السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: الصوم والعدالة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يرسم لنا الكتاب المقدس، بعض التوجّهات والنصائح العملية، لإبقاء الصوم فى إطاره الصحيح، للحفاظ على معناه الحقيقى فى حياة المؤمنين والكنيسة ألا وهو، عدم الاكتفاء فقط بالامتناع عن الطعام، وإنما ممارسة العدالة والحق والرحمة.
يورد النبى أشعياء فى الإصحاح 58 من تساؤل شعب صام وامتنع عن الطعام وحافظ على طقوس التقوى والعبادة، لكن بالرغم من ذلك شعروا بأن الله لم يستجب لصلواتهم فأصيبوا بإحباط كبير. ظن ذلك الشعب أنه بمجرد أن يصلّوا ويصوموا، فإن الله سوف يباركهم، بغض النظر عن مواقفهم فى الحياة، وفى شدة إحباطهم تذمروا إلى الله وعاتبوه قائلين: «لماذا صمنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟»، بعد هذا التساؤل والمعاتبة، يخبرهم الله عن سبب تجاهله لصومهم، ويضع لنا الإطار الصحيح للصوم الذى ينظر إليه ويلاحظه ويعتبره صومًا مقبولا أمامه.
قال الله للنبى أشعياء: «ناد بصوتٍ عالٍ، لا تمسك، ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبى بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم». فالله يرجع السبب الأساسى فى عدم استجابته للصلوات، إلى طريقة عيشهم المليئة بالتعدى والخطايا، الأمر الذى يطرح تساؤلًا حول حقيقة معنى صومهم. 
أثناء الصوم، يخبرنا الكتاب المقدس إن الصوم فى معناه الحقيقي، هو وقت للتوبة، وقت إنكار مسرَّات وأفراح الذات وطلب مسرة الله، لكن لم يكن يتحقق ذلك فى صوم ذلك الشعب. ويقول أشعياء: «ها إنكم فى يوم صومكم توجدون مسرَّة». أى بدلًا من أن تطلبوا ما يسرّ ويبهج قلب الله فى يوم صومكم، أنتم تسعون وراء ما يسرّكم ويبهج قلبكم. فأين هو موقف التوبة والتواضع وطلب مسرة الله الذى يجب أن يسود عليكم أثناء الصوم؟ الأمر الآخر الخطأ فى حياة ذلك الشعب، هو تشديده الكثير على مظاهر الصوم دون المضمون. ويقول الله: أمثل هذا يكون صوم أختاره، يومًا يذلل الإنسان فيه نفسه، يحنى كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحًًا ورمادًا. هل تسمّى هذا صومًا ويومًا مقبولًا للرب». إن مشكلة ذلك الشعب أنه تمسّك كثيرا بمظاهر الصوم وأهمل حقيقة معناه. فكانوا يحنون رؤوسهم تعبيرا عن حزنهم على خطاياهم، ويفرشون تحتهم المسح (وهو نوع من القماش الخشن غير المريح للإشارة إلى التقشف وإماتة الذات)، ويجلسون على الرماد إشارة إلى الفناء والزوال.
ليست الغاية الأساسية من الصوم مجرد الامتناع عن الطعام، وإنما كما قال أحد اللاهوتيين: «الحصول على مساحة أكبر لحضور الله فى الحياة». فالمعنى الحقيقى للصوم، لا يكتمل بدون الموقف الصحيح من الآخرين المتألمين والمحتاجين، وهذه كانت مشكلة الشعب الصائم على زمن النبى أشعياء. الهدف من الصوم هو تسميع صوتنا إلى العلاء، من خلال موقفنا الروحى الصحيح الذى نأخذه أمام الله، وأيضا موقفنا الاجتماعى الصحيح أمام الناس، لا سيما المساكين والمتألمين، ففى فترة الصوم نمتنع عن التفكير فى الطعام، كيما نعطى مساحة أكبر للتفكير فى علاقتنا بالله، وعلاقتنا بالآخرين كيما نعاملهم بعدل ورحمة.
ويقول أشعياء: «ها إنكم فى يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخّرون». لقد قضت شريعة الصوم فى يوم الكفارة، بالتوقف كليًا عن العمل «عمل كل لا تعملوا، ليكون يوم صلاة وصوم إلا أنه ما كان يفعله أولئك الصائمون آنذاك، أنهم كانوا هم يتوقفون عن العمل، ويسخّرون الأجراء الغرباء بأعمال شاقة، مخالفين بذلك وصية الشريعة. فكيف يقبل الله صومنا ويسمع صوتنا ونحن نتخذ هذه المواقف المشينة؟، فالصوم الذى لا يعمل على تخفيف آلام المتألمين لا يقبله الله. 
يخبرنا النبى أشعياء عن المواقف الصحيحة للصوم فيقول: «أليس هذا صومًا اختاره: حلّ قيود الشر، فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك. وأن تدخل المساكين إلى بيتك، وإذا رأيت عريانًا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك». (اش 58: 6-7). الصوم الحقيقى يجب أن يترافق مع: رفض الشر، المناداة والعمل على تحرير المسحوقين، تقديم الخبز للجائعين، إكساء العريانين، وإيواء المساكين. فإذا لم يرتبط صومنا بمواقف العدالة والرحمة، فإن صومنا وصلاتنا يفقدان معناهما.