الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

صفعة لرئيس دولة الملالي.. المرجعية الشيعية بالعراق ترفض تدخل إيران واستغلال الدين لإشعال الصراع المذهبي

الرئيس الإيراني حسن
الرئيس الإيراني حسن روحاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت زيارة الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى بغداد الشهر الجاري، بمثابة تأكيد جديد على أن دولة الملالى أصبحت محاصرة بشكل كامل، ولم يبق أمامها من خيارات سوى الرهان على العراق الجريح، للالتفاف على العقوبات الأمريكية والانتقادات الإقليمية والدولية، وهذا ما اعترفت به وكالة «إرنا» الإيرانية الرسمية، التى أكدت أن هذه الزيارة تحظى بأهمية بالغة لكسر عزلة طهران سياسيا واقتصاديا.
ورغم أن الزيارة جاءت بدعوة من الرئيس العراقى برهم صالح، إلا أن توقيت تلبية هذه الدعوة، بدا أمرًا مخططا بعناية، فالاقتصاد الإيرانى على شفا الانهيار جراء العقوبات الأمريكية، والغضب الشعبى الداخلى ضد نظام الملالى وصل حد الانفجار، ولذا رأى فيما يبدو طوق النجاة فى العراق، لإبرام عقود اقتصادية بمليارات الدولارات، ومحاولة إيجاد متنفس للاقتصاد الإيراني، والسعى للفوز بكعكة إعادة المناطق المتضررة من الحرب على تنظيم داعش الإرهابى فى شمال وغرب العراق.
ونقلت وكالة «إيلنا» الإصلاحية الإيرانية فى ١١ مارس عن سفير إيران السابق لدى العراق، حسن دانايى فر، قوله: «إن حجم التبادل التجارى والاقتصادى بين طهرن وبغداد بلغ نحو ٨.٥ مليار دولار منذ منتصف مارس ٢٠١٨، وتأمل إيران زيادة حجم التبادل التجارى مع العراق إلى نحو ٢٠ مليار دولار، بهدف تعويض جزء من خسائر العقوبات الأمريكية».
وتابع «ميزانية العراق تبلغ ١٠٠ مليار دولار فى ٢٠١٩، وتم تخصيص أجزاء كبيرة منها لإعادة الإعمار، إذا طلب العراق منا مساعدات استشارية، فنحن مستعدون، شركاتنا عملت فى العراق، وما زالت هناك، ويمكنها أن تقوم بدور فعال فى إعادة إعمار العراق».
وأضاف سفير إيران السابق لدى العراق، أن طهران مستعدة أيضا للتعاون مع بغداد فى مواجهة ما تبقى من فلول داعش، وهو ما يكشف أن إيران تواصل استغلال الحرب على التنظيم الإرهابي، لابتزاز الحكومة العراقية وتوسيع نفوذها فى بلاد الرافدين.
ومن جانبه، قال موقع «ديبكا» الإسرائيلى فى ١٣ مارس الجاري، إن زيارة روحانى لبغداد تعتبر محاولة إيرانية لتحويل النظام المصرفى العراقى إلى الأداة الرئيسية التى ستخترق بها طهران الحظر النفطى الذى فرضه الرئيس دونالد ترامب عليها.
وأضاف الموقع، أن إيران تجرى منذ بداية فبراير الماضى مفاوضات مع البنك المركزى العراقى والحكومة العراقية حول إنشاء آلية فى البنوك العراقية، خاصة تلك التى تعمل فى العاصمة بغداد ومدينة البصرة فى جنوب العراق، تسمح للعملاء الأجانب الذين يشترون النفط والغاز الذى تبيعه إيران بتحويل المدفوعات إلى العراق كما لو كان نفطا عراقيا، ومن ثم تقوم البنوك العراقية بتحويل المدفوعات بالعملة الأوروبية «اليورو» إلى البنوك فى طهران.
وتابع الموقع، «الحكومة العراقية تتعرض لضغوط شديدة من القوى والميليشيات الشيعية العراقية الموالية لطهران للمساعدة فى كسر العقوبات على إيران، وفى حال استجابت، وتم اتخاذ إجراء أمريكى ضد البنوك العراقية، فإن هذا قد يجعل الحكومة العراقية تطلب من القوات الأمريكية الانسحاب الفورى من العراق، وقد يتسبب طلب كهذا بفشل استراتيجية إدارة ترامب فى الشرق الأوسط بالكامل».
وأشار الموقع الإسرائيلى إلى أن إدارة ترامب حذرت من أنه إذا تعاونت بغداد مع طهران، فإن واشنطن ستمنع البنوك العراقية من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية التى يسيطر عليها الدولار الأمريكي.
وبجانب ما سبق، قالت صحيفة «بغداد بوست» العراقية، إنه بجانب إعلان الدعم الإيرانى الرسمى للميليشيات الموالية لها فى العراق، فإن الهدف الآخر لزيارة روحاني، هو إنجاح ما سمته «عملية الاحتلال الاقتصادى الإيرانى للعراق»، حسب تعبيرها.
وأضافت الصحيفة فى تقرير لها فى ١١ مارس أن روحاني، الذى قام بأول زيارة للعراق منذ توليه السلطة فى ٢٠١٣، تمادى فى تطاوله على العراق، وزعم أنه لولا تدخل بلاده لإنقاذ العراق فى الوقت المناسب، لسيطر تنظيم داعش على بغداد وإقليم كردستان العراق، حسب ادعائه.
ورغم أن الجانب الاقتصادى هو الذى حظى بالاهتمام الإعلامى فيما يتعلق بزيارة روحانى للعراق، التى استمرت ٣ أيام، إلا أن هناك أهدافا أخرى لهذه الزيارة، لم يتم تسليط الضوء عليها، وقد تكون الأكثر خطورة على حاضر ومستقبل بلاد الرافدين، وخاصة ما يتعلق منها بمحاولة دق الأسافين بين العراق وأمته العربية، ومحاولة إضعاف سلطة الحكومة المركزية فى بغداد مقابل تمكين الميليشيات الشيعية الموالية من مفاصل الدولة العراقية، بالإضافة إلى الضغط على حلفائها فى البرلمان العراقى للإسراع بإقرار مشروع قانون يقضى بخروج القوات الأمريكية من البلاد، تمهيدا للبدء فى تنفيذ مخططها بإقامة طريق برى يمتد من طهران إلى بغداد وبيروت ودمشق، وصولا إلى البحر المتوسط، لتوسيع نفوذها فى المنطقة، وتهديد الأمن القومى العربى بشكل أكبر من السابق.
ويبقى الأمر الأخطر على الإطلاق فى مخططات إيران، وهو محاولتها إعادة العمل باتفاقية الجزائر الحدودية، الموقعة بين بغداد وطهران فى ١٩٧٥، والتى ترمى دولة الملالى من ورائها للسيطرة بالكامل على «شط العرب»، الممر المائي، الذى كان ولا يزال مصدر التوتر الرئيسى بين البلدين، وتسبب فى حرب ضروس بينهما تواصلت لثمانية أعوام.
وطالبت طهران بتقاسم السيادة على مياه شط العرب، رغم أن المعاهدات التاريخية، التى ورثها العراق عن الدولة العثمانية، منحت الحق لبغداد فى السيادة على هذا الممر المائي، عدا مناطق صغيرة للغاية أمام منطقتى «المحمرة» و«عبادان» الإيرانيتين.
وشط العرب، هو ممر مائى ينتج عن التقاء نهرى دجلة والفرات ويصب فى الخليج العربي، وبالنظر إلى أن العراق يعانى ندرة منافذه إلى مياه الخليح العربي، التى تسهل استقبال وارداته ووصول صادراته إلى الموانئ العالمية، فإن شط العرب هو منفذه الأساسى إلى الخليج العربي، ويعتبر القناة الملاحية للسفن المتوجهة إلى موانئ مدينة البصرة العراقية من الخليج العربي، وهو مصدر أيضا رئيسى لرى بساتين النخيل فى مناطق جنوب العراق.
وفى ١٩٧٥، وقع العراق وإيران اتفاقية لترسيم الحدود بينهما فى الجزائر، تنازل العراق بموجبها عن جزء من شط العرب، الذى كان خاضعا لسيادته بالكامل، مقابل توقف إيران حينها عن دعم التمرد الكردى فى شمال العراق ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
وفى ١٧ سبتمبر ١٩٨٠، ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر التى وقعها عالم ١٩٧٥ مع شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، ودعا حينها إلى عودة السيادة العراقية على كامل شط العرب، فيما تمسكت إيران بتقاسم السيادة على شط العرب حسب اتفاقية الجزائر، واعتبرت قرار صدام حسين إعلانا للحرب عليها، وفى ٢٢ سبتمبر ١٩٨٠، دفع صدام حسين بقواته إلى داخل الأراضى الإيرانية لتبدأ حرب ضروس بين البلدين، استمرت ٨ سنوات وانتهت فى أغسطس ١٩٨٨.
ومنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، تسعى طهران لإعادة العمل باتفاقية الجزائر، ويبدو أنها وجدت الفرصة أخيرا لتحقيق هذا الأمر، مستغلة وجود موالين لها فى البرلمان العراقى والحكومة العراقية، واعتماد بغداد بشكل أساسى على استيراد الكهرباء والغاز من طهران بسبب الدمار الذى لحق بالبنية التحتية فى العراق فى سنوات ما بعد التدخل العسكرى الأمريكى للإطاحة بنظام صدام حسين وأيضا الحرب على تنظيم داعش الإرهابي.
ففى أعقاب مباحثات روحانى مع نظيره العراقى برهم صالح، ورئيس الوزراء العراقى عادى عبدالمهدي، كشفت وسائل الإعلام العراقية أنه تم الاتفاق بين العراق وإيران على إعادة العمل باتفاقية الجزائر، حول تقاسم السيادة على شط العرب، والبدء بعمليات مشتركة لتنظيف هذا الممر المائي، ويبدو أن هذه الخطوة الأولى فى تحقيق الهدف الأساسى لإيران بالسيطرة على شط العرب بالكامل، فى إطار مخططاتها لتوسيع نفوذها فى العراق وإحكام سيطرتها على اقتصاده، وجعله تابعا للاقتصاد الإيرانى ومتنفسا له من العقوبات الأمريكية.
ولعل التقرير الذى نشره موقع «الخليج أونلاين» فى ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦، يكشف أن المخطط الإيرانى الهادف للسيطرة على شط العرب بالكامل لم يكن وليد اللحظة، وإنما كان ينتظر الفرصة المناسبة، ووجدها فيما يبدو فى ظهور تنظيم داعش الإرهابى فى العراق، وما أعقب ذلك من تشكيل الميليشيات الموالية لإيران، وسيطرة الأحزاب الشيعية الموالية لطهران على معظم مقاعد البرلمان العراقى ووزارات الحكومة المركزية فى بغداد.
فقد نقل موقع «الخليج أونلاين» عن ضابط يعمل فى القوات البحرية لعراقية، قوله إن «العراق يفقد سنويا، ونتيجة للإهمال الحكومى وكثرة الغوارق، آلاف الأمتار من أراضيه فى شط العرب لصالح إيران، وإن هناك خططا إيرانية للسيطرة بالكامل على شط العرب فى أقصى جنوب العراق».
وأضاف الضابط العراقى أن ظاهرة الإرساب والترسبات (زيادة ارتفاع مستوى اليابسة) أحدثت تغيرا فى مسارات وممرات الملاحة العراقية فى شط العرب، وسمحت للسواحل الإيرانية بالتمدد على حساب تراجع السواحل العراقية»، فيما حذر عضو المركز البحرى العراقى عامر عدنان من أن إضافة أراض رسوبية جديدة إلى الجانب الإيرانى على حساب الجانب العراقى فى شط العرب، سيؤدى إلى وقوع الموانئ النفطية العراقية المطلة على الخليج العربى كميناء البصرة وميناء خور العمية، ضمن أراضى الجانب الإيرانى ويحرم العراق من أى إطلالة بحرية، بالإضافة إلى احتمال زحف حدود إيران داخل البصرة واقتطاع مساحات جديدة من الأراضى العراقية.
ورغم أن إيران حققت مبتغاها فى إعادة العمل باتفاقية الجزائر، إلا أن الأمل لا يزال معقودا على الشعب العراقى لإحباط مخططات طهران فى السيطرة على شط العرب، خاصة أن الاحتقان يتزايد فى صفوف شيعة العراق ضد تدخل نظام الملالى فى شئونهم الداخلية، ومحاولته استغلال الدين لإشعال صراع مذهبى فى العراق، وهذا ظهر فى السابق فى إحراق متظاهرين فى البصرة ذات الأغلبية الشيعية للقنصلية الإيرانية هناك، كما ظهر فى الانتقادات غير المسبوقة، التى وجهها المرجع الشيعى الأعلى فى العراق، آية الله على السيستاني، لمحاولات طهران توسيع نفوذها فى بلاده، وذلك خلال لقائه مع روحانى على هامش زيارته للعراق.
وقال المكتب الإعلامى للسيستانى فى بيان فى ١٣ مارس، إن السيستانى اجتمع فى مدينة النجف جنوبى بغداد مع روحاني، وأكد خلال اللقاء ضرورة احترام السيادة العراقية، وحصر الأسلحة التى تحملها الفصائل فى العراق بيد الدولة. وهذا اللقاء هو الأول بين رئيس إيرانى والسيستاني، الذى نادرا ما يعلن رأيه فى الشئون السياسية، لكنه يتمتع بنفوذ واسع لدى الرأى العام العراقي، وتعتبر تصريحات السيستانى حول حصر السلاح بيد الدولة إشارة ضمنية إلى الميليشيات الشيعية العراقية خاصة التابعة لـ«الحشد الشعبي» التى تدعمها إيران وتحظى بنفوذ متزايد داخل العراق.وكان السيستانى قد دعا العراقيين فى عام ٢٠١٤ إلى التطوع لمحاربة «داعش»، واستغلت إيران الفرصة حينها لتشكيل ميليشيات موالية لها بالعراق بزعم محاربة داعش، رغم أن هدفها الأساسى كان زيادة نفوذها هناك.