الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

المؤرخ محمد عفيفي في حواره لـ"البوابة": سعد زغلول وعبدالناصر أهم شخصيتين في القرن العشرين.. ثورة 1919 عانت من التجاهل.. غاندي أعجب بـ"الوفد" وحاول استلهام الفكرة

المؤرخ محمد عفيفي
المؤرخ محمد عفيفي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تختلف رؤية المؤرخين للأحداث الكبرى، عن غيرهم من الباحثين والكتاب، وبعد مرور فترة من الزمن عليها ووقوع الكثير من المتغيرات على الأوضاع السياسية للبلاد، نرجع للمؤرخين لإعادة قراءة هذه الأحداث، وفق المتغيرات التى حدثت.
وتعد ثورة 1919 أول ثورة شعبية فى أفريقيا وفى الشرق الأوسط، وتبعتها الثورة الهندية، وثورات العراق والمغرب وليبيا.
«البوابة» التقت المؤرخ الدكتور محمد عفيفي، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، والذى يعد واحدا من أهم المؤرخين فى الوقت الحالي.. فإلى نص الحوار..
■ كيف تنظر بعين المؤرخ لثورة ١٩١٩ بعد مرور مائة عام عليها؟
- عانت ثورة ١٩١٩ من تجاهل كبير ظل يلازمها بعد أعوام طويلة من اندلاعها، نظرا لاستمرار الاحتلال البريطانى بعدها بعقود وكان يمنع تناولها أو الحديث عنها، واستمر ذلك حتى بعد ثورة ٢٣ يوليو، وكان البعض يرى أن تناولها أو الكتابة عنها يمكن أن ينتقص من ثورة يوليو ودور الضباط الأحرار بها وهو أمر غير حقيقى بالمرة.
■ ومتى بدأ الاهتمام بها وإعادة تقديرها فى التاريخ؟
- بدأ ذلك عام ١٩٦٩، مع احتفال جريدة الأهرام التى كان يرأس تحريرها الكاتب الصحفى المرموق محمد حسنين هيكل، بمناسبة مرور ٥٠ عاما عليها، وفى هذا الوقت قاد حملة أكد خلالها أن الثورات تسلم بعضها، وانتقد فكرة القطيعة مع ثورة ١٩١٩، وأصدر كتابا تذكاريا مهما حمل العديد من الوثائق، وكان عددا تاريخيا، وهو ما دفع الكثير لمراجعة مواقفهم من الثورة.
■ وهل انعكس هذا على المناهج الدراسية؟
- للأسف لم ينعكس بشكل كبير، رغم أنها ثورة الشعب المصرى وليست ثورة الوفد أو سعد زغلول، وحتى كلمة الوفد، هو اسم غريب، ومعناه تشكيل وفد مصرى للذهاب إلى مؤتمر الصلح فى فرساي، للمطالبة بحق مصر فى تقرير مصيرها والاستقلال عن بريطانيا.
فالوفد هنا شامل للأمة كلها ولم يكن قد أصبح حزبا بعد، وإنما كان تجمعا وضم إسماعيل صدقى ومحمد محمود وفخرى عبدالنور وحمد الباسل وسعد زغلول.
وأهمية الثورة تعود إلى كونها أعطت المشروعية للدولة المصرية، ولو لم تقع لظللنا تحت الحماية البريطانية، وقبلها كنا جزءا من الدولة العثمانية، لم تكن هناك دولة مصرية بالمعنى المفهوم للدولة، وما ترتب على الثورة وصدور تصريح ٢٨ فبراير، أدى إلى الاعتراف الدولى بمصر كدولة مستقلة، ولذا وقعت مصر اتفاقية الاستقلال بعد ثورة ٢٣ يوليو، وقطعت كل صلة بالدولة العثمانية بناء على هذه الاتفاقية.
وعلينا أن نعرف أن قانون الجنسية المصرية ظهر بعد الثورة فى العشرينيات، لأننا كنا رعوية عثمانية، بناء على أننا أصبحنا دولة مستقلة، وحتى الضباط الأحرار هم أبناء هذه الثورة، فى فترة الليبرالية، ولهذا كانوا يلعبون أدوارا سياسية فى وقت مبكر من حياتهم فى فترة الثانوية، وعبدالناصر ضرب بطلقة فى مظاهرة عام ١٩٣٥، لاعتراضه على إلغاء دستور ٢٣.
■ وماذا عن فكرة القومية المصرية؟
- مصر موجودة من قدم الأزل، منذ حوالى ٧ آلاف عام، ولكن فكرة القومية المصرية هى بنت ثورة ١٩١٩ بامتياز، حتى ما فعله الزعماء مصطفى كامل ومحمد فريد وأحمد عرابى وغيرهم، تظل حركات فردية، تمت تحت الاحتلال العثماني، ولكن مظاهر القومية المصرية ظهرت بوضوح بعد الثورة ولذا مثلا تجد تمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار، حيث جسد مصر فى شكل فلاحة تستند فى مستقبلها على الماضى وهو مجسم أبوالهول، واستمر هذا الفهم إلى الآن عبر إشعار الكثير من المبدعين مثل أحمد فؤاد نجم الذى عبر عن مصر بـ«بهية»، وهذا الفهم مصرى بامتياز ويعبر عن هوية مصر دون خلفيات أخرى.
■ وماذا عن دستور ١٩٢٣؟
- من أهم إنجازات ثورة ١٩ هو دستور ١٩٢٣الذى يعد قمة الدساتير فى العالم كله فى ذاك الوقت، ويكفى أن به بندا متقدما على جميع الدول فى باب الحقوق والحريات، فقد رسخ أن حرية العقيدة مطلقة.
كما رفض الدستور الكوتة أو تمثيل الأقليات ورفضها الأقباط بشدة من باب أنها تدخل فى باب التمييز، مشددين على أن الكفاءة هى الفيصل، ولهذا ومن باب الكفاءة جاء بعدها بعامين رئيس مجلس نواب قبطى وهو ويصا واصف، لأن الدولة صنعت تحولا كبيرا، وكذلك ظهر مكرم عبيد وغيرهما، ومن هنا ندرك أن القضايا التى نحارب من أجل تحقيها قد رسخت بعد ثورة ١٩ بشكل ضمني.
■ وكيف جاء تأثير ثورة ١٩ فى المحيط الإقليمي؟
- أثرت هذه الثورة فى الإقليم كله، وانتشرت ثورات التحرر العربى مثل ثورة العراق عام ١٩٢٠، ضد بريطانيا، وأكد قادتها تأثرهم بها، وكذلك ثورة ١٩٢٤ فى السودان ثورة على عبداللطيف، وثورة عام ١٩٢٥ فى سوريا ضد فرنسا، وثورة ٢٩ و٣٦ فى فلسطين كلهم أكدوا تأثرهم بهذه الثورة الملهمة، وكان يجب علينا أن تحتفل سفاراتنا فى هذه الدول بثورة ١٩، لأنها تأكيد على دورنا فى المنطقة، واستدعاء لقوتنا الناعمة التى وصل تأثيرها لهذه الدول، وحتى الهند فقد أعجب غاندى بفكرة الوفد الذى ضم مسلمين ومسيحيين، وحاول استلهام الفكرة فى المجتمع الهندى الذى يضم طوائف متعددة.
■ بين ثورتى ١٩ و٥٢ فترة قصيرة لا تتجاوز ٣٣ عاما.. هل هذه فترة كافية لإقامة ثورة ثانية؟
- هناك عوامل مشتركة بين ثورتى ١٩ و٥٢، وحتى لو قام الضباط الأحرار بثورة يوليو إلا أنهم كانوا متأثرين بالمناخ والليبرالية والثقافة والأفكار التى أنتجتها ثورة ١٩، ومن هنا وجدنا ثروت عكاشة وخالد محيى الدين وكلاهما لديهما شهادات مدنية.
وقامت ثورة يوليو بسبب المتغيرات التى وقعت بين الحربين العالميتين، فقد تغير العالم كله بعد الحرب العالمية الثانية، وإنجلترا لم تعد سيدة البحار والإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، وكذلك تراجعت فرنسا، فيما ظهرت أمريكا والاتحاد السوفيتي، وانتشرت الأفكار اليسارية، ولم يستطع الملك أن يتابع هذه التطورات ولا استطاع الوفد تطوير نفسه رغم محاولات شباب الحزب اكتساب صفات اليسار، ولكن حتى داخل مجلس قيادة الثورة تجد أنهم كوكتيلا تجد ضباطا من حزب مصر الفتاة وضباطا من الشيوعيين وغيرهم.
■ هل تغير تفكير القوى الاستعمارية بعد مائة عام على ثورة ١٩ أم أنها ما زالت قائمة؟
- العقلية الغربية تحكمها فكرة واحدة وهى المصلحة ومفهوم البراجماتية، ولو تعارضت العواطف مع المصلحة يفضل المصلحة فقط.
■ وهل لم يكن الوفد المصرى الذى ذهب إلى مؤتمر الصلح يعرف هذه الفكرة؟
- كان يعرفها جيدا ولكنه كان متأثرا بأمرين، الأول وهو مبادئ ويلسون التى أعلنتها أمريكا ولم تكن بلدا استعماريا وقتها بحق الدول التى تقع تحت حكم الدولة العثمانية فى حق تقرير مصيرها، والثانى أن الوفد المصرى كان يتكون من سياسيين محترفين بمعنى الكلمة ولو كان لديهم أمل ١٪ لتحقيق أهدافه سيسعى له تحت أى ظرف، وكانوا يضغطون عبر الرأى العام البريطانى ضد الحكومة، ونجحوا فى ذلك إلى حد ما وكذلك يستفيدون من التناقضات ولما فشلت محاولاتهم عادوا إلى مصر للنضال من أرض الوطن.
-الشخصية المصرية هادئة بطبيعتها.. بم تفسر كثرة الثورات التى قام بها المصريون خلال القرن الماضي؟
الشخصية المصرية مستقرة، فأصلها الريفى مرتبط بالأرض والنيل، والفلاح نراه فى الريف يرفع شعار «امشى سنة ولا تعدى قنا»، ولكن المصرى رغم هذا الصبر إذا انتفض وثار فلن يقف فى وجهه أحد ولو كانت دولة عظمى مثل بريطانيا.
ولذلك، فطبيعة الفلاح أنه يصبر ولكن إذا ثار وانتفض فإن مشهد الدماء يثيره لأقصى درجة، لذا رأيناه يقابل عنف الإنجليز بكل عنف مضاد، وينتصر ويحقق أهداف ثورته، وكانت الثورة ملحمة غير عادية ولأول مرة ترى النساء من جميع الفئات والطوائف تخرج فى مظاهرة.
■ كيف ترى انتصار بريطانيا فى الحرب العالمية الثانية وانكسارها أمام مطالب الشعب المصري؟
- هذه المفارقة هى أخطر ما فى ثورة ١٩١٩، فبعد ٤٨ ساعة من انتهاء الحرب العالمية وإعلان الهدنة، يذهب سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوي، يطلبون منه السماح لهم بالسفر للمطالبة بالاستقلال فى مؤتمر الصلح، رغم أن بريطانيا خرجت من الحرب وهى سيدة العالم، ولذا فإن ١٣ نوفمبر كان عيد الجهاد، وتم إلغاؤه فيما بعد، ولكننا كنا أمام سياسيين «معلمين».
■ كيف قرأت مفهوم الوحدة الوطنية فى ثورة ١٩١٩؟
- لعل مشهد القسيس فى المسجد والشيخ فى الكنيسة، هذا المشهد المهيب الذى أهدته الثورة لمصر، والذى يتكرر الآن بصور متعددة هو ابن ثورة ١٩١٩ بامتياز، بعدما حاول الاستعمار أن يلعب على مبدأ فرق تَسد، بكل استماتة، ولكنه فشل أمام إرادة وفطنة المصريين، ولعل ما فعله طالب الطب عريان يوسف سعد، عندما قرر اغتيال رئيس الوزراء يوسف وهبة بعد قبوله تشكيل الحكومة خوفا من أن يقتله أحد المسلمين فتصير فتنة طائفية، وتم اعتقاله بعدها ومكث عدة سنوات فى السجن إلى أن تولى سعد زغلول الوزارة وأفرج عنه ومنحه وظيفة بعدما فقد مستقبله.
■ وما تعقيبك حول ما يثار بأن الزعيم سعد زغلول كان لاعب ورق «قمار»؟
- هذا «كلام قهاوي»، وللأسف فإن مثل هذا الحديث يجد من يردده، ولذا يزداد رواجا، مثل مقولات من نوعية «فلان هو أحقر شخص فى التاريخ»، وعلينا أن نعلم أن ما فعله سعد زغلول لم يكن قمارا، ولكنه لعب بالورق، وفى ذلك الوقت كان مجرد تسلية متاحة للجميع، لعدم وجود راديو أو تليفزيون، وفى الليل كان لعب الورق جزءا من الحياة اليومية، وكان يلعب مع زملائه، ولم يكن الأمر سبة، أو حكرا على طبقة معينة فكان الغنى والفقير يلعب الورق حتى لو على المشاريب، وهو أمر لا ينتقص من تتويج سعد زغلول زعيما للأمة فى ذلك الوقت.
■ وهل ترى كتابة ذلك فى مذكراته شجاعة منه كما عودنا؟
- كان سعد زغلول يكتب هذا لنفسه فى خواطره، وهو مثقف، وكانت يعتبرها اعترافات مع النفس، وكان الجميع يعلم أنه يلعب الورق ولا أرى أن هذا الأمر كان خطأ، ونظرة المؤرخ هنا هى الأهم.
■ ثورة ١٩ كانت تحمل العديد من المفردات، منها مثلا «الفدائيين»، فكيف تنظر لهم كمؤرخ؟
- ثورة ١٩ بدأت بشكل سلمى تماما متمثلة فى المظاهرات، ولكن أمام عنف الإنجليز وسفك الدماء، ومشهد الدماء من قبل المصريين جعل منهم قوة موحدة تريد الانتقام لنفسها ومن هنا بدأ التنظيم السري.
وكان عبدالرحمن فهمى واحدًا من أهم صناع ثورة ١٩١٩، بل كان يدها الحديدية الأولى وقائد جهازها السري، الذى هدد استقرار الإنجليز فى مصر.
وبدأ ضابطا صغيرا فى الجيش ولفت انتباه رؤسائه بما كان يتمتع به من حيوية وسرعة بديهة وقوة شخصية وموهبة قيادية، والذى يجهله الكثيرون أن عبدالرحمن فهمى كان يتظاهر أثناء جهاده الوطنى بتلقى التعليمات من اللجنة المركزية للوفد وكان ينفذ أوامرها.
وكان هناك خط سرى يربط بينه وبين سعد زغلول باشا، بهدف تدبير أعمال لم يكن مسموحًا أن يعرفها غيرهما من أعضاء الوفد، ومن فيض عبقرية عبدالرحمن فهمى السياسية أن قادة الوفد ظلوا يظنون أنه ينفذ توجيهاتهم الصادرة إليه بينما كان ينفذ ما يخدم المصلحة الوطنية.
■ ومن أهم القياديين الذين خطوا خطوات حقيقية فى ثورة ١٩؟
- ثورة ١٩ كانت ثورة المصريين جميعا، ومن أهم الصفحات المضيئة كانت فكرة المواطنة، وقد برز فى هذا الوقت القمص سرجيوس وسط الثائرين، وكذلك الشيخ مصطفى القاياتى والذى وهبه الله لسانًا فصيحًا يهز أوتار القلوب إلى حد جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب خطيب مصر أو خطيب الثورة الأول، وعاش فى الأزهر لمدة ثلاثة شهور كاملة يخطب فى الليل والنهار، وأشاد كثيرا بالوحدة الوطنية وأن الوطن لا يعرف مسلما ولا قبطيا، بل يعرف مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وقدم الدليل للمستمعين إليه بوقفته أمامهم بعمامته السوداء، وتم نفيهما معا إلى رفح لفترة زمنية كبيرة.
■ وما سر ظهور الإخوان المسلمين فى عام ١٩٢٨، أي بعد 9 أعوام من الثورة، هل كان ذلك جراء سقوط الدولة العثمانية أم أنه من تغييرات الثورة؟
كان ظهورهم في عام ٢٨ رد فعل على إلغاء الخلافة العثمانية سنة ٢٤ من أتاتورك، وكانوا حينذاك جمعية صغيرة، وكان من الممكن أن تظل صغيرة، ولكن ما ساعدهم على الانتشار هو ما حدث في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من ظهور حركات الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، والتي يمثلها الشباب مثل حركة مصر الفتاة في مصر، وهذا كان داعما لوجودهم الذي جاء بمثابة استلهام التاريخ وكان الإسلام والخلافة هو محركهم ولكن تطورات الأمور ساعدت في اتساع عددهم وكثرتهم، وظهور موجات الشباب، ولكنهم كانوا متفتحين وأكثر تحضرا مما عليه الإخوان الآن، فكان حسن البنا لينا أكثر من ذلك.

■ مع ظهور المفكرين فى ثورة ١٩، كانت هناك أسماء عظيمة، فكيف ترى المشهد الآن مقارنة بوقت الثورة؟
- فكرة المواطنة، وأن الثورة كانت ملك للمصريين جميعا، وأنا شخصيا كتبت عن القمص سرجيوس كتابا كاملا، هذا القبطى الذى خرج بدون أن يكون له أى انتماء سياسي، وخرج حاملا روحه على يده فى المظاهرات، ويقودها ويخطب ويجعل الناس فى حالة ذهول، وقاد مظاهرات فى ميدان الأوبرا وداخلها، وداخل الأزهر، ويتم اعتقاله على يد الإنجليز، ولأول مرة يعتقلون رجل دين مسيحيا.
ولكن بعد انتهاء ثورة ١٩ وإنشاء المملكة المصرية وإعلان القومية المصرية واكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كل ذلك أثار ضجة عالية، وإنشاء الجامعة الحكومية المصرية سنة ١٩٢٤ وإنشاء بنك مصر، فثورة ١٩ أعطت انطباعا بأن مصر متجهة إلى الدول الكبرى وكان هناك رواج تعليمى وثقافى وكانت الصحافة وقتها فى قمتها منتشرة جدا، فحى شبرا مثلا كان يحوى ٢٠صحيفة، وبديع خيرى أسس جريدة فى جزيرة بدران بحى شبرا عام ١٩٢٦، وأحد المحامين أسس صحيفتين فى شارع شيبان، وكل هذا كان مساعدا لذلك.
وكان طه حسين مساهما فى ذلك بكتابته لكتاب مستقبل الثقافة فى مصر، وكانت جريدة السياسة تطبع ملحقا أدبيا باستمرار،، أما الآن فالثقافة تعانى من الاحتضار.
■ ومن هو مؤرخ الثورة؟
- لا ننكر دور عبدالرحمن الرافعى فى حركة توثيق الأحداث، فهو أول مؤرخ حرص على تدوين أحداث الثورة، بروح المحامي، وكان له موقف من سعد زغلول.
وأيضا محمد صبرى السربونى كتب كتابا باللغة الفرنسية، حتى يكون وثيقة للرأى العام فى أوروبا لكى يكون شاهدا على العصر، وكانت ترسل له الصور فى باريس حتى يتمكن من إضافتها للكتاب.
■ انتشار خبر اعتقال سعد زغلول كان أشبه بوجود «السوشيال ميديا» التى تساعد فى سرعة انتشار الأخبار فى زمن قياسي، فما تعليقك؟
- مثل نبأ اعتقال ونفى سعد زغلول ألما نفسيا للمواطنين، وكان هناك نشر من بعض الصحف ولكنه على استحياء، فكانت الصحف تخضع للمراقبة، وكان الشعب المصرى فى عنق الزجاجة لمدة أربع سنوات، وهى فترة الحرب العالمية الأولي، فكان يجب أن تترك لهم متسعا حتى لا يحدث انفجار من المواطنين، الأربع سنوات كانت عاملا مساعدا فى تعبئة الرأى العام بشكل كبير متجها إما للثورة أو رفض الاحتلال بأى شكل آخر، فكانت الأخبار تنتشر بشكل سريع رغم عدم وجود تلفاز أو مذياع.
■ هل كان سعد زغلول وزيرا على خلاف مع العاملين بالوزارة؟ وهل كان التعليم مصوبا عليه كى يهدم من الغرب؟
- الغرب لم يهتموا بهدم التعليم فى مصر ولكن من مصلحتهم إصلاح التعليم حتى نستطيع مواجهة الإرهاب من خلال التعليم والثقافة، لأن خطر الإرهاب كان يتم تصديره لهم، والدول الغربية تستطيع أن تقدم دعما كبيرا وقويا لبناء التعليم ونشر الوعى والثقافة فى المجتمعات العربية، لكن فى هذا الوقت قبل ثورة ١٩١٩ تحديدا كانت بريطانيا كانت ترى أن الشعب المصرى فلاحون يكفيه فقط أن يتعلم القراءة والكتابة وأنهم لديهم القدرة الجيدة على زراعة القطن ورعاية المحاصيل حتى يستطيعوا أن يأخذوها منهم، لتسديد ديونهم من بيعها.
وكانت معركة التعليم معركة وطنية فكان مشروع الجامعة الأهلية هو مشروع قومى قائم من جهود الشباب وكان سعد زغلول سياسيا محترفا ومخضرما، وكان يفعل الممكن ليقدم الأفضل للوطن، وقابل للانتقاض وفى مرة ذهب له وفد من الحزب الوطنى لشباب ثورى قائلين له بنبرة حادة أنتم قادمون لكى تهينونى فى منزلى فرد الشاب قائلا له: يا زعيم مصر ليس منزلك فهو بيت الأمة فرويدا وتحول الحديث إلى نقاش بين ثوار وسياسيين محكنين، أثناء مناقشه بيان حزب الوفد.
■ وما أهم شخصية سياسية فى القرن العشرين؟
- فكرة الأحادية أنا أرفضها تماما، ولكن فى القرن العشرين النصف الأول سعد زغلول، والنصف الثانى من القرن العشرين كان جمال عبدالناصر، فأصبح سعد زغلول رمزا لمصر أثناء وبعد حياته، فقد كان الكثير الذى يتمنى بناء ضريحه على شكل قبة ولكن بعض الشخصيات رفضت لأنه سيصبح مسجدا وذلك ناتج عن العشق الكامل لشخص سعد زغلول.