الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حادث نيوزيلندا ومخاطر السوشيال ميديا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لفت نظرى أثناء مشاهدة الفيديو البشع الذى وثق به الإرهابى جريمته بالهجوم على مسجدين فى نيوزيلندا، مما أدى لسقوط 49 من الأبرياء، مطالبة الجانى للشباب بالاشتراك فى قناة على «يوتيوب» كنوع من الدعاية والترويج والتسويق الإلكتروني. 
وبصفتى متخصص فى مجال السوشيال ميديا كان لابد أن أتوقف لأتأمل هذا العمل الذى يبدو غريبًا على كثيرين ولكنه نتيجة منطقية للمخاطر التى أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعى التى تم تركها لسنوات طويلة بدون دعوات للإصلاح الفكرى، لتصبح بمثابة قنوات لتفريغ إرهابيين بهذه البشاعة والفظاعة. 
فتتسابق الآن على الساحة العالمية العديد من التيارات الفكرية المتطرفة وتتنافس تلك الأيدلوجيات الكبرى فى كيفية إقناع الناس بالمبادئ والمعتقدات للتيارات المختلفة فى محاولات جدية لكى يقوم الفرد الجالس على الشبكة الدولية بالدعم لتلك الأفكار والسياسات، ويقوم المسئولون الإعلاميون عن الحملات باستخدام كل الوسائل والآليات لمحاولة التسويق لقضية أو الدعاية لأفكار سياسية متطرفة، ولأن الهدف الرئيسى من تلك الحملات هو التواصل مع الناس على مستوى العالم فى ظل فكرة المواطنة العالمية فقد أولى مسئولو تلك الحملات فى الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بالوسائل الإلكترونية والإنترنت وأدوات الشبكات الاجتماعية والإخبارية، فى زمن أصبحت فيه المعلومات تنتشر بطرق جديدة تمامًا غيرت الأفكار السائدة، من خلال وسائل الإعلام الجديد من مدونات، شبكات اجتماعية... إلخ.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى تستحوذ على عقول وقلوب الملايين، لدرجة أن معظم الأجيال الجديدة لا تتخيل كيف كان يعيش آباؤهم وأجدادهم قبل تلك الثقافة الإلكترونية الحديثة. 
لقد أصبحت ثقافة الصورة مسيطرة على العقول حتى فى القتل والتدمير ليصبح مذاعًا على الهواء مباشرة دون أدنى مشاعر أو أحاسيس إنسانية. 
لقد أصبح القاتل فى العصر الرقمى يسمع موسيقى على الإنترنت ويقوم بالدعاية لصفحته وقناته على «يوتيوب» أثناء عملية القتل بحثًا عن ضغطات الإعجاب والتعليقات الكثيرة والأرباح من المتابعة فى مشهد يدعو للأسى والحيرة فى آن واحد من نتيجة ذلك على مصير الجنس البشري. 
لم تعد الفيروسات والديدان المتطفلة الموجودة ببرامج الكمبيوتر تدمر الأجهزة فقط ولكننا الآن نواجه فيروسات التطرف والإرهاب الرقمى نحو كل ما هو إنساني. 
الإنترنت هو بيئة مفتوحة وغير محكومة بضوابط أخلاقية فيستغل البعض ذلك فى النفاذ إلى الجماهير الإلكترونية العريضة ومن ثم إثارة الغرائز وتشجيع الخلافات بين الأفراد والجماعات ومحاولة هدم المجتمعات والدول، سواء كان ذلك موجهًا بدافع شخصى أو رغبة مجموعة معادية.
تعد قضية الخطاب الرقمى فى عصرنا الحالى والممارسات الإعلامية على الإنترنت من أخطر القضايا التى تشغل بال الكثيرين من الباحثين أو حتى الأشخاص العاديين الذين يتابعون البرامج على الفضائيات والمواقع الإلكترونية ويتأثرون وينفعلون لما فيها من تجاوزات على كل المستويات، ففى عصر الكره والقبح الذى نعيشه حاليًا تختفى قيم الجمال والحب بين الناس ونفتقد قبول الآخر والتعامل بأخلاقيات الحوار واحترام الاختلافات فى الفكر والرأي.
لا بد من وقفة وتحرك إيجابي، وتكمن البداية فى رأيى فى الحلول الثقافية، فالحلول الأمنية بدون مشاركة اجتماعية وبمضمون ثقافى تظل عاجزة عن اكتشاف أماكن الخلل والفساد الفكرى الذى ينتشر بسهولة عبر تلك المنصات الإلكترونية. 
تعد ثقافة المجتمعات هى آخر ما تبقى من الهويات القديمة وتراثها وأصولها الحضارية وهى حائط الصد الأخير ضد طغيان موجات العولمة الثقافية ومحاولات الاختراق الثقافى والفكرى وصعود نجم ما يسمى بالمواطن العالمى فى مقابل المواطن الملتزم بثقافة مجتمعه وقيمه وتاريخه.
لابد من الاهتمام بالسياسات الثقافية الجديدة وقضية المحتوى على الإنترنت، خاصة أن عدم وجود محتوى جيد أو حتى وجود محتوى هلامى غير ناضج شيء سيعود بنتيجة سيئة على الجيل الجديد، فعلى الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية والإخبارية، إلا أنها بدون صياغة جيدة وثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخا لقيم مادية لا تضع مجالا للإنسان أو قيمه أو طموحاته أو مستقبله الشخصى والمهنى.