرحية بهذا الاسم، وكان بالمسرحية ١٢ غنوة، ومثلت الرواية لمدة ثلاثة شهور.
وكانت تدور أحداث الرواية حول الدعوة لقيام النقابات العمالية، وكان الغرض منها تنبيه مصر إلى أنه ليس لديها بنك أو مصنع مصري، من خلال القصة التى تدور أحداثها في أحد مصانع التطريز الذي يملكه الخواجة، والذي تعمل عنده ٢٠ فتاة مصرية، وكان يأكل حقوقهن ويسلفهن بالفوائد، حتى قررت إحدى الفتيات القيام بعمل جرىء وتجميع نقود من أفراد الشعب لإنشاء أول مصنع عربي، وبذلك يتخلصن من ظلم صاحب المصنع الأجنبي وهي المسرحية التى شاهدها طلعت حرب باشا والتي كان بسببها تم إنشاء أول بنك مصرى برأس مال ٨٢ ألف جنيه، وكانت من أهم الأسباب التي أدت إلى إنشاء مصنع النحلة الكبرى للغزل.
كما كان المتفرجون يتجمهرون بعد إسدال الستار عقب الفصل الأخير وكانوا يسيرون في مظاهرات تهتف ضد الاحتلال والإنجليز.
وبعد النجاح الذى حققته مسرحية «كلام فى سرك» تم الإعلان عن أوبريت من ثلاثة فصول «كلها يومين» من تأليف يونس القاضي ومن ألحان سيد درويش وقدمتها فرقة منيرة المهدية، في أوائل عام ١٩٢٠، والتي تنبأت بخروج المستعمر من البلاد وعودة الحق لأصحابه.
فتقول منيره المهدية تحت عنوان «كافحت الإنجليز بغنائي»: «كان الشيخ يونس القاضي أثناء ثورة ١٩١٩ يمدني بكثير من الروايات الناجحة، التي كانت تدور حول كفاحنا ضد المستعمر البغيض، ولكن بطريق «الغمز واللمز والتورية»، لأن الرقابة التي وضعها الإنجليز على ما يقدمه دور المسرح والسينما والملاهي في ذلك الوقت، كانت تحول دون مصارحة الإنجليز بكرهنا لهم، فيما نقدمه من روايات وأغان، وفي ذلك الوقت قدمت على المسرح الذي كنت أعمل فيه – دار التمثيل العربي- مسرحية اسمها «كلها يومين» وفى هذه لمسرحية كنت أقوم بدور بائعة زبدة، فأحمل فوق رأسي وعاء به بضاعتي التي أنادي عليها وكنت أقول: «صابحة الزبدة، بلدى الزبدة، يا ولاد بلدي، زبدة يا ولدي، أشترى وأوزن، عندك وخزّن، واوع تبيعها، ولا تودعها، عند اللي يخون، لتعيش مغبون، وإزاي حاتهون، بلدي».
وتتابع منيرة «أن هذا الكلام لم يكن فيه ما يدعو إلى تدخل الرقابة، ولم يستطع الرقيب أن يشطب حرفًا واحدًا منه، ولكن كانت للأغنية معناها الذي يفهمه الجمهور جيدًا، والتي كانت تهدف إلى الحض على كراهية المستعمر الغاصب». وكانت المسرحية تضم العديد من الأغاني ومنها بونوسيرا سينوريتا، وشرفك لو ضاع، صابحة يا زبدة، مطلعة، ويحيا العدل يعيش العدل، وجانا الفرح جانا.
فكان عندما يسدل الستار فور انتهاء المسرحية، كانت المظاهرات تندلع وتهز شوارع القاهرة وهو ما اعتقل في أعقابها الشيخ يونس القاضي، كما أنه تم إيقاف المسرحية سبع عشرة مرة لأنها تحتوي على عبارات ضمنية ضد بريطانيا، ولكن ظل الجمهور يتردد على هذه المسرحية حتى الإعلان عن المسرحية التي تليها دون توقف.